تسارعت في الأيام الأخيرة ، المواقف اللبنانية والإقليمية والدولية من المحكمة الخاصة ، مع شائعة قرب صدور قرارها الظني المشؤوم ..
فبعد الكشف عن الدور الصهيوني التجسسي على شبكة الاتصالات اللبنانية بشقيها الخليوي والأرضي ، والوصول إلى قرائن وأدلة قاطعة ، تدين المخابرات الصهيونية في أعمال القرصنة التي مارستها على هذا القطاع ، بالتعاون مع الأشخاص اللبنانيين الذين اعتقلوا متلبسين بالجرم المشهود في خيانتهم لوطنهم وتعاملهم ضده مع العدو الصهيوني ، جاءت تصريحات فيلتمان للصحفي والناشط الأمريكي فرانكلين لامب ، التي قال فيها :
" إن المحكمة الدولية هي الحرب السادسة الأمريكية الإسرائيلية ضد حزب الله ..
وحين كذبت السفارة الأمريكية في لبنان ذلك ، استضافت قناة المنار الناشط الأمريكي " لامب " فتحداهم بمواجهة فيلتمان والسفارة الأمريكية معا ليثبت لهم صدقه وأكاذيبهم ..
وقال فيلتمان في مكان آخر مخاطبا " كونيلي " :
شاهِدينا ونحن نمزق حزب الله بألف ضربة بطيئة .. سنمشي في الطريق لآخره ..
وأضاف : طلبتُ من إسرائيل أن تبقى بعيدة لأنها لا تستطيع القضاء على حزب الله .. ونحن سنتكفل بذلك ..
ثم جاءت اعترافات كل من المجرم الصهيوني ليبرمان وزير خارجية الكيان ، ورئيسه المجرم الأكبر قاتل أطفال قانا ، بيريز ، التي أكدا فيها " تعاونهما الوثيق مع المحكمة الدولية ، وتقديمهما الأدلة والبراهين التي تثبت قيام حزب الله ، وسوريا ـ ممثلة برئيسها ـ في تنفيذ قتل الحريري " ..
وهذا اعتراف صهيوني أيضا ، بدورهم التجسسي على شبكة الاتصالات اللبنانية ..
حقا .. " يا له من تعاون صادق وبريء وشفاف وموضوعي ، يصب في عين الحقيقة " !!..
أليست تلك الوقائع والاعترافات الصهيو ـ أمريكية ، دليلا قاطعا آخر على ارتكابهم الجريمة ؟؟!!
ألا يسمع العالم ذلك ؟؟
ألم يسمع بعض الأشقاء اللبنانيين الذين ما زالوا يتمسكون بالمحكمة ـ الخشبة ؟؟!!
أي عدالة ينتظرون من محكمة باتت أمريكا والكيان الصهيوني أحرص على وجودها من صاحب الدم نفسه ؟؟!!
يُقال عن حالة كهذه : لـَيَكاد المجرم يقول : خذوني ..
وها هو المجرم يصرّح ويجأر بأعلى صوته قائلا :
ها أنذا القاتل المجرم ..
لكن أحدا لا يريد أن يصدقه ..
فلو تجاهلنا مواقفهم الرافضة للأدلة والبراهين التي عرضها أمين عام حزب الله ، وحسبناها لهم ضمن باب المناكفات السياسية ، والمواقف التجاذبية القائمة بين التيارين السياسيين اللذين ينقسم تحتهما الشارع اللبناني وسياسيوه ..
فما قولهم وما موقفهم من تصريحات الساسة الصهيو ـ أمريكيين ، ولو كنا نراهم في صفهم ، ومن ضمن أدواتهم الرخيصة ؟؟ ..
باختصار ، أصِفُ مواقفهم بتعبير : إنها عنزة ولو طارت ..
من ناحية أخرى ، تناقلت الأخبار الصحفية اليوم تفصيلاتٍ أخرى ، فحواها ، ما يلي :
أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أبلغ الرئيس السوري ، في قمّة دمشق ، في 16 تشرين الثاني :
أن رئيس الحكومة سعد الحريري مستعدّ لاتخاذ موقف من المحكمة الدولية والقرار الظني ، يلاقي هواجس سوريا وحزب الله ، من استهداف سلاح المقاومة ..
وأن الحريري أكثر استعداداً للذهاب إلى أبعد من الموقف الذي كان قد اتخذه في 6 أيلول ، عندما برّأ سوريا من اغتيال والده، واعترف بوجود شهود الزور .
