كان الخوري يثرثر كثيرا وأنا افكر بفينو وبهذا الشراب الذي سقتني اياه و اقول تعالي نركض وراء غايتنا التي نشدناها سويا نلهث وراء هذا الفعل النبيل الذي سنقترفه هذا الليل وقد ضربنا له المواعيد بعد أن برحّت بنا المواجيد .ورسائل العيون وهمس الجفون .
غفوة الدهر أنت أيتها اللعوب الطروب .. هلمي اسكبي في قلبي جنح ملائتك اللاهفة ووشيها بالسكون ، فكل شيئ هادئ ما خلاك وكل شيء صامت ما سواك.. سواك .. ..اعبثي بثنايا روحي التي جفت إروي ضمأها ، و ارفعي عاليا أشرعة الإبحار نحو وجدي المشبوب، لعلّي أجد ما لم أجده طيلة سنين عجاف من عمري المسكين الذي اضعته قيض نهار , لا اريد ان تمر ذكرى الغد , لأن دموعي تقاطرت من كهفها السحيق ورحت ا نثرها على المفازات القاحلة التي تبددت كغبار الطلع بين ثنايا الغروب , أغتسل برائحة الصمت حين يرفّ الهواء من حولي , وأغط في الحلم الذي هو أنت , آه أيتها الأحزان اللعينة التي اثقلتي مساءاتي الموحشة , مهلا يا فينو .. مهلا... لأصنع من هزيمتي المعرفية وشاحا أتّشح به من سياط الأنوثة حين يجرّني الصمت إلى الخواء , مهلا.. لقد ضاعت كل عبارتي وكلماتي توارت خلف ملاءة الخريف برياحه المولوة , ربما هو فحيح الوقت الذي يرسل صداه , أو فحيح الشهوة أو شهقة الريح ، لمن اشكوك ؟ أنا صاحب القلب الكسير الذي ما عرف يوما كيف يحب ولا كيف يعشق سوى هذا الجنون والصخب للفلاسفة الذين احترقوا بالمعنى حتى أورثونيه مرضا لا شفاء منه .. ما عرفت يوما أنني انسان يملك قلبا أو مشاعر تخيطاها أحاسيس من الوجد والشهوة الا ساعة ان همست في اذني كلمات من نور فسرت رقيقة عذبة في أنحاء جسدي النحيل فبكيت ساعتها .. واحترمتي بكائي .. لم لم تسأليني .. لكنت اجبتك ..ولكم تمنيت أن تسأليني ..هي همسة الأنثى بوح خالد خلود العالمين.... ويالها من رسالة دفعت بها لك ذات أن طلبت مني أن أكتب لك عن القديسة تريزا الآلية وهو بحث طلبه القس الذي كان يدرس لك علم اللاهوت الذي سوف تنالين عنه درجة التخرج في السنة الثانية وكان هذا البحث طريقي الى قلبك
فبدأت كتابتي عن هذه القديسة مع الفقر العظيم في المراجع المسيحية عن حياتها الأولى الملتهبة .. ولقد ركزت على هذه الشذرات البسيطة التي وردت في كاتب سيرتها الآب مرقس الآليني مع شرح مفصل ودقيق لمجمل ما راح يحاول السكوت عنه هذا الكاتب اللعين ..
وكتبت مقدمة البحث لغاية في نفسي أن أكون أنا هو ذاته مارميوس الذي احبته تيريزا ومارست كل انواع الشهوة الحسية التي يمكن تخيلها معه وتكوني أنت تيرزا الجديدة .. واذكر انني قلت في تلك المقدمة :
تيرزا الآلية هذه التي قضت عمرها منذ توبتها وهي تحترق بنار الحب الالهي حتى آلت في آخر حياتها الى شهيدة للعشق الرباني وواحدة من أكبر المتصوفات في تاريخ المسيحية ، كانت شهوة شاردة في متاهات الروح حتى أشعلت ذاتها نارا محرقة لا تأنس لها الا النفوس الكبيرة العالية التي تروم السماء وترفف فراشات هائمة في رياض الجنان وتسقى رحيقا زكيا من يدي الرحمن ...
تيريزا التي اشتعلت بتجربتين حسية شهوانية جسدية حتى ثملت تماما بهذه التجربة واستنفدة كل امكانياتها ،والتجربة الروحية التي بلغت بها الى حدودها القصوى في تطورها المعرفي أو الشعوري .. واذا ما احتار بها المتأمل . فو احد اثنين .
