حين أقرأ نبئاً عاجلا على شريط الأخبار، الأحمر أو الأصفر أو الرمادي أو أي لون آخر -عدا الأبيض طبعا- أسفل قنوات الأخبار العربية - وما أكثرها - عن إنتفاضة شعبية عارمة إجتاحت شوارع تايلند أو قرغيزستان - التي لم أسمع بها قبلا للأمانة - أو في أي حي قصديري مظلم في أي ركن من العالم يتفجر قاطنيه من المدمنين والمجرمين والقواد والعاهرات وأبناء الأهواء المنتشرين بين الأزقة في عربدة سلوكية متوارثة ومرضي عنها ومسلم بها ، على حكوماتهم التي تمنحهم كامل الحرية في العربدة تحت جنح الظلمات التي تجعلهم يعيشون فيها بفسادها المعجون من نفس الطينة لكنه بروائح تمويهية كريهة .. أتساءل بيني وبين نفسي : أما نستحي من أنفسنا ونحن ندعي حب الأوطان بينما يُعاث فيها جورا وفسادا في وقت نكتفي فيه بالفرجة والإنبطاح؟! ..
كل الإنتفاضات تستعجل قنواتنا العربية الإستهلاكية .. عفوا الإخبارية .. باستظهار صورها الملتقطة من أعفن البقع ، ومن مختلف المشارب والطرائق والطوائف والأقليات والأكثريات .. ما عدا الأقلية العربية .. التي تنزوي في نطاق خاص عرفت فيه الحكومات كيف تتأله بعدما ترتقي رقاب شعوبها .. وتعرف جيدا كيف تروض الخيول العربية ، والهجن العربية ، والدّيَك العربية التي أصبحت لاتفرق بين ضوء الصباح وضوء مصباح كهربائي . وحتى البشر العرب الذين يسفسطون في مجالسهم وفي ظلال بيوتهم ووسط حاراتهم ، لايقومون على أقدامهم ولايشمرون عن سواعدهم ، لأنهم مهددون بالإنقراض بالشيخوخة المبكرة ، وبقصم ظهورهم جراء الضغوط ، والروماتيزم وداء السكري! ..
حتى قيرغيزيا التي لم أعرفها إلا من خلال شريط الأخبار إنتفضت شوارعها وطارد شعبها رئيسهم خارج قصر الرئاسة ، بعدما إكتسحوا جدران (حصانته ) التي منحوها له هم ذات يوم ، وظن بأنهم لن يكسروها على رأسه متى ظهر لهم بأنه يتلاعب بهم وبمصالحهم وبشؤون دولتهم ، يعني هم يحبون وطنهم فعلا وليس مجرد كلمات جوفاء وفارغة تلوكها ألسنتنا العربية في كل المناسبات التي أصبحت على فكرة بلا طعم لأنها إمتزجت بذل [الخلف ]الذي داس على المقومات التي ضحى من أجلها [السلف] وبذلوا من أجلها كل غالي ونفيس ..
على العرب أن يكفوا عن الإدعاء والنفاق الذي جعل منهم بساطا تدوسه كل الأقدام .. على العرب أن يكفوا عن الدفاعات العبثية عن التعريب مادامت إنتاجات أصحابه من العرب ومساهماتهم في التطوير والتنمية عقيمة وإستهلاكية بدل أن تكون إنتاجية .. على العرب أن يكفوا عن عبادة رؤسائهم وملوكهم لأن النصرة الإلهية لدعوات مهما كانت صادقة لأم مفجوعة في وليداتها ، أو شيخ ورع تقي يتزود لآخرته بالعبادة ، أو مظلوم مسجون بدل رئيسه أورب عمله بارون الدعارة أوالمخدرات .. كلها لن تكفي لرفع الظلم عن غالبية ترضى به قانونا وربا وحاميا ..
أنا أحب وطني لكن يفوتني المواطن القيرغيزي بأشواط كبيرة في مقدار ذاك الحب ، لأنه إنتفض ذودا عن كرامته وحقوقه في المواطنة ، بينما بقيت أسفسط كلما سنحت لي الفرصة بذلك ، وأقبع تحت وطأة نظام عربي يهينني ويذلني في اليوم الواحد بدل المرة ألف لكنني لازلت أنافقه وأتملقه كلما شعرت بخطورة قد تطال خط إشتراكي في النت أو الأسوأ أن تطال راتبي الحكومي الذي ينفذ قبل أن ينتصف الشهر؟!.. أحبك وطني لكنه حب جد ضئيل .. وأنا آسف على صراحتي وعلى إنبطاحي .
ـــــــــــــــــــــ
تاج الديــن : 04 . 2010
التعليقات (0)