كومونة (( الصعاليك)) ..و((اشتراكية )) البداوه
اذا كان سبارتكوس الذي قاد ثورة العبيد ضد استرقاق الامبراطوريه الرومانيه بين عام 73-74 قبل ميلاد المسيح ..قد وجد في عام 1919 من يعيد حركته الى الذاكره بانتفاضة السبارتيكيون في المانيا ...فان نموذجا اخر وطرازا متقدما من هذا النوع الثوري لم يجد من ينصفه حتى ولو بالكلام او الاشاره اليه سوى بضع محاولات اتخذت طابعا ادبيا فرديا ومحافظا ...ذلك هو ((عروه بن الورد ))) الذي قاد حركته في نهاية القرن السادس مبلورا نموذجا ثوريا فريدا اقترب في خطوطه من رسم معالم ما يمكننا ان نسميه بتجربة الاشتراكيه البدويه والتي كانت ترتكز على واقع تمايز طبقي حاد ووعي جنيني دعى الى نبذ المفهوم القبلي والتمرد على تقاليده التي تكرس دونية الفقراء وتسلبهم حقهم في التعبير ...ولقد اطلق على بدايات تلك الظاهره الاعتراضيه بما يعرف ب ((الصعلكه )) او ((الصعاليك)) ...والذي يعني من الناحيه اللغويه بالفقراء اللذيين لا مال لديهم ويعتاشون على السلب وليس ((النهب)) ورغم ان المراد من هذه التسميه هو الانتقاص من شانهم الا ان طبيعة وتركيبة الصعاليك اؤلئك وخصوصا بعد ان انبرى اميرهم عروه لقيادتهم قد حفظت لهم مكانه متميزه في زمنهم او في المراحل التاريخيه اللاحقه ..فلقد كانوا دوما يمثلون رمز ذعر وخوف لافراد الطبقه المترفه وفي الوقت ذاته كانوا يحضون بقدر وافر من الحب والتعاطف من قبل الاغلبية المظطهده التي كانت تنظر اليهم على انهم الانموذج الصعب لخلاصهم والنتقم من مظطهديهم ..فهؤلاء الصعاليك كان يسميهم العامه ب((الذئاب)) اشارة منهم الى طبيعة الحياة التي يحيونها واجلالا مبطنا لطريقة انتزاعهم للحقوق ... ولقد كان الخط الذي يميز بين ماهو صعلوك ذئب وبين من هو لص او قاطع طريق ان الاول كان يقوم بالاغاره والسلب على اموال الاغنياء حصرا وخاصة البخلاء منهم وان يجعل للفقراء حصة في الغنيمه ..بينما يسعى الثاني الى استحصال مبتغاه دون اي استثناء بل لعله يجد ان الطريقه الاسهل عليه والاكثر امانا وسلامه هي الاغاره على ما تبقى لهذا الفقير اونلك القبيله المعدمه ...ان طبيعة هذا التصرف وهذه السلوكيه انما نبعت من دواعي الصعلكه حيث التمرد على القيم القبليه الصارمه وبربريتها السافره وليس غريبا من ان نجد يبن اسباب الصعلكه تلك حالة التفرقه على اساس اللون اوكما كان يسمى ابناء الحبشيات ب((اغربة العرب )) ومن مشاهيره الصعاليك الفارس السليك بن السلكه وتابط شرا ..ولعل هذا ما يفسر ظاهرة مميزه لادب وسلوكية الصعاليك التي جعلتهم يفضلون وحوش الصحراء وحيواناتهم على افراد قبائلهم ويصرون على ان تلك الحيوانات لها من العاطفه والعدل ما يفوق بني البشر ..فها هو الشنفري ((صاحب لامية العرب المشهوره )) يقول
ولي دونكم اهلون سيد عملس .............وارقط زهلول وعرفاء جيال
هم الاهل لا مستودع السر ذائع .................لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
ومع هذا فان حالة ((الاغتراب )) التي كان يعاني منها هؤلاء المتمرديين لم تنسهم من ان يرسموا لانفسهم سلوكا نموذجيا يعيد دمجهم في المجتمع الانساني الذي كان يبتغونه ...
ان مدت الايدي الى الزاد لم اكن ...................باعجلهم واذا اجشع القوم اعجل
هذا هو ايثار الثائر الذي ينتزع الزاد بحد سيفه لكنه يبقى اخر من يشبع منه وهو في الوقت نفسه يبادر لنفي صفة الكرم المزيف الذي كان سائدا في مجتمع المترفيين عن تصرفه هذا
واني كفاني فقد من ليس جازيا ...............بحسنى ولا في قربه متعلل
واذا كانت تلك السلوكيات المتمرده قد اتخذت في غالب الاحيان طابعا فرديا محددا فان ما قام به عروه بن الورد يندرج ضمن مفهوم التنظيم لمبادىء حركه اجتماعيه ثوريه ذا نزعه اشتراكيه ..وعلى الرغم من انه لم يكن لا من القفراء المعدميين ولا هو من ابناء الحبشيات ((غربان العرب ))..لكنه امتهن الصعلكه بعد ان قام بما يشبه التنظير لها في شعره وعمد الى تطبيق مبادئه التي يمكن اجمالها بما يلي 1-المجتمع القبلي مجتمعا غير ((ذا حسنى )) غير عادل 2-كل الفقراء هم صعاليك 3-للصعاليك حق في اموال الاغنياء وخاصة المقتريين منهم ((محاربة تراكم الثروه)) 4-على الصعاليك ان يضعوا ولائهم للصعلكه فلا لون يميزهم ولا نسب 5-كل صعلوك يجب ان يكون ((ضروبا))اي مقاتلا 6-محاربة ؤد البنات وامتهان النساء الفقيرات
ولعل الفقره الاخيره تجبرنا على ان نتوقف عندها بمزيد من الاحترام والتقدير المقرونتيين بالدهشه من هذا النموذج الثوري الفذ الذي استطاع بوعيه الانساني من ان يوفق ويزاوج بين عنفه الثوري الدامي وبين عاطفته المرهفه ..ان مجرد دعوته الى محاربة ؤد البنات (((اي قتلهن مباشرة بعد الولاده )) كان بحد ذاته دعوه ثوريه بكل ما تعنيه الكلمه لان هذا يعني اولا تجاوزا على محرمات القبيله وانتهاكا لتقاليده المتوحشه وهو يعني ثانيا الدعوه الى تمرد الفقراء على الاغنياء لان الذي يدفع بهؤلاء لان يئدوا بناتهم هو عدم مقدرتهم على تربيتهن وحمايتهن ..وبالفعل فان هذه الرؤيا قد دفعت بحركة عروه بن الورد لان ينشىء اشبه ما يكون ب ((كومونه )) اجتمع فيها من حوله الصعاليك حيث قاموا بتطبيق تلك المبادىء تحت شعار مفهوم ومطبق لكنه في وقته لم يكن هكذا معلن ((من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته ))) على الصعاليك الاشداء المقاتليين الاغاره والسلب ولكل الصعاليك المقاتليين والغير مقاتليين ...النساء منهم والرجال ... حق متساوي في الغنائم ...لا ملكيه ابدا ..لا تمييز ...وتقسيم العمل كان في اعلى درجات الاختيار الحر ...واذا كانت كومونة الصعاليك هذه قد انهارت مكانيا بعد ما يرجح اغتيال رائدها بطعنة مسمومه فان التقاليد الثائره التي قامت عليها ركائزها قد وجدت لها امتدادات واسعه في المراحل اللاحقه بحيث شملت سلوكية ونهج قبائل برمتها مثل تيم او غفار وتحول رمزهم الذي نودي ب((ابو الصعاليك)) وامير الصعاليك الى مثل يحتذى به ونموذجا حاول الكثير فيما بعد من اعادة انتاجه وقد افلحوا بدرجات متفاوته قياسا للواقع المعقد الذي باتوا يحيونه ..وليس بغريب ان تكون حركات التمرد ضد الدوله الاسلاميه كان اغلبها يقودها من هم يرفعون شعار ((للفقراء حق في اموال الاغنياء )) وفي زمن قررت السلطه الدينيه فيه ان غنى الاغنياء وفقر وجوع الفقراء انما حدد باراده الله وبامره ومباركته ...كان احفاد عروة الصعاليك لا يتوانون بان يشهروا سيوفهم بوجه هذا الاله المترف ويعلنوا تحديهم له
التعليقات (0)