وكشف الرئيس اللبناني أيضًا :
أن رئيس الحكومة أفصح له عن هذا الاستعداد ، إلا أنه يحتاج إلى مَن يأخذ بيده إلى هذا الخيار ويساعده ، لا أن يستفزّه ويمارس عليه ضغوطا ..
وقال سليمان للأسد : إن الحريري غير قادر، بمفرده ، على اتخاذ قرار بذلك يعدّه مكلفاً بالنسبة إليه ، ولذا يريد غطاءً سعودياً يقيه مفاعيل التخلّي عن القرار الظني والمحكمة الدولية بذريعة تسييسهما ، ويفضّل أن يكون ذلك من ضمن تسوية سعودية ـ سورية ترعى هذا التوجّه ، فيشارك في وضعها موضع التنفيذ ..
وكان رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي ، النائب وليد جنبلاط قد حمل هذا الموقف ، نقلاً عن الحريري ، إلى المسؤولين في دمشق في 9 تشرين الثاني ، مؤكداً استعداد الحريري للتخلي عن موقفه من القرار الظني والمحكمة الدولية ..
وتطابَقَ ما حمله الرئيس سليمان ووليد جنبلاط مع ما كان سمعه الرئيس السوري من عبد العزيز ، في آخر لقاء جمعهما في دمشق ، قبل مرض والده الملك ، وهو أن رئيس الحكومة اللبنانية سينفّذ إرادة الملك عبد الله في أي تسوية يبرمها مع الرئيس الأسد ..
وقد جئتً بهذه المقتطفات والمواقف تأكيدا إلى ما ذهبت إليه آنفا ، من أن صاحب الدم بات " مقتنعا " بدور المحكمة التخريبي المسيَّس ، الذي لا يستهدف كشف الحقيقة في مقتل والده ، بمقدار استهدافه سورية ولبنان والمقاومة وسلاحها والسلم الأهلي ، خدمة للمصالح الأمريكية الصهيونية ..
وربما ، أقول : وربما ، جاء في هذا السياق ، تصريح الحريري قبيل سفره إلى إيران :
" بأنه لم يسبق أن اتهم حزب الله بجريمة قتل والده " ..
وكان الحريري نفسه ، قد برّأ سورية من تلك الجريمة في تصريح سابق له ، لجريدة الشرق الأوسط ..
لكنه " يحتاج " إلى " غطاء " ..
وأي غطاء ؟؟ ولماذا ؟؟ وممن ؟؟ وكيف ؟؟
تلك أسئلة لا أملك لها جوابا ..
لكني أقول :
ـ لا أظن ، ولا أريد ، أن يكون الحريري ، فخورا أو سعيدًا بمساهمة " إسرائيل " في الكشف عن قتلة والده ..
ـ السيد كريم بقرادوني يرى ، وأشاركه رأيه ، فلا أظن ، ولا أريد ، أن يكون الحريري راضيا عن أن يكون القرار الاتهامي ـ إذا ما قبله ـ ، نقطة النهاية السياسية الحتمية بالنسبة له على صعيد لبنان والمنطقة ..
ـ لا أريد للحريري ـ إذا صدق ما نـُقلَ عنه ، وورَدَ على الشريط الإخباري لقناة لبنانية معارضة ـ أنه :
في أسوأ الاحتمالات ، يستقلُّ طائرته ويغادر البلاد ، ويظل رئيسا للحكومة خارج البلاد ، حتى نهاية الفترة الدستورية للمجلس النيابي الحالي ، فهم لن يقدروا على إسقاطي ..
فإذا جُمعتْ تلك الحصيلة كلها ، مع مواقف وليد حنبلاط وسليمان فرنجية وميشيل عون بضرورة التخلي عن المحكمة ومفاعيلها ، وأخذت طريقها إلى التنفيذ العملي المرهون باتفاق سوري ـ سعودي ، تكون الحصيلة فشلا آخر ، للمشروع الصهيو ـ أمريكي ، ونصرا آخر حقيقيا وكبيرا ، يحققه صمود لبنان وشعبه ومقاومته ، لتجنب هجمة إجرامية جديدة ، وفصل من فصول سيء الذكر " الشرق الأوسط الجديد " ، الذي يريدونه على مصالحنا الوطنية والقومية ، وعلى أشلاء أطفالنا ، ودماء أبريائنا ..
مرة أخرى أقول مع الشاعر العربي إبراهيم اليازجي :
تنبَّهوا واستفيقوا أيُّها العربُ
فقد طمى الخطبُ حتى غاصتِ الرُّكبُ
كل محكمة وأنتم بخير ..
السبت ـ 27/11/2010
التعليقات (0)