لا يختلف اثنان في النظر إلى الحراك الشعبي - الذي عرفته عدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال السنتين الأخيرتين- باعتباره منعطفا تاريخيا له تأثير بالغ على مستقبل المنطقة بشكل عام. لكن طبيعة هذا التأثير أصبحت مجالا للتساؤل والشك بعد الردة الأخيرة التي عرفتها ثورة "أرض الكنانة". فقد أصيبت تطلعات شعوب المنطقة بخيبة كبيرة، وذلك بالنظر إلى حجم الآمال المعقودة على مصر وثورتها. فهل بات قدر هذه الشعوب أن تعيش تحت الوصاية والإستبداد باستمرار؟.
لقد كشفت تداعيات إسقاط الإخوان عن وجه حربائي ومنافق عبرت عنه النخب السياسية والإعلامية والفنية في مصر، حيث انبرى كل أولئك الذين تغنوا بالثورة والثوار، وهللوا بقدوم ربيع الديموقراطية اليانع بعد نهاية نظام مبارك إلى التصفيق للعسكر. كل أولئك الذين دافعوا عن الدولة المدنية والديموقراطية أصبحوا اليوم يمجدون السيسي ويقدمون له الولاء، وينصبونه حاكما على قلوب المصريين. كل الذين ركبوا موجة الثورة وسرقوا الأضواء من بسطاء الشعب المغلوب على أمرهم، تحولوا بقدرة قادر إلى مدافعين عن الدولة العسكرية الجديدة التي يصنعها السيسي بالقتل والطوارئ والمحاكمات والاتهامات الجاهزة بعدما قدم نفسه غداة الثلاثين من يونيو كمنقذ لثورة الشعب ومحافظ على أمن أبنائه وحاقن لدمائهم. وهكذا عاد المصريون من جديد إلى المربع الأول، حيث كل المؤشرات تدل على انبعاث نظام مبارك بأسماء وشعارات وتبريرات جديدة هذه المرة.
السيسي الذي جاء ليحافظ على الثورة، وبدا زاهدا في السلطة بعد الإعلان عن إنهاء حكم مرسي استجابة لضغط الشارع، أصبح اليوم حاكم مصر الفعلي، وهو يحظى بدعم هائل من طرف أغلب القوى السياسية التي كانت حتى عهد قريب ترفض أي تدخل للمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي. بل إن كثيرا من رموز العهد الجديد الذي أفرزته ثورة 25 يناير لا يجدون أي حرج في التعبير عن دعمهم الكامل لرجل مصر القوي. لذلك لن يكون أمرا مفاجئا أبدا إذا ترشح الجنرال للانتخابات الرئاسية المنتظرة، خصوصا في ظل الحملة الواسعة التي تهيئ الرأي العام للمرحلة المقبلة، والتي يبدو أن السيسي هو نجمها الأول استنادا إلى تفويض شعبي مزعزم بدأ بلون الدم ولا أحد يعلم كيف ستكون نهايته.
السند الشعبي الذي حظيت به خطوة الجيش الذي اصطف إلى جانب جموع الغاضبين من حكم المرشد والرافضين لمآلات الدولة الدينية التي كان الإخوان المسلمون بصدد بنائها. هذا السند إذن يتم استغلاله اليوم لإيهام المصريين بأن حكم العسكر هو الخيار الوحيد والمتاح لإنقاذ البلاد من الإرهاب والفوضى. لذلك اختار "عبيد البيادة" (الذين تفتخر بهم " سما المصري" في أغنيتها التي تتغنى بحكم العسكر) أن يشاركوا في حملة "كمل جميلك يا سيسي" الداعمة لترشحه للانتخابات الرئاسية. وهكذا تبدو مصر مقبلة على دولة عسكرية بزي مدني، لأن تخلي السيسي عن لباسه العسكري لن يغير في الأمر شيئا، فالديموقراطية لا تأتي على ظهر دبابة. والسياسة حينما توجهها العقيدة العسكرية لا تنتج إلا العنف والقهر وتكميم الأفواه.
إن ماحدث في مصر خلال السنتين الأخيرتين لم يكن ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الشعب لم يكسب حربه ضد الإستبداد، بل إنه يعيد إنتاجه ويحتمي به، فقد اختار بمحض إرادته استبداد أوصياء الدين في أول انتخابات رئاسية تعددية، وحاول بعد ذلك أن يصلح خطأه، فقبل بالإستبداد العسكري هذه المرة، وسيكون من الصعب الإنعتاق منه في المستقبل القريب، ليظل " الربيع الديموقراطي" الذي أطلق على موسم الحراك الشعبي في مصر ومعها عدد من دول المنطقة اسما على غير مسمى، لأن التجربة أثبتت أن الديموقراطية ثقافة وسلوك قبل أن تكون مطلبا سياسيا.
محمد مغوتي. 15 – 09 – 2013.
التعليقات (14)
1 - كارت أسود
محمد المبروك - 2013-09-15 13:20:46
و نشرت جريدة الشعب فى 5 ديسمبر 2012 \"بالصور والوثائق: الزند يغتصب 300 فدان بمطروح ويعتقل قبيلة السمالوسى\" من أكثر من 1400عام جاءت قبيلة (السمالوسى) من الجزيرة العربية مع الفتح الإسلامى مع (عمرو بن العاص) واستوطنوا منطقة الحمام بمرسى مطروح، يقول شيخ العرب عبد الفضيل مؤمن السمالوسى وعشرات آخرين من قبيلة (السمالوسى) لقد كنا نعيش فى أرضنا ملك أجدادنا ونزرعها من مئات السنين بأشجار التين، وقد أثبتت ذلك مديرية الزراعة بمطروح الإدارة الزراعية بالحمام وأثبتت أسماءنا وعدد أشجار التين وعمر الأشجار. لقد جاء إلينا فجأة المستشار أحمد على إبراهيم الزند ، رئيس نادى قضاة مصر، فى جيش من العساكر بقيادة لواء نائب مدير أمن مرسى مطروح وأكثر من 50 سيارة بل أكثر من ألف عسكرى أمن مركزى وأكثر من عشر سيارات مصفحة وكأنه ذاهب للحرب مع إسرائيل ، واقتحموا أرضنا ودمروا منازلنا ودمروا الآبار وماكينات الرى التى صرفنا عليها كل ما نملك ودمروا كل أشجار التين .. والمصيبة أنهم قبل حضورهم عملوا محاضر لكل كبار القبيلة وسجنوهم وهددونا باعتقال حرماتنا ونسائنا وأطفالنا.. منه لله ربنا ينتقم منه.. هكذا يصرخ العشرات منهم دمر حياتنا. دمر أرضنا. إسرائيل ماتعملش كدة.،.... باقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us و نشرت جريدة الشعب فى 12 فبراير 2013 \"بالمستندات.. الزند يغتصب 2200 فدان بأكتوبر قيمتها عشرة مليارات جنيه \" اغتصب أحمد الزند رئيس نادى القضاة 2200 فدان بالحزام الأخضر بـ6 أكتوبر، بما يعادل 9.680.000 متر وحولها لقصور وملاعب للجولف بالمخالفة للقانون والعقد الموقع معه، وحقق كسبا غير مشروع يتجاوز عشرة مليارات جنيه .....
2 - لا للإنقلاب على الإسلام
مواطن مصري - 2013-09-15 19:20:01
من أعمالكم سلط عليكم
3 - رد على تعليق محمد المبروك
محمد مغوتي - 2013-09-15 20:10:43
شكرا على المرور وإن كان التعليق لا يرتبط كثيرا بالموضوع. مع تحياتي.
4 - الرجل الذى لعب بمصر كلها
حازم حسنين - 2013-09-15 20:26:37
أحمد الزند و فرقته لعب مصر كلها وحل مجلس الشعب و لكن السؤال لماذا لم يحاسب على أمواله و من أين لك هذا؟ حتى الأن. و المقال المشار إليه يحكى بداية و بشائر نهاية ثورة 25 يناير.
5 - رد على تعليق مواطن مصري
محمد مغوتي - 2013-09-15 20:29:46
شكرا لك. ما حدث ليس انقلابا على الإسلام، بل هو رفض لسياسات الإخوان. لكن البديل ليس أقل خطرا على المصريين من حكم المرشد وجماعته. مع تحياتي.
6 - رد
مواطن مصري - 2013-09-15 22:22:41
كيف تعرف وأنت مغربي أن ما حدث ليس إنقلاب على الإسلام، هو إنقلاب على الإسلام لأنه إنقلاب على رئيس مسلم كان لسانه في كل كلامه يلهج بذكر الله وأراد الخير لمصر وأهلها ولكن بلطجية النظام السابق والخونة والعملاء لم يمكنوه من تحقيق النهضة التي أراد تحقيقها. وشكراً
7 - عودة اليهود إلى مصر و توطين الفلسطينين فى سيناء
رد على مواطن مصري - 2013-09-16 05:24:41
هل يعلم السذج و المغرر بهم و الذين يتظاهرون لعودة الفاشل مرسى هذه الحقائق؟!!! عصام العريان يدعو اليهود المصريين للعودة إلى مصر http://www.ouregypt.us/imvestigation/invest74.html محمد بديع (المرشد الذى قاد جماعة الأخوان للهاوية) قــال : و لماذا لا نسمح للفلسطنيين من غزة فى أقامة مخيمات للاجئين فى سيناء و هذا ما فعلته دول مثل سوريا و الأردن و لبنان؟ - و ده بالضبط هو مخطط التوطين الذى تريــــده إسرائيل للحل النهائى للقضية الفلسطينية على حساب مصر.
8 - رد على تعليق حازم حسنين
محمد مغوتي - 2013-09-16 19:22:50
شكرا على التعليق. واضح أن المستفيدين من ما يجري الآن في مصر هم بلطجية نظام مبارك وكل الذين اغتنوا بطرق غيلر شرعية على حساب مقدرات الشعب المصري. مع تحياتي.
9 - رد على تعليق مواطن مصري
محمد مغوتي - 2013-09-16 19:27:16
لا يحتاج المرء ليكون مصريا حتى يدرك حقيقة الإخوان ونواياهم. ومن أسقطهم هو الشعب نفسه قبل تدخل الجيش. أنت تتحدث عن حرب ضد الإسلام وكأن مرسي والإخوان وحدهم هم من ينتمون لهذا الدين. مع تحياتي.
10 - رد
مواطن مصري - 2013-09-16 20:42:49
أنت تردد نفس الكلام ولا تناقش لأنك يبدو أنك مغيب فمن قال لك أن الإخوان فقط هم من يدعمون الشرعية معظم الشعب المصري مع الشرعية وضد الإنقلاب، ومن ينتمي للإسلام عليه أن يثبت ذلك بالفعل وليس الكلام فهل تعلم مثلاً أن رجل أعمال كبير من الإخوان قام بشراء عدد من الكباريهات (أماكن للرقص وشرب الخمر والمجون) في شارع الهرم الذي أسكن بالقرب منه وقام بهدمها على نفقته الخاصة ليخلص المجتمع من شر هذه الموبقات هل تعلم أن هذا الرجل جزاه الله خيراً موجود بالسجن الأن وبالطبع لن يعجبك ذلك إذا كنت ممن يحبون الرقص والخمر والموبقات التي حرمها الله عز وجل ومن لا يعجبه الإسلام فليذهب ليبحث له عن دين أخر
11 - رد على تعليق مواطن مصري
محمد مغوتي - 2013-09-16 20:50:01
أنت تذهب بالنقاش إلى مستوى آخر. ارتبط بالموضوع حتى يكون حوارنا مفيدا. لن أرد على كلامك المستفز. إذا قرأت الموضوع جيدا ستستنتج أن لسان حالي يقول: إنني ضد الإستبداد سواء كان مصدره دينيا أو عسكريا، وأدافع عن الدولة المدنية بكل ما تحمله من قيم تؤسس للحرية والكرامة والديموقراطية. شكرا على تفاعلك مع المقال على كل حال. مع تحياتي.
12 - عودة اليهود إلى مصر و توطين الفلسطينين فى سيناء
مصطفى المراغى - 2013-09-17 18:06:20
هل يعلم السذج و المغرر بهم و الذين يتظاهرون لعودة الفاشل مرسى هذه الحقائق؟!!! عصام العريان يدعو اليهود المصريين للعودة إلى مصر http://www.ouregypt.us/imvestigation/invest74.html محمد بديع (المرشد الذى قاد جماعة الأخوان للهاوية) قــال : و لماذا لا نسمح للفلسطنيين من غزة فى أقامة مخيمات للاجئين فى سيناء و هذا ما فعلته دول مثل سوريا و الأردن و لبنان؟ - و ده بالضبط هو مخطط التوطين الذى تريــــده إسرائيل للحل النهائى للقضية الفلسطينية على حساب مصر.
13 - رد على تعليق مضطفى المراغى
محمد مغوتي - 2013-09-17 20:24:53
شكرا على المرور. مع تحياتي.
14 - رد على مصطفى المراغي
مواطن مصري - 2013-09-17 23:36:37
على الرغم من أن كلامك ساذج لأن محمد مرسي هو الذي وضع مادة في الدستور تقول أن مصر دولة موحدة لا تقبل التجزئة أي لا يمكن أن يتم إعطاء أي جزء منها لأي جهة إلا أنه يوجد العديد من الأصوات التي قالت بمثل هذه الفكرة حتى قبل مجيئ مرسي فلماذا لا تعطي مصر قطعة أرض صغيرة من سيناء ولنقل مثلاً بمساحة 50 كيلو متر مربع (من إجمالي مليون كيلو متر مربع هي مساحة مصر) لغزة مقابل مبلغ فلكي من المال مع إسقاط ديون مصر التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة والواقع أنني أجد أن هذه فكرة وجيهة فسيناء معظمها صحراء بل أننا في مصر نعيش حتى الأن على مساحة حوالي 7 في المائة من مساحة مصر أي أن لدينا أرضاً واسعة جداً بحيث لن تمثل هذه القطعة الصغيرة أي أهمية