كن أنت.. أو لا تكن
بقلم: خليل الفزيع
كثيرون أولئك الذين يصرون على تشويه ذواتهم بمواقف هي في حقيقتها لا تعبر عن مواقفهم ومشاعرهم الخاصة، بل هي صدى لمواقف ومشاعر الآخرين، ولعل الهدف الخفي من وراء ذلك هو استجداء بعض المكاسب الشخصية التي لا تلبث أن تنتهي بانتهاء مناسبتها، وقد تخلف الحيرة أو الندم، عند الإحساس بفداحة التضحية في حالة يقظة الضمير وتولد الشعور بالخطأ؛ وقد أطلقت العرب على من ديدنه (المعية) والميل مع الريح حيث تميل (الرجل الإمعة) وهو الذي لا يعرف له موقف، وإن عرف له موقف فهو موقف بلا هوية، لأنه في الغالب يكون كما يريد له الآخرون أن يكون، لا كما يريد لنفسه أن يكون، بل ربما لا يستطيع أن يكون إلا كما يريد له الآخرون أن يكون، نتيجة ضعفه وعدم إيمانه بقدراته وكفاءاته الذاتية، ودون أن يحاول اكتشاف مكامن القوة في شخصيته.
هذا التخاذل في النظر إلى ما يملكه الإنسان من إمكانيات عقلية وعاطفية يدفعه إلى ارتكاب كثير من السلبيات، مع أنه بشيء من التعقل والتدبر يمكنه أن يحقق نجاحات ربما لا تتوفر لسواه، لكنه يلجأ إلى تضييع هذه الفرص بطوعه واختياره لينجرف في تيار التبعية المفرطة للآخر، قد يكون هذا الآخر فردا متسلطا، أو جماعة ذات أهداف مشبوهة، أو أي جهة أخرى مهما كانت أهدافها وغاياتها، فالتبعية في كل هذه الحالات تعني أن يلغي الإنسان ذاته، ويضحي بمبادئه، ويتنازل عن مواقفه لينخرط في الاتجاه الذي يراد توجيهه إليه، وليصبح آلة في يد غيره، وربما أصبحت هذه الآلة مدمرة، لأنها موجهة بجهاز تحكم يملكه الآخرون.
ومن أراد تحقيق الذات من خلال التبعية، فلن يبلغ غايته مهما طال به الزمن، فهذه الغاية تتعارض تمام التعارض مع التبعية؛ وتحقيق الذات يحتاج إلى الاستقلالية والصدق مع النفس، وإعطائها مكانتها المناسبة دون تخاذل مذل أو غرور أجوف.. دون تنازل مهين أو تسلط أرعن؛ ومنطق الحياة أن تكون الأمور في مكانها الصحيح، وأي خلل في هذا السياق الطبيعي للأمور ستنجم عنه نتائج لا تحمد عقباها، فإذا حاول المرء التنازل عن المكانة التي تؤهلها له إمكانياته الشخصية، وضحى بحقه في الكرامة الإنسانية، أصبح ألعوبة في أيدي من يريدون العبث به، واستغلاله في أسوأ الأمور وأبشعها، وليس هناك ما هو أسوأ أو أبشع من سلبه إرادته، وتهميش شخصيته.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم} هكذا أراد الله لله للإنسان أن يكون، فكيف يذل هذا الإنسان نفسه ويهين كرامته، وينزل من عليائه إلى أسفل سافلين؟
ومن أعجب الأمور أن بعض البشر لا تستقيم له الحياة مع الكرامة، لأنه يجد لذته الكبرى.. في المهانة، وفرحته التي لا تعادلها فرحة.. في المذلة، وكل ذلك يتنافى مع إنسانية الإنسان ومكانته الطبيعية في الحياة، وهذه المكانة ليس فيها مهانة ولا مذلة، بل عزة وكرامة، وعطاء متوازن مع إمكانياته وقدراته، وموقف مستجيب لحاجاته ومتطلبات حياته، ومنسجم مع سموه وعلو همته.
كما أن بعض البشر لا تستقيم له الحياة إلا باستغلال غيره، والإساءة إليهم، فإذا وجد من ذوي النفوس الضعيفة استجابة لانحرافه، تمادى في هذا الانحراف، وإن وجد رفضا ركب موجة التعسف لعلها تقوده إلى مبتغاه، ناسيا أن السحر قد ينقلب على الساحر، وإن من أراد إذلالهم قد يأتي يوم تتاح لهم فيه فرصة إذلاله كما أذلهم، لذلك فإن الإنسان في الحالتين يحيد عن جادة الصواب، عندما يغرق في مستنقع الإفراط أو التفريط؟ فيضل الطريق، ولا يدرك ما يريد.
فما أجمل أن يكون الإنسان كما هو في حقيقته البشرية، وفي جوهره النقي!
لا أن يعيش مسكونا بهاجس إذلال النفس، أو التسلط على الآخرين!
أليست الحياة أثمن من أن تهدر في الهوان أو الطغيان؟!
التعليقات (0)