فإن كان ذا مكان عليّ، رأها أو شعر بها وفقا لمرتبتها في معراجها الروحي السامي ،وإن كان من ذوي الملكات التي لم تسعفها الثقافة الروحية الرفيعة اعتصم بالتوكل المذعن والرضا الساجي الذي يطوّف في ملكوت الشهوة الحسية . وقلت :
إن الذات النبيلة الممتازة اذ لم تجد متصرفا لممكناتها في الخارج بين الأشياء الظاهرة ، إنفجر باطنها الزاخر بالممكنات فاستحال عالما آخر سرعان ما سيصبح عند صاحبه العالم الحقيقي الوحيد وكل شيء خلاه باطل الأباطيل .. وانتصاره الأكبر إنما يتم نهائيا بالقضاء على الوجود .. على العالم ذي الأدوات ، على الغيرية وعلى العوائق التي تقف في سبيل النمو الكامل للممكنات غير المتحققة . والطريق الى هذا يتفاوت بين النفوس النبيلة .. بعضها .. بعضا.. وفقا لمزاجها الروحي ...كنت أتمنى لك أن تسلكي هذا المعراج الروحي لكن بعد أن اروي ظمأك الحسي .. قلت موحيا لك :
أن طريق الخلاص لا يمر أبدا بالمسيح ولا بغيرة إنما يمر في الارتداد نحو الباطن كما فعلت تيريزا وهو الطريق القويم الذي أفضى بها الى غايتها المنشودة حتى تساقطت الحضرة الوجودية الربانبة في قلبها ..
ومما يعحب له في واقع الأحوال النفسية لأمثال هؤلاء المتفردين أن يخيل إليهم أن طائفا رحمانيا قد طاف بنفوسهم وهي تغالب أحوالها في العالم للظفر بالنجاة.. فشد ازرهم ومناهم بخير المنقلب وعظيم الغاية .. هذا يحدث للناس العاديين الذين نحن منهم فما بالك ونحن بإزاء المهمة الكبرى في حياة الشخوص الكبيرة والطبقات الممتازة .. فتلاميذ عمواس وطريق دمشق عند القديس بولص ، ورؤيا أوستيا عند القديس أوغسطين .. ووحي دلف لدى سقراط ووحي منورا لدى نيتشة والملهمة لدى لدى سيزان كلها أمور لا تتأبى على البحث في لحظة الإنعطافة الكبرى ..
ورحت استنتج استنتاجات بالغة الأهمية بقولي ان تيريزا لما أعتقت غادرت دير التجسد في آبلة، وعندما دارت حيتها الثانية اندفعت بفضل الحرية التي وهبتها الى المشاركة المريرة في الحياة الدنيا .. فانطلقت تعزف وتغني وترقص وتشرب ما لذ وطاب من الخمور وكانت ذات جمال فاتن فائق ..
الذي ادى الى اتخاذها هذا الطريق أنها كانت ذات مزاج فني ممتاز بحكم طبيعة روحها العالية . .. والمشاهد عامة في حياة النسوة اللآئي وهبن قدرا من سمو الروح.. أنهن يحترفن الفن . وفي هذا الطريق اندفعت تيريزا في مسالك الشهوات والأثم وغرقت في بحر الشهوات واقتات بقوت الحواس حتى الثمالة .. ولما أن تابت بعئذ كانت توبتها صادقة و اصدق دليل لدينا على اندفاعها الى ابعد حد في طريق الشهوة هو توبتها .. فالأطراف في تماس كما يقال .... والاعتدال لا يمكن مطلقا أن يؤدي الى التحول الحاسم.. فالانقلابات الروحية الكبرى إنما تقع دائما نتيجة لعنف وافراط ومبالغة في الطرف الأول المنقلب عنه .. فعنف القديس بولص كان نتيجة لعنف انكاره للمسيحية وعنف الحياة اللاتقية للقديس اغسطين كان نتيجة لعنف الحياة الشهوانية .. أن التطرف من شيمة الممتازين الذين يبدعون ويخلقون التاريخ ... وما كان لتيريزا أن تتطرف في ايمانها وحبها الا اذا كانت قد تطرفت في شهوتها وفجورها وحبها للدنيا .. من أعماق الشهوة العنيفة تنبثق الشرارة المقدسة الطاهرة ومن أعماق الانكار والتجديف تنطلق الموجة التي تنشر الايمان .. لهذا دعوتك الى التطرف المطلق تيمننا بمحبوبتك ومثالك في الحياة تيريزا .. اذا اردت أن تحي وتكوني خالقة للقيم .. ومن غيري يمارس معك جنون التطرف هذا .. هكذا كانت خببيئة نفسي اللعينة ...
ورحت أهاتف نفسي
كرائحة الغسق, ينهال على مسائي الكئيب بأسراب من كلمات دون أن يرفّ له جفن, أنصت كالمبحوح وأنا احلم بالحلم السادر في غيه ...يرتّقني العشق بذوائبه المنسدلة على صدر حسناء صامتة, تلفّ كلماتها بموج سارح ..طلائع الشغف غزت جوانحي منذ كلمتها الأولى معي فما عدت أطيق الانتظار لأبوح بما أصابني من حنين هالات من نور حامت حول عيوني وأنا أرى روحها الحيرى تجثو كقبلة سمراء على ركبتيها أمام.. قلبي في غفلة من الوقت, اختزلت المسافات والسنين والحروف دون أن انطق , أخبرتها بحاجتي إليها .. حكيت لها ما علق في ذاكرتي من حكايا العشق التي صغتها بدموعي , قالت لي لحظتها : أنها بحثت عن وجهي بين الوجوه , وغادرت قلوبا عاشقة من أجل أن تعثر على قلبي , أخبرتها : إنني هنا الآن ولن اتركها بعد هذه اللحظة ,, تكلمنا كثيرا دون أن تنبس ألسنتنا ببنت شفة , واتفقنا على الحلم,, صادرنا أحزاننا ورميناها في مكان قصي
إخلَعي سَجْفَ وجْهِك وعانقي وجْهيَ المثقل بالسنينْ، فللحظات ُ تخْلع رُقاقِة قلبي الموجوعِ يا فينو ، رتّقي بأناملكِ أوشِحَة لَحَظاتي المتهرّئةِ منذُ آلاف الكلماتْ، الفراشاتُ لمْ تَعُدْ تمارس طقسَ الهمْسِ في أذني، ووشوشاتك أدارت مثاباتها عن لهفتي وحنيني، ربما تتذكّرين، كيف اختلطتْ دموعي بهتزازات الحروف النديّة ، حين كنا أنا وأنت، عاشقانِ حدّ الوَجَع، نروّض أحزاننا بِصَخب السّكون، وهمس النسيم
الذي انزوى تحت عباءة السنين، كفَرَسٍ أنهَكَته الغزواتْ، حوافر الوقتْ رسَمَتْ وجهَها هناك ، فما عدت تلبسين كلماتك الساحرة ثياب الحزن حين أجيء إليك محمّلا بالشوق والحنين، فهلا منحتني فُسحةً من الزمنْ، لألملم شتاتي وأطرق باب صحْوَك من جديد !!.
هاهي ابتساماتك العائمة فوق جنح الغيم، أو تذكرين يا فينو ، كم سهرنا سويا، نداعب خصلات القمر نسكب عليها عطر الياسمين ، ونشكو للّيل، غياب الربيع عن قلبينا الكَسيرَين؟، تنظرين ألي بعيون الغيرة حين كنا نسير أنا والقمر وضلالك في ساح الدير هائِمَين في لجّة العشق ونار الوجد وحرقة الأنين ، أصابعنا المتشابكة ترتعش بشغفْ ، تَعرق، تُقبّل بعضها كعاشقين، نمشي ونمشي، كأن الساعة غادرت لحظتنا، كأن العيون كلّها ترقب مشيتنا، تغار من لهفتنا، تحسد رعشتنا، لم نخشى لحظتئذٍ من جنون الثواني ومن تلك العيون المتلصصة ، لكنَ الخطى بلغت أعماقها،كل مساء حين يقترب الضوء من عتمة المكان، أمسّد شعرك الطويل بعيوني الحزينة، أطوّقك بذراعيّ المتعبين ، أوشمُ خدّك بقبلة ..
هل جاءت اللحظة التي انتظرناها سويا مذ كتبنا بأحرف من جنون نص تيريزا الآلية ؟ هل علينا الآن أن نمارس الإثم في أقصى درجاته الممكنة ؟ هو ذا الكاهن يغط في نومه العميق ربما يحلم بوحي .. وحي يشهد على ولائه . . يلبسه القميص المقدس ملاك مجنح هبط على قلبه برغبه اذن هو نائم في وديان القداسة هل حانت اللحظة الكبرى للأشتعال ...؟
فهلم نرويها .. في الجزء التالي
التعليقات (0)