تزوج السفاح قبل توليه الخلافة من "أم سلمة" المخزومية وهي أرملة عبد الله بن المغيرة المخزومي، ثم تزوجت من بعده عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك الاموي فمات ، فبينما هي ذات يوم إذ مر بها أبو العباس السفاح ، وكان جميلاً وسيماً ، فسألت عنه ، وأرسلت له مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها ، وقالت لمولاتها قولي له : "هذه سبعمائة دينار موجهة منها لك" ، وكانت تمتلك كثيراً من المال والحشم والجواهر ، فأتته المولاة وعرضت عليه ذلك ، فقال لها : أنا مُمْلِق لا مال عندي ، فدفعت إليه المال ، فأقبل إلى أخيها وطلبها للزواج فزوجها إياه وحظيت عنده حتى أصبح لا يقطع أمراً إلا بمشورتها حتى أفضت إليه الخلافة .
فلما كان ذات يوم خلا به خالد بن صفوان فقال له : " يا أمير المؤمنين ! إني فكرت في أمرك وسعة ملكك ، وقد ملكت امرأة واحدة ، فأن مَرِضَتْ ، مَرِضْتَ ، وإن غابت غبت ، وحرمت نفسك التلذذ باستظراف الجواري ومعرفة أخبار حالتهن ، والتمتع بما تشتهي منهن ، فإن منهن يا أمير المؤمنين الطويلة الغيداء ، والبضة البيضاء ، والدقية السمراء ، والبربرية العجزاء ، وجعل خالد يجيد الوصف ويَجُد في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة وصفه ، فلما فرغ من حديثه ، قال له أبو العباس ، ويحك يا خالد ! ما صك مسامعي والله كلام أحسن مما سمعته منك ، فأعد علي كلامك ، فقد وقع مني موقعاً ، فأعاد عليه خالد أحسن مما ابتداه ثم انصرف .
وبقي السفاح متفكراً فيما سمع فدخلت عليه زوجته فلما رأته متفكراً مغموماً قالت : إني لأنكرك يا أمير المؤمنين ، فهل حدث لك ما تكرهه ، أم أتاك خبراً فارتعت له ؟ قال : لم يكن من ذلك شيء ، قالت فما قصتك ؟ فجعل ينزوي عنها ، فلم تزل به حتى أخبرها بحديث خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة؟ قال لها : سبحان الله ينصحني وتشتمينه ؟ وخرجت من عنده مغضبة وأرسلت إلى خالد جماعة وأمرتهم أن لايتركوا منه عضواً صحيحاً . يقول خالد : فانصرفت إلى منزلي وانا على سرور بما رأيت من أمير المؤمنين وإعجابه بما ألقيت إليه ، فلم ألبث حتى سار إلى أولئك النفر وأنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم قد أقبلوا نحوي ايقنت بأن جائزة الامير قد وصلت حتى أذا وقفوا علي أهوي علي أحدهم بهرواة كانت معه فدخلت داري ووقع في خلدي أني أُتيت من قبل "أم سلمة" ، وطلبني السفاح طلباً شديداً فلم اشعر ذات يوم إلا بقوم هجموا علي وقالوا : أجب أمير المؤمنين فأيقنت بالموت فركبت وليس علي لحم ولا دم.
فلما وصلت إلى الدار أوما لي بالجلوس ونظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد أُرخيت ، وحركة خلفها فقال لي : ياخالد لم أرك منذ ثلاث ، قلت : كنت عليلاً يا أمير المؤمنين ، قال ويحك ! إنك وصفت لي في آخر دخلة لك علي من أمر النساء والجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه ، فأعده علي ، قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، أعلمتك ان العرب اشتقت اسم الضرة من الضُر ، وأن أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلا كان في جهد ، فقال ويحك ! لم يكن هذا في الحديث . فقلت : بلى يا أمير المؤمنين ، وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأنهن القدر يغلي ، قال أبو العباس : برئت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت سمعت هذا الكلام منك في حديثك . قال: وأخبرتك أن الأربع من النساء شر صحيح لصاحبهن ، يُشِيبنه ويُهْرِمنه ويسقمنه . قال ويلك ! ما سمعت هذا الكلام منك ولا من غيرك قبل هذا الوقت .
قال خالد : بلى والله ، قال ويلك ! وتكذبني ؟ قال : وتريد أن تقتلني يا أمير المؤمين . قال مر في حديثك، قال : وأخبرتك أن أبكار الجواري ما هنَّ إلا رجال ، قال خالد : فسمعت الضحك من وراء الستر، فقلت : نعم وأخبرتك أيضاً أن بني مخزوم ريحانة قريش ، وأنت عندك ريحانة من الرياحين، وأنت تطمح نفسك إلى حرائر النساء وغيرها من الإماء . قال خالد : فقيل لي من وراء الستر : صدقت والله ياعماه وبررت ، بهذا حدثت أمير المؤمنين ، ولكنه بدل وغير ونطق عن لسانك ، فقال له أبو العباس ، ما لك قاتلك الله وأخزاك وفعل بك وفعل .. ! فتركته وخرجت ، فما شعرت إلا برسل "أم سلمة" قد ساروا إليَّ ومعهم عشرة آلاف درهم وتخت وبرذون وغلام.
التعليقات (0)