صورة وزير الخارجية الأمريكي يأكل الشاورما في مطعم فلسطيني، تدخل في عالم الخديعة والنفاق من أوسع الأبواب؛ فتذوقه الشاورما "الفلسطينية" وحديث الملاطفة مع البائعين، هي حملة علاقات عامة لتسويق جهود باسم السلام لكنها جهود لضمان إسرائيل وأمنها.
كيري مثله، مثل كل المسؤولين الأمريكيين في جوهر موقفه، لكنه يعتقد بأن دبلوماسية الشاورما، تجعله وسيطاً محايدا، لكسب تأييد الفلسطينيين لعملية "سلام"، يتذوقون وجعها كل يوم، بفضل الدعم الأمريكي غير المحدود وغير المشروط لآلة الاحتلال والتدمير الإسرائيلية.
منذ بدأ السياسي الأمريكي العتيق جهوده "لإحياء عملية السلام"، والفلسطينيون يدفعون ثمن كل خطوة له بحجة إزالة العقبات أمام استئناف مفاوضات عبثية، في أحسن أحوالها، تدفع لتسوية استسلامية في حالة نجاحها.
كيري لم ينجح حتى في اقناع الحكومة الإسرائيلية بوقف توسيع المستوطنات؛ فرغم التسريبات عن تجميد مؤقت، تم الإيذان بمباشرة إقامة 300 منزل جديداً في مستعمرة بيت إيل، التي تمتد على حساب قرية دورا القرع الجميلة، المشهورة بينابيعها وعنبها وزيتونها، بهدف تدمير الأراضي الزراعية ومحاصرة رام لله وريفها.
لكنه نجح في الضغط على الاتحاد الأوروبي بتأجيل قرار، بالتمييز بين منتجات المستوطنات، والصادرات الإسرائيلية الصنع الأخرى، في مؤشر مهم، وإن كان غير كاف بعدم اعتراف أوروبي بمشروعية المستعمرات الإسرائيلية، بما في ذلك القدس الشرقية.
كما أبدع السيد كيري، بالضغط على القيادة الفلسطينية ، بعدم التحرك لملاحقة إسرائيل قانونيا، كما يتيح لها موقع فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، مشيراً إلى احتمال وقف كل المساعدات المالية، بتهديد، ضمن لكن واضح لسحب أية ورقة فلسطينية حتى قبل بدء المفاوضات، التي شكلت تاريخياً أداة لمنع أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية.الابتزاز المالي، لا يعفو السلطة الفلسطينية من مسؤوليتها، فتخليها، وتحت أي سبب من الأسباب، عن أية وسيلة مقاوم أو احتجاج، أو في الحد الأدنى أداة ضغط، يضعفها في مواجهة الضغوطات، ولن يشفع لها الفلسطينيون ضعفها وتقاعسها، لأن من يستسلم للإحباط لا يصلح للقيادة. في الظاهر فإن الجانب الإيجابي الوحيد، وأقولها بحذر شديد، بأن كيري فشل لحد الآن من إعادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لطاولة المفاوضات المباشرة، لأن بنيامين نتانياهو لم يعط ما يستطيع أن يبرر للمسؤولين الفلسطينيين، إعلان توجههم إلى مفاوضات يراد لها تقرير احل النهائي وتقرير مصري الفلسطينيين و وطنهم التاريخي.
لكن الخطر يكمن في الخطوات الصغيرة المرئية وغير المرئية، التي تتحقق خارج إطار طاولة المفاوضات، ومنها التي ذكرت في الأعلى، لكن الأهم هو الاتفاق على نقطتين مهمتين؛ الترتيبات وإجراءات التنسيق الأمنية لمنع انتفاضة فلسطينية ثالثة وتثبيت مبدأ مقايضة الأراضي، بعد ما أعطت الجامعة التاريخية الضوء الأخضر، أي الدخول في تفاصيله حتى دون استئناف المفاوضات المعنية.
ما يسمى "بعملية السلام"، ومنذ البداية هي عملية أمنية بامتياز، لضمان راحة وأمن إسرائيل بحيث لا تشعر "مهدَدَة" بل تبقى"مهَدِدة"، بامتياز وتفوق، دون أية عرقلة تُذكَر لمصادرة أراضي وعلميات قتل وأسر وتشريد، فالمشروع الصهيوني يجب أن يستمر..
أما مقايضة الأراضي، الذي يخدع القادة العرب الفلسطينيون أنفسهم وشعوبهم بأنه تقدمة لدولة فلسطينية، فهو ليس إلا بداية تثبيت الشرعية لتاريخية لإقامة دولة إسرائيل واحتلالها وتمددها، لأن إذا انسحبت ولو متر، سيكون ذلك بمثابة تنازل "من أجل السلام" من أرضها التاريخية، لا حقوق عربية أو فلسطينية فيها.
في المحصلة يقوم كيري بجولاته المتتابعة، لتهدئة الوضع، أو ضمان عدم تفجيره في الجبهة الفلسطينية ، بينما تقوم واشنطن بإعادة ترتيب أوضاعها وأوضاع المنطقة، دون أية مؤثر يعيد الاصطفافات العربية ضد إسرائيل لأن من الضروري أن تبقى وتغذي الاصطفافات الطائفية، فيما تستكمل إسرائيل مخططاتها ويكتمل تفكيك التعاليم العربي، وتفوق دبلوماسية الشاورما على دبلوماسية الخطوة خطة الكيسنجرية.
مقالات للكاتب لميس اندوني
التعليقات (0)