كل رسالات الأنبياء كان محورها الحرية. البدايات كانت «أن لا تعبدوا إلا الله»، إذ طريق التحرر الحق من عبادة الأصنام والأوثان والشهوات والأشخاص والأفكار والأحزاب وكل شيء سوى الله منها يكون، والتوحيد حرية خالصة لا تشوبها شائبة أبدا.
الطريق لم تكن معبدة ولن تكون، " فالناس عبيد الدنيا" من مال وجاه وسلطة ومنصب وجنس " والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون"، وطريق تحرير عبيد الدنيا يحتاج لرجلٍ لا تستطيع الدنيا أن تنال منه طرفة عين وإن تبرجت له بكامل زينتها " اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام"، رجلٍ حدد أهدافه بدقة " ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك"، رجلٍ لا يرهب الموت بل يوله إليه وله الحمام وأكثر " وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف"، رجلٍ يأبى أن يؤثر " طاعة اللئام على مصارع الكرام".
الحرية والانعتاق من أسار الظالمين ومن العيش المهين كانت هدفك الأسمى، كنت تفتح عيونهم ليبصروا حقيقة ما هم فيه " فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا" ثم كتبتها لافتة خالدة " فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما".
ولأنك لا تريد أن يكون معك إلا الأحرار، فقد تركت للجميع حرية الاختيار في مشهد شبه مستحيل:
" وقد نزل بي ما قد ترون وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري".
ولأنهم أحرار حقا، فقد أبوا إلا أن يكونوا معك حتى الرمق الأخير، مرتلين سورة الشهادة التي مطلعها: كل طرق الحرية تشير إليك.
التعليقات (0)