شغلت منصب الأمين العام للأمم المتحدة منذ 1992 وحتى 1996م، وقبل ذلك كنت وزيراً للخارجية المصرية منذ عام 1977 وحتى 1991م، فعملت مع الرئيسين أنور السادات ومحمد حسني مبارك، وخلال مسيرتي كرأس للدبلوماسية المصرية حققنا العديد من الانجازات السياسية، ولكنني فشلت في توجيه السياسة الخارجية المصرية تجاه دول أفريقيا وتحديداً دول حوض النيل، هذا ما ذهب إليه الدكتور بطرس بطرس غالي على فضائية (دريم2) ضمن برنامج كنت وزيراً...
نعم سيدي الوزير، فمصر اليوم مستهدفة من حلفائها قبل أعدائها، فالولايات المتحدة الأمريكية هي من تدعم تقسيم السودان، وإسرائيل هي من تعبث في الأمن القومي المصري من خلال نفوذها المتزايد في القرن الإفريقي، وتحديداً في دول حوض النيل، والهدف هو تطويع مصر كونها دولة مركز، وذات ثقل وتأثير سياسي في منطقة الشرق الأوسط من خلال بناء مزيد من السدود في تنزانيا وأثيوبيا، وكان آخرها تلك المعاهدة التي وقعتها أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا في ايار/مايو 2010م، ورفضتها مصر والسودان، وتهدف لإلغاء الاتفاقية الأصلية لتقاسم مياه النيل، والتي تحصل مصر بموجبها على 55.5 مليار متر مكعب من الماء سنويا من أصل 84 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل.
فالقرن الإفريقي أصبح اليوم منطقة ذات أهمية سياسية، ولذلك تعمل العديد من الأطراف الدولية والإقليمية للتأثير على تلك الدول من خلال العديد من المشاريع الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وربما تستحوذ دول حوض النيل نصيب الأسد من تلك الامتيازات انطلاقاً من رؤية تلك الأطراف أن السيطرة على هذه البقعة الجغرافية من شأنه أن يضغط على السياسة الخارجية المصرية، وما تمثله هذه الدولة المركزية في منطقة الشرق الأوسط من مكانة وتأثير، وهذا ما نجحت به إسرائيل منذ سنوات، والآن دخلت السياسة الخارجية الإيرانية على خط التنافس مع إسرائيل في دعم مشاريع وتعزيز العلاقات مع أثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية، فمن ناحية ترغب إيران لحشد أصوات تلك الدول معها في الأمم المتحدة، ومن ناحية ثانية ربما يكون الضغط السياسي على مصر حاضراً في الفكر السياسي الإيراني نظراً لطبيعة العلاقات المتوترة بين مصر وإيران، والتنافس على الدور المركزي في قضايا الشرق الأوسط.
تلك المعطيات دفعت رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي للقول: إن مصر لا يمكن أن تنتصر في حرب مع أثيوبيا حول النيل، وان القاهرة تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار بلاده.
وعلى الفور نفى الرئيس المصري محمد حسني مبارك المزاعم الأثيوبية بان بلاده تدعم المتمردين، مؤكداً السيد مبارك أن مصر لن تدخل حرباً لحل مشكلة مياه النيل. وبين تصريحات أثيوبيا ونفي القاهرة، وإعطاء الدبلوماسية كلمة الفصل في تحديد مسار الخطوات اللاحقة فيما يتعلق بنهر النيل، فإن مصر وفي حال نفّذت دول منبع نهر النيل ما اتفقوا عليه، وبدأت مشاريع السدود على ضفاف النهر، فإن ذلك سوف يأخذ المنطقة إلى خيارين هما:
1- خيار الصفقة: ويبدو أن القاهرة ستركز على ذلك، وهذا يتم من خلال صفقة أو رزمة مشاريع اقتصادية وعسكرية وسياسية تقوم بها القاهرة في دول المنبع، وربما لم يقتصر ذلك على القاهرة والخرطوم، بل ينبغي أن يتجسد العمل العربي المشترك من أجل زيادة النفوذ العربي في أفريقيا، والحفاظ على الأمن المائي لمصر والسودان.
2- خيار الحرب: وهو خيار ليس مستبعداً في حال أصرت دول المنبع على تنفيذ مشاريعها المائية، وتأثرت حصة مصر المائية، فهذا بالتأكيد سيضع القاهرة أمام خيار الحرب، لأن الخيار الآخر هو موت الشعب المصري عطشاًً، وهذا لن يسمح به النظام المصري الحاكم.
إن قضية ابتزاز مصر بالطريقة التي تديرها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، تحتم على الجامعة العربية أن تأخذ مواقف جريئة تخدم الأمن القومي العربي، والتأكيد على أن الحرب القادمة في حال اندلعت - مع تفضيلنا للحل الدبلوماسي الوطني- لن تشترك مصر والسودان لوحدها في تلك الحرب بل ستكون حرباً شاملة.
حسام الدجني
HOSSAM555@HOTMAIL.COM
التعليقات (0)