كنت أظن . .
أن كافة القضايا والمواقف التي تواجهني في حياتي اليومية كملتزم؛ لابد أن تكون محسومة لدي تماماً، ولا تحتمل التفاوض أو المهادنة !! (يا أبيض يا أسود)!! وكيف لا وأنا صاحب حق أدعو إليه، وأتبنى مبادئه في كل شؤون حياتي!!
ولا بأس بأن يتهمني الناس بالتشدد أو التطرف إلى غير ذلك من الأوصاف، فالإعلام لم يقصر أصلاً في تشويه صورتنا بما فيه الكفاية كملتزمين، وبالتالي فكما يقول القائل :
)ضربوا الأعور على عينه؛ فقال خربانة خربانة)!!
ولكني اكتشفت . .
أنه ليس من الضرورة أن تحتمل كل القضايا التي تطرح للنقاش هذا المستوى المبالغ فيه من التشنج والانفعال، سواء أكان في أسلوب التفكير أو ردة الفعل في التصرفات أو الأقوال!!
لاسيما وأن معظم من نخاطبهم من الناس، هم بحاجة فعلية إلى من يوضح لهم الأمور ببساطة ويسر؛ ليزيل عنهم أي لبس يمكن وقوعهم فيه؛ لتكون المحصلة أن نحبب إليهم الخير والحق بالمعروف والمعرفة، وأن ننفرهم من الشر والباطل بالحسنى والإحسان، فيجعلهم يتبنون لا إرادياً وجهة نظرنا برحابةٍ وسعة صدر!!
ولا يفترض أن كل قضيةٍ تطرح للنقاش، تعتبر قضيةً مصيريةً، يضحى في سبيلها بالأوصر والعلاقات، وتنشب بسببها الخلافات!!
ولا نعني بذلك تقليلاً من أي مسألة شرعية (عياذاً بالله) فكل ما يتعلق بأمر الدين، فهو بلا شك أمر هام (صغيراً كان أم كبيراً( لأنه دين الله، ولا شيء أعظم أبداً من أمر الله، قال تعالى : (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
ولكن ما نعنيه هنا، هو أسلوب الطرح، وكيفية النقاش!!
حيث أنه من المفترض أن يكون طرح الدعاة وأسلوب نقاشهم قريباً جداً من قلوب الناس، وبسيطاً بل وغاية في البساطة؛ كي يصل إلى عقولهم، حتى يجد القبول اللازم لديهم، لاسيما وأن الأغلبية منهم أناس على الفطرة، ومن اليسير على الداعية الحكيم أن يكسبهم في صفه بأسلوبه الطيب، بل ويجعلهم أول من يدافعون عنه في مواجهة دعاوى وسائل الإعلام الكاذبة!!
لا أن يكتفي بمجرد الصراخ والتشنجات والانفعالات التي يظنها البعض من موجبات نصرة الحق!! حيث تصدر منه لا إرادياً، فتظهر على وجهه عبوساً، وعلى لسانه غلظة بل وتقذف صخوراً، وحبذا لو تنفل العقل الباطني عند البعض فيقوم بإنتاج فيلم درامي عن تاريخ الصراع بين الحق والباطل!!
فيتوهم أنه يناصر الحق في وجه أباطرة الباطل!! وعليه فيقوم بتوزيع أدوار كفار قريش على من حوله من الناس!!
ليكون دور أبو جهل من نصيب البقال!! وأبو لهب من نصيب الجزار!! وعبد الله بن أبي بن سلول حتماً من نصيب الحلاق المسكين!!
ومن ثم تزداد الفجوة بيننا وبين عوام الناس يوماً بعد يوم!! حتى يكاد البعض منهم يتصور أننا قادمون من كواكب أخرى!! وبالتالي يسهل على الإعلام العلماني المشبوه؛ تضخيم الحواجز النفسية بين الدعاة إلى الله؛ وسائر أفراد المجتمع!!
ليبقى سوء تصرفنا من حيث لا ندري؛ هو السبب الرئيس وراء ذلك كله!!!
لذا فقد قررت. .
أن أبتكر آليات مثمرة لمعالجة كافة القضايا، تتمثل في العديد من وسائل الحكمة والتلطف في الحديث؛ لإزالة الحواجر النفسية أولاً بيني وبين من أحاوره؛ كي تجد كلماتي القبول لديه؛ فأنجح في الحصول على المفتاح الذهبي لمسامع قلبه، ليصبح الطريق أمامي ممهداً؛ لتأصيل ما أرجوه له من مبادئ الخير والحق!!
فما أروع أن نكون الصدر الواسع والرحب لمن لم يعرفوا الطريق إلى الله بعد؛ حتى نأخذ بأيديهم إليه؛ فنكون لانفسنا و للناس سفن نجاة لهم في خضم هذا البحرالهائج من الفتن!!
ألم نكن مثلهم يوماً ما؟! ألم نكن غارقين في الشهوات والغفلات، ولكن الله سبب لنا من يأخذ بأيدينا إليه؛ فكتبت لنا النجاة؟!
أترون لو قوبلنا بالشدة والصدود والعبوس، فهل كانت قلوبنا ستقبل على الله؟!
ثم من قال أنه لابد من الشدة والغلظة في الدعوة إليه سبحانه؟!
ألم يمسح النبي صلى الله عليه وسلم على صدر ذلك الشاب الذي تجرأ، وسأله - وهو النبي الذي ينزل عليه وحي السماء – قائلاً : (ءإذن لي في الزنى يا رسول الله)!!
فهل عنَّفه الرسول صلى الله عليه وسلم أو صرخ في وجهه أو أمر بقطع رأسه؟!!
حاشا والله وكلا!! وإنما احتواه بحنان الأبوة، وخاطبه برحمة النبوة (صلى الله عليه وسلم) حتى يروي الشاب فيقول، فوالله لا أزال أستشعر برد يديه (صلى الله عليه وسلم) على صدري، وقد أذهب الله عني ما كنت أجد من أثر الشهوة!!
وكم تروي قصص الدعاة الحكماء ألواناً من النجاحات في الأخذ بقلوب الخلق إلى الله؟!
فكونوا عباد الله مواطن رحمات الله على قلوب خلقه، تحظوا بحب الله وحب الخلق معاً في الدنيا، وتفوزوا بنعيم جنة الله يوم القيامة، فلقد خط لكم هذا الطريق، وسبقكم إليه، حبيبكم وحبيب رب العالمين، نبيكم الأمين(صلى الله عليه وسلم)!!
التعليقات (0)