سيