كنت أظن . .
أن إخلاصي كملتزم لما أعتقده من حق في أي مسألة، لا يجرم أبداً حماسي المطلق له؛ بل يبرره، ولو تعدى أسلوب الحوار حدود النقاش الموضوعي، ووصل إلى حدّ الاحتدام بيني وبين من يخالفني الرأي، أو حتى تمادى ليصل إلى حد القطيعة والمخاصمة بيننا!! فالحق أحق أن يُتبع، ولا أسف مطلقاً على من يخالف الحق!!
ولكني اكتشفت . .
أن هذا الحماس؛ وإن كان يمثل لدى صاحبه في الظاهر مظهراً من مظاهر التمسك بالحق والدفاع عنه - وهو مظهر نبيل - إلا أن الشيطان قد جعل منه وسيلة الخير التي أوقعه بها في مستنقع الشر!!
لاسيما إذا كانت أطراف النقاش ممن يظن في ظاهرهم الخير والالتزام، والحرص على تحري الحق، والحرص عليه ابتغاء وجه الله تعالى!!
إذ من المفترض يكون النقاش بينهم من أسمى ما يكون؛ باعتباره وسيلةً لإثراء العلم الشرعي، وإهداء النصائح المتبادلة بقصد النفع والفائدة؛ حيث أنهم جميعاً ينطلقون من أصول ثابتة، ومتفق عليها بينهم، تتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ فكيف وصل بهم الخلاف إلى هذه المرحلة من احتدام النقاش؟!
بل وإلى هذا المستوى المتدني من إلقاء التهم، وسوء الظن المتبادل، والذي وصل إلى حد التشكيك في المنهج والاعتقاد؟! إلا إذا كان الشيطان قد نجح بالفعل في الانحدار بهم إلى منعطف خطير!! اندثرت معه النوايا الطيبة في نصرة الحق أو نشر العلم!! وانحصرت فقط في الحرص على الانتصار للرأي، واستعراض كل طرف لما لديه من العلم، وإبراز جهل الطرف الآخر!!
وهذا هو مستنقع الشر بعينه!!
لما فيه من شرور الخصومة، وسوء الظن، والتشهير، والتألي على الله في بعض الأحيان!! وإلباس الحق بالباطل على عوام الناس، حين يظهر لهم هذه الحزمة البشعة من التصرفات المشينة على أنها نصرة الدين وإظهار الحق!!
ناهيك عن أن السلف الصالح رضوان الله عليهم - والذين يتمسح فيهم معظم من يقومون بتلك التصرفات – لم يكن من هديهم أبداً مثل هذه الخصومات!!
بل قد وسعهم الخلاف فيما هو أعظم من تلك المسائل الفرعية التي يتشدق بها هؤلاء، ويقيمون الدنيا بسببها ولا يقعدونها!!
فكيف يسع السلف - مع عظيم علمهم - الخلاف مع أقرانهم ممن بلغوا من درجات العلم مبلغه؛ ولا يسع أمثالنا ممن بلغ مدراك الجهل أرذله؟!
لذا فقد قررت. .
أن اتق الله في دين الله!!
وأن أتعلم أدب الخلاف كما علمه لنا سلف الأمة الصالح (رضوان الله عليهم)!!
وأن لا أسوِّأ سمعة الملتزمين بدس كافة أنواع سوء الخلق وقلة الأدب وسوء الظن، تحت عباءة نصرة الحق والدفاع عنه!!
وأن أكون مخلصاً في نيتي لتعلم العلم الشرعي الذي يرشدني إلى رضوان ربي، وأن أحرص على ذلك ابتغاء وجه الله وحده (فلا رياءً ولا سمعةً)!!
وأن أكون بإخواني رفيقاً، مستمعاً أكثر مني متكلماً، لأفهم وأعي ما يقال لي، فلعل الحق مع من ينصحني ويوجهني.
وأن أنأى بنفسي عن الخلافات مع إخواني، مرجعاً مسائل الخلاف لمن هم بالعلم أولى مني، مع الحرص على التوجيه بالنصح من طرف خفي، سالكاً أفضل أساليب الحكمة في توصيل ما أراه من حق لمن خالفني (حرصاً عليه وحباً فيه) أولاً . . لا حرصاً على إبراز جهله وعلمي، أو الانتصار لرأيي أمام إخواني!!
هذا هو هدي سلفنا الذين نعتز بالانتساب إليهم دوماً، فهل من حريص على اتباع منهج السلف من إخواني؟!
قال تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُوْلُوا التِي هِيَ أَحْسَنْ، إِنَّ الشَيّطَانَ يَنْزَغُ بَينْهَمْ، إِنَّ الشَيّطَانَ كَانَ للإنسانِ عَدواً مُبِيْناً) الإسراء
التعليقات (0)