للمرء أن يدقق في ما تنطوي عليها تعليقات المسؤولين الاميركيين, حول قضايا دولية عديدة سياسية أم اقتصادية أو حتى شخصية (دعك من حكاية حقوق الانسان التي انتدبت واشنطن نفسها دون تكليف من أحد للدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، فقط لأنها تتوفر على قوة عسكرية لم تعرفها البشرية من قبل، اضافة الى اقتصاد قوي ومجتمع حيوي, وفي الاساس ابتزازها العالم عبر ورقتها الخضراء, ونقصد هنا هيمنة الدولار على اسواق المال والتبادلات التجارية وجلوسه على قمة سلة العملات العالمية).. وبخاصة مع نظر دول العالم إليها خوفاً أو احتماء بها أو اقراراً بالامر الواقع، بأنها القوة الاولى في المعمورة بعد أن انهارت القوة الثانية بانتهاء الحرب الباردة, وإن كان «نجم» الولايات المتحدة آخذ في الافول، باعتراف نخبها ومراكز ابحاثها, ليس فقط لأن اقتصادها قد دخل مرحلة الانكماش وأثقلته المديونية غير المسبوقة في تاريخها, وانما ايضاً في صعود اقطاب اخرى ينافسون في التجارة والاقتصاد والنفوذ والقوة العسكرية (وإن ما يزال الفارق واضحاً وملموساً لصالح اميركا)..
في الاثناء يمكن رصد بعض هذه النماذج الاميركية التي تفوح منها رائحة الغطرسة والاستعلاء بل والشماتة, على النحو الذي تنطوي عليه تصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما حول فنزويلا و»صحة» رئيسها هوجو تشافيز, الذي يمر بحال صحية حرجة, قد لا تسمح له مواصلة مهامه الرئاسية على ما تُسرّب بعض وسائل الاعلام.
الرئيس الاميركي ليس فقط امتنع عن تمني «الشفاء» لمن يوصف بانه «أشرس» اعداء اميركا، بل وذهب في تقمص دور حامي حريات العالم وخصوصا شعب فنزويلا «.. السياسة الاميركية تهدف الى ضمان (الحرية) في فنزويلا – ثم استطرد قائلا – اهم شيء هو تذكر ان مستقبل فنزويلا يجب ان يكون بيد الفنزويليين وقد رأينا من تشافيز في الماضي سياسات استبدادية وقمعا للمعارضين» ختم اوباما في حديث متلفز.
هنا للمرء ان لا يُفاجأ بحجم مشاعر الكراهية التي تنطوي عليها هذه المواقف التي لا تفرق بين الانساني والسياسي، اضافة بالطبع الى ان اوباما الذي جدد له الاميركيون ولاية ثانية تبدأ في العشرين من الشهر المقبل يتجاهل عن قصد ان الفنزويليين فوضوا تشافيز مؤخراً ولاية ثالثة في انتخابات لم تستطع واشنطن التشكيك فيها ولا الدورة التي قبلها وما قبل قبلها، وهي التي - واشنطن - دأبت على التشكيك في فوز أي زعيم ينتقد (مجرد انتقاد) سياساتها المعادية للشعوب والحريات والممالئة بل والداعمة لانظمة الاستبداد والقمع والفساد في العالم أجمع، ولنا في عدد من الانظمة العربية الدليل الابرز.
ثمة تصريح اميركي اخر «هطل» من العقلية الاستعلائية ذاتها عندما ظنت واشنطن ان تبدلا جوهريا في الموقف الروسي من الازمة السورية قد حدث مستندة الى تصريحات منسوبة لنائب وزير الخارجية الروسي (نفتها موسكو لاحقا بشدة مؤكدة انها لم ولن تغير موقفها) فخرجت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية تغمز من قناة موسكو وتبدي شماتة واضحة عندما قالت في غير كياسة او حد ادنى من الدبلوماسية «.. استيقظت موسكو اخيرا من سُباتها وبدأت بتغيير موقفها»!
ليس مهما الرد العنيف الذي خرج من موسكو على هذه الغطرسة، لكن ما يلفت الانتباه في ما يجري هو ان الاميركيين الذين ظنوا عن غباء وعجرفة ان القرن الحادي والعشرين سيكون قرنا اميركيا، لا يريدون ان يستوعبوا دروس التاريخ أو يستخلصوا العبر من وقائع السنوات العشرين التي مضت على تربعهم منفردين على قيادة العالم، ثم بدأوا رحلة هبوطهم التي قد تكون الاكثر دويا وتأثيرا على عالم اليوم مما كانت عليه اثار انهيار الاتحاد السوفياتي.
http://beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=23834
التعليقات (0)