مواضيع اليوم

كنيسة ناعور الجزء الثالث

فارس ماجدي

2010-06-18 01:21:07

0

فحيح شهوة سوداء تقاطر في نفسي فجأءة وعلى حين هدأة من لحظات كنت اقراء فيها تراجديات سولوخيوس من ترجمة مندور لا ادري مبعثها لكنها حطت عليّ بثقلها هادرة عاصفة، فالقيت بهذا الحزن المغرق، وهذا البكائيات غلى سمنتاسس تلك الفتاة الجميلة التي احبها منتوسيوس، فراح يملء الفضاء من حواليه بكائا مريرا على فتاته التي قدمت قربانا الى مذبح الالهة في يوم عيدها ..
الساعة تدق ثبت الخامسة من مساء يوم السبت، كان الطقس باردا ، فنحن في بداية فصل الخريف ، هذا الفصل الذي يذكرني بالموت دائما لا أدري لماذا ؟ لعله التغيير الذي يذكرنا بأن الزمن يتحرك، لكنه يتحرك حركة دائرية... في كل يوم، بل في كل نبضة قلب ورفّة جفن، يتغير ، لكن حواسنا البليدة، لا تكاد تشعر بهذا التغير إلا بعد أيام أو أعوام أو أجيال. فنحن لا نحس دبيب البقاء وزحف الفناء في أجسادنا من ساعة لساعة ومن يوم ليوم، ونمضي نقطر الثواني إلى الثواني، والفصول إلى الفصول، واهمين أننا اليوم عين ما كنّاه أمس، وسنكون غدًا عين ما نحن اليوم.
جاء الخريف اذا ماشيا جذلا مترتحا سكرا، وعلى شفتيه شهادةٌ من دم الكروم التي افتض عشقها فتركها ذاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس ، وفي عينيه وهجٌ من روحها، وفي يديه فلذاتٌ البراءة من أكبادها، وعلى ظهره دنٌّ من النبيذ المعتَّق. يدفع به الى قلبي قائلا اشرب يا رفيقي هذه هديتي لك .. فهششت لهذا النبي وبششت، وألحفت عليه في الدخول والتحلل من وزر أثقاله ومن وعثاء الطريق. لكنه أبَى الدخول، وأخذ بيدي سائرا على بساط من الكلأ الشائب والأوراق الكالحة، المفطومة عن ثدي أمَّهاتها الباكيات ، والهائمة على وجوهها غدوا ورواحا . وكانت الشمس كأنَّ على وجهها دثارا من غبار، والهواء كأنَّ برأسه صرعا وفي قلبه احتقانًا، والأرض كأنَّ بها نزيفًا لا ينقطع مداره ، والسماء كأنَّها الرِّق ما خُطَّ عليه شيء إلا من بعض سحابات جهم تلويها الريح العاصفة في آخر الأفق . ما احببت الخريف ابدا فما ثمة الا رسائل الريح العاوية عواء الذئاب، الباكية بكاء الثكالى، والصافرة صفير الهاويات، النافخة بأبواق الجن والعفاريت، ناقمة مولوة قاصفة مدوية في قلبها صقيع الصحارى ولا عجب فهذه الريح التي تسمى ( الشرقية) تهب على الاردن من الصحراء ويطلق عليها اسماء كثيرة منها الرياح الخماسينية او السموم ويظل هبوبها دائما حتى في فصل الشتاء .. ومما يزيد الأمر سوء في ناعور .. أن هذه البلدة تقع في منخفض تحيط به الهضاب من جميع حوانبة أعلاها الهضبة الشرقية التي تبدو على شكل جبل من الصخر الصلد القاسي ينحدر بشدة نحو وادي ناعور .. فعندما تهب هذة الريح تزداد سرعتها بشكل جنوني وهي تتلاطم بين الهضاب والمساكن يرتفع صوتها وصفيرها وصقيعها أثناء الليل بحيث يبدو الخروج من البيت فيه من المخاطر الشيئ الكثير،عبثًا حاولت أن أصمَّ أذنيَّ دون الفحيح والهدير والصفير والنفير، وأن أزرع فيهما أغاني الهداهد، وزقزقة الحساسين ، وحفيف الأوراق، وخرير الجداول، في ليالي الصيف المقمرات. وأن ألقي هذا الكتاب اللعين.. فها إنه يأتي من بعيد صوت الجرس صوت أتى لينقذني من هذا الجو المشحون بالملل والكآبة التي بعثها في قلبي هذه المقطع الحزين الذي راح صداه يتردد في نفس الفتاة المحطمة ( .. ما أجمل الحياة وما أتعس أن نموت دون أن ندري ).
ارتيدت معطفا جيشيا ثقيل ولففت رأسي (بشماغ ) وقلت هوذا نداء السماء جاء يتقاطر في هدأة مع صفير الرياح الخماسينة العاتية .. لن احفل اذن بك ايها الخريف .. ويممت صعدا الى حيث الدير ولا يزال فحيح الشهوة التي ربما بعثها في نفسي ذلك الرسم الغنائي الشجي الذي راح منتوسيوس يرسمه لحبيبته وهو يصف جسدها الأفعواني بتفاصيل دقيقة ..
وما أن دخلت بهو الكنيسة حتى شعرت بالدفء يغمر كل جسدي لم يكن ثمة كثير من المصلين كما كانت العادة في مساء كل سبت .. مما جعلني القي بالسبب على هذا الزائر اللعين .. أين تلك الغوادي اللاهفات اين تلك الروائح الزاكيات أين تلك اللاوتي يفترن عن المباسم اللاهفات .. والعيون الساحرات .. اين تلك الاجساد المتمايلات مع كل انعطافة مجنونة يرسلها انطون كسبرانوا عالي في المفاتيح المنخفضة على الباينو عن قصد ليضفي جوا من البهجه والمرح ففتتراقص النهود البضة وتفتر العيون النضرة .. يا حسرتاه... من يطفئ فحيح الشهوة في قلبي ويسكت هذه النار التي التهمت روحي .. لا نظرة لطيفة ولا همسة لهيفة.. فما ثمة الا هذه العجائز خائرات القوى اللاوتي أشحن بوجوههن الى القبور .. وهذا الخوري اللعين .. الذي راح يلقي موعظة ويالها من موعظة كانت حول بركات غلفة المسيح ..جلست على احد المناضد وقلت في نفسي اي غرابة تلك؟ لم اصغ الى ما يقوله هذا الخوري صاحب السحنة العجيبة من أكاذيب، ورحت امتع ناضري باللوحات التي تناثرت على سقف الكنيسة .متأملا هائما في اهتزازات الألوان وعمقها وجلال الخطوط وروعة الإنثناءات وصفاء الروح وسكينة النفس فراح شعوري يتواثب هنا وهناك، وسرت في جسدي قشعريرة ناعمة اهتزت لها روحي فأين هذا الشعور المفعم الهائم في أوداء القداسة من هذه الثرثرة التي يطلقها هذا الخوري الجاهل ؟ .. لا ادري كم من الوقت مضي لكن ما أن هممت بالخروج من الكنيسة تاركا هذا الخوري وأكاذيبه حتى أطلت فينوس كاهنة الدير بوجهها النوراني حيث علا خديها حمرة كان مأتاها من هذا الصقيع المرعب ، كانت تردتدي شالا أسود يغطي رأسها وما ان دلفت الى داخل الكنيسة حتى ألقت الشال على كتفها ثم ارسلت شعرها الفاحم الجفال .. وحيتني بلطيف ابتسامة أحسست أنها اخترق كل كياني فهي تعرف كيف تعبث بي .. أومأت لها أن تجلس الى المنضدة التي بجاني ثم اقبلت في هذه اللحظات على ما يقوله الخوري وأنا اتلصص النظرات لها بين الحين والآخر .. قالت هامسة ما هذا الذي يقوله أبونا ؟ قلت لها أكاذيب فهذا الخوري سطحي التفكير قليل البضاعة من الفكر والإيمان... وتابعت قولي .. هل تعلمين أنه ثمة هوس ديني حول غلفة المسيح سيطر على التفكير المسيحي قرونا طويلة وكان مدعاة كبيرة للنزاع في المجامع الكنسية منذ مجمع نيقه في عام 334 م . وقد جاء ذكر لهذه الغلفة في رواية يحكيها الإنجيل تقول الرواية في نصّها: ولمّا كانت أيّام الختانة وهو اليوم الثامن أوجبت السُنّة ختانة الصبي فختنوه في المغارة أيضاً. وأخذت العجوز العبريّة تلك الجلدة المقطوعة. وقد كان لها إبن عطّار فوضعتها عنده في قارورة دهن الناردين وتقدّمت إليه وقالت إيّاك أن تبع هذه القارورة الناردين ولو دفع إليك بها ما دفع . وهذه القارورة هي التي إبتاعتها مريم الخاطئة وسكبتها على رأس يسوع فيما بعد لكن الغلفة ظلت في قعر القارورة إضيف لها الناردين مرة أخرى ليحفضها من التلف ... لكن لماذا تتلف وهي غلفة إله ؟
وقصّة هذه القارورة جاءت في ثلاثة أناجيل .. ولقد تعجبت للقديس أنومونو هذه القديس العقلاني تلميذ ابن رشد كيف راح يشيد بها في كتابه ذائع الصيت الإيمان والعقل .. ومها يكن من مصير هذه الغلفة، إلاّ أنها أصبحت موضع تعبّد في القرون الوسطى. وهناك عدد من الكنائس الأوروبيّة التي تتنافس في إمتلاك غلفة المسيح وقد طرح أمر تكاثر غلفة المسيح على البابا انوسينسوس الثالث (1160-1216) كما يقول الآب الأسباني راتنيني في تاريخه . تاريخ الكنيسة .. فحكم بأنه من الأفضل ترك الأمر لعلم الله بدلاً من البت فيها دون تيقّن. وهكذا تجنّب غضب مالكي الذخيرة. فاستمرّت الكنائس بعرض ذخيرتها المقدّسة. ولكل ذخيرة أساطيرها وأعاجيبها.
ثم تابعت حديثي هذا عن غلفة المسيح وكل قصدي ان استثير شهوتها فلا يهمني من أمر هذه الغلفة شيء فما هي الا اكذوبة واعجوبة من أعاجيب المسيحيين فمثلاً غلفة المسيح لديها مقدرة في شفاء العقم وتساعد الحبالى في ولادة أولادهن. ففي عام 1422، مثلا طلب الملك هنري الخامس من رئيس الدير أن يعيره تلك الغلفة التي يطلق عليها الذخيرة بعد إحتلاله لجزء من فرنسا لكي يأخذها لزوجته كاترينا في لندن التي كانت حاملاً. وما أن لمست تلك الذخيرة، حتّى وضعت إبناً ذكراً هو الذي أصبح الملك هنري السادس. وبعد ذلك أعادها الملك إلى فرنسا. إلاّ أنه خوفاً من أخطار الحرب على الدير جعلته يضع الغلفة مؤقّتاً في باريس . وعند تذمّر صاحب الدير من الغلفة وما سوف تجره من ويلات ، قرّر وضعها في دير آخر ينتمي إلى نفس الجمعيّة في باريس على أن لا تُخرَج من هذه المدينة. ولكن رهبان الدير الأصلي إستطاعوا الحصول على قرار ملكي عام 1447 بعودة الذخيرة إليهم. وقد قدم الملك لويس الحادي عشر عام 1464 إلى الدير ليكرّمها....
ومشكلة الغلفة هي مشكلة معرفية يا عزيزتي في الفكر المسيحي ... هل هي جزء من الناسوت أم جزء من اللاهوت فإذا كانت جزء من الناسوت فنحن نعلم حسب الفكر المسيحي أن الناسوت في الذات هو تشخيص لطبيعة اللاهوت وبالتالي فجسد المسيحي هو في الظاهر جسد انسان ولكنه في الحقيقة هو جسد إلهي نوراني ومن هنا مشيه على الماء وقبضه الريح في كفيه ـ وصلبه كان في الظاهر صلبا للجسد .. واذا قلنا أنها جسد الاهي فكيف لم تصعد مع الرب حين صعد الى السماء وقد رأى القدّيس واللاهوتي "بونافتورا ( الذي توفّى عام 1274) أن المسيح قام مع غلفته والتي قد تكون قد نمت مع التغذية تاركاً غلفته التي قطعت منه للتعبّد. أمّا اللاهوتي اليسوعي "سواريز" الذي (توفّى عام 1617) فقد تعرّض لسؤال مشابه حول الذخيرة المحفوظة في روما. فأجاب أن جسد المسيح قد قام كاملاً فيما يخص أجزاءه المتماسكة : لحمه وعظمه ورأسه ويديه ورجليه الخ. وكذلك الأمر فيما يخص شعره ولحيته وأسنانه وأظافره الخ. إلا أن الغلفة ظلة موجودة
وقصتها بدأت مع "شارلمان" ( توفّى عام 814) الذي حصل عليها من الإمبراطورة "إيرين" كهديّة بمناسبة خطوبته. ثم أهداها إلى دير مارانمان عند تأسيسه وقد منح عدد من الباباوات بركات خاصّة لمن يحضر عرض هذه الذخيرة في إحتفال ديني. وقد إختفت هذه الذخيرة من الدير خلال إحتلاله من قِبَل البروتستنت في القرن السادس عشر. ثم عادت للظهور عام 1856 في علبة إكتشفها عامل كان يهدم حائطا. فقرّر الأسقف أن ما بداخل العلبة هو غلفة المسيح المختفية. فأعادها إلى دير الراهبات الأصلي ثم نقلت بعد ذلك الى روما وهي من ذخائر البابا حاليا ويضهرها في موسم واحد ولمدة ساعة وقد أحيطت بأسرار عجيبة وفي هذه الساعة تفدم صلوات برفقة البابا من شهدها نال بركات السماء وطهارة الأرض .. ومن مس القارورة لا يمسه شيطان أو مرض ..
قلت ما يهمنا من أمر الغلفة هذه الا شيء واحد .. قالت وما هو؟ قلت شيئ عجيب أن من مس هذه الغلفة ذكرا كان أو انثى ربما تحول الى شهوة صارخة محمومة تنبعث على نحو يصبح فيه ........ قالت حتى توقف اندفاعي في هذا الحديث الذي ادركت مغزاه بفطرتها الأنثويه ... لا حظ أننا في بيت الرب وفي ساعة صفاء ... وأشارت بيدها الى ذلك العجوز الذي يجلس خلفنا والذي راح يتلصص على ما اقوله همسا لفينوس ..
نزلت عند رغبة الفتاة ورحنا نتابع الخوري الذي صمت عن ثرثرته قليلا .. ثم طلب من الشماس أن يقرأء الترنيمة الطويلة التي راح الخوري يقص علينا حكايتها وكيف أنه قرأءها على الرب في حلم عجيب فطلب الرب منه أنه يقرأها في كل صلاة أو جناز أو فرح .أو أو .. الخ وكم سمعنا منه هذه القصيدة المقرفة التي لا نفهم منها شيئا فلا أدري كيف أملاها الرب وفي اية لغة لكن اجبرت على أن استمع لها هذا اليوم لأنني لا أود الخروج من هذا الدفء اللطيف خاصة بعد أن جاءت فينوس .
تقول بعض فقرات الترنيمة ..
هو ذا الجو
فاقا من فوقه جاء . . جاء النور الهابط
النور يا ابي جاء .. جاء هللوليا
القدر الآتي جاء جاء هللوليا
البركة أنت جاء جاء يركب من جاء جاء
العلم أنت جاء جاء يقدر إن جاء جاء
من قال كمن قال جاء فهو بالآب جاء جاء
ولا نعرف من جاء ولماذا جاء وكيف جاء لكنها خرافات يدندن بهذا الجلف ومن وراءه الجوقة والشمامسه الذين يسكرهم اللحن فراحوا يتمايلون زورا وبهتانا ..
وهكذا تسير القصيدة العصماء التي تتجاوز ماية بيت يقراء في كل حين منها مقطعا بحسب واقع الحال ... وكم كانت هذه المعلقة العصماء تذكرني بالشاعر الفرنسي بريتيون ..الذي سحر شعرائنا العرب المحدثين وخاصة من سمو أنفسهم بشعراء الحداثة .. بشعره العالي الذي لا تفهم منه شيئا فراحوا يستعدونه نبيا وهاديا ومثالا يسيرون على دروبه لا يحيدون عنها وهذا مثال لشعر بريتيون
يقول في قصيدة الجذع ....
أنا جذع يتسلق الشجرة
ومرحاض ذو نكهة
ونموذجا لخصلة من باريس
ونافذة مفتوحة ومغلقة في ذات الآن
أنا ملعقة يشرب فيها النهر القهوة في الصباح الباكر
النافذة ذات الشعر ذهبت الى المرحاض
لكنها ما استحمت
قمحات .. قمحات .. قمحات

الابتسام فصل .. والقبلة مشت على رجليها الى هناك
نور الباطن تفاحة الربع هبطت من السماء
واسمع تحليل هذه القصيدة عند النقاد العرب ويا ويلك مما تسمع من أعاجيب وأكاذيب راحوا يسمونها نقدا وتحليلا وقراءة للنص وموسيقى داخلية وصور خلابة آسرة تغذي ذهنية المتلقي
كذلك هو الحال مع الشاعر باتريس دي لاتور دي الذي مات في عام 1975 واسمع لهذه القصيدة بعنوان المسيح يقول فيها ...
دي .. دي .دي . قال الصليب
ري ري هز الصليب خصره
في ... في .. في .. قال طق .. طق .. طق
المسيح .. جي .. جاء .. جاء
وهي قصيدة طويلة...
وسان جون بيرس في قصيدة العمياء
قصاصة خرج
لماذا خرج
لا ندري لماذا خرج
انتهت القصيدة
.وهكذا لا تفهم من هذا الشعر شيئا سوي هذا الغثاء الذي قرفنا به أدعيا النقد والتحليل الذي بسببه انهار الشعر والمسرح والفن والموسيقى وبالتالي انهارت قيم الأخلاق والجمال ..ومثال لهذا الانهيار الادبي مسرح اللاممقول .. آه.. من هذا المسرح .... الذي صار له مهرجان سنوي في الأردن تقيمه وزارة الثقافة وتدعوله الفرق المسرحية من كافة أنحاء العالم وتصرف عليه المبالغ الطائلة .. ويقام هذا العبث لمدة ثلاثة اسابيع .. ولا يرتاده الا القله من انصاف المثقفين والصحفيين الذي يملؤون الصفحات بتحلالاتهم التي لا يفهمون منها شيئا .. أما المواطن الأردني فلا يعنيه المسرح لأنه لا يعرف ما الذي يعنيه المسرح ..
واشهر مسرحية اخذ يستعديها أدعياء المسرح في الاردن هي مسرحية ( في انتظار جودو) لصمويل بكيت .. شخوص المسرحية اثنان وشجرة .. فلادمير واستراجون ينتظران تحت شجرة مجيء جودو الذي ينتظران منه الكثير وعند نهاية اليوم الأول والمسرحية تجري على يومين يأتي صبي يحمل رسالة مفادها أن جودو لن يحضر هذا المساء لكنه سيحضر غدا فلا يتحرك فلادمير ولا استراجون من موضعهما
وهكذا في اليوم الثاني يأتي نفس الصبي حاملا نفس الرسال أن جودو لن يأتي اليوم ولكنه سيأتي غدا .. وفي عملية الانتظار كانا يتحدثان لا عن شيء بعينه لأنه لم يحدث شيء .. حديث لم تفهم منه شيء ...
ـ كل الأصوات ماتت
ـ هناك حفيف أجنحه
ـ لا بل حفيف رمال
صمت
ـ إنها جميعا تتكلم في نفس الوقت
ـ بل كل واحد يتكلم بنفسه ـ لكن من هو المتكلم
ـ تتهامس
ـ من ؟
ـ تهزم
ـ تتهمهم
ـ من ؟
ـ حبة التفاح
ـ ما ذا تقول
صمت طويل .....
ولما سئل بكيت عن هذين اللصين قال هما الذين علقا على الخشبة مع المسيح وسيضلا في انتظار المسيح لكن المسيح لن يأتي ابدا .. ومثل هذا العبث نجده عند أوغل في مسرحية الكراسي .. حيث يقوم العمل الدرامي على كراسي لا حصر لها على المسرح يحضرها شخص واحد بسرعة ولا احد يجلس عليها .. ثم يظهر صوتين لعجوزين يهذيان .. ثم يلقي الصوتان بنفسيهما من النافذه وهكذا تنتهي المسرحية التي ألفت في تقريضها وعظمتها عشرات المؤلفات حتى أن مؤلفها نال على اثرها جائزة نوبل للآداب .. أما اذا ما ذهبنا الى فرنندوأربال المسرحي الذي حصل على جائزة نوبل هو الآخر .. ومسرحية المنفصل .. التي تتالف من شخص واحد يركب دراجة ذات عجلات ثلاث .. فسيتملكك العجب والدهشة .. يدور الحوار بين البطل والدراجة .
ـ أنا منفصل
ـ تقول الدراجة عن أي شيء أنت منفصل ؟
ـ عنه
لا عني
ـ لا بل عنه
ـ ولكن
وهكذا ..
مرت ساعة طويلة ثقيلة وأنا على هذه الحال وأنا اقول في نفسي ويح هذا الرجل ألا يمل من ترديد هذا الغثاء .. فأنا ما تجشمت عناء هذا البرد القارص إلا لأن ألتقي هذا الملاك الطاهر الذي يجلس الى جانبي .. فما شأني أنا بالمسيح ؟ وما شأني بغرلته وتاريخها وهل كانت غرلت إله أم غرلت بشر ..
قلت لفينوس استودعك صاحب الغرلة فأنا ذاهب ..
قالت ولكني ضربت لك موعدا مع الخوري هذه الليلة والرجل استعد لحوار طويل معك حول طبيعة المسيح ... فقلت أنّا لهذا الجلف عقلا أحاوره؟
قالت .. لا تشدد عليه .. ألا يكفي أن أكون أنا موجودة ؟ وسوف نثمل هذه الليلة .. ساسقيك شراب روحي ..
كانت فينوس أخت الخوري وهي طالبة تدرس الأدب الانجليزي في الجامعة الاردنية وهي في سنتها الأولي .. أما أنا فكنت أقضي السنة الأولي من خدمتي الإلزامية في الجيش الأردني الباسل .. ويالها من خدمة ويالها من تجربة .. ويالها من مأساة عندما يفقد المثقف ارادته وتمتهن كرامته ...
نظرت الى الساعة فقلت لها قال نيتشة: دقت الساعة ثبت السابعة .. وهي الساعة الكبرى التي دقت عشرة دقات في حياة هذا العملاق .. ولما كنت قرأت لها هذه القصيدة المذهلة لنيتشة فيما سبق ... ضحكت لأنها أدركت ما الذي أعنية ...
ما رتبنا الى هذا الحوار المهزله مع الكائن المؤمن إلا لأمر جلل .. فالليلة هذه ستكون هي الدقة السابعة التي سوف يستيقض فيها الشعور .. وهي تجربة عظيمة من التجارب التي تمر في حياة الفرد .. لكن كيف ثم كيف ...
هذا ما سوف نقصه في الجزء الرابع ..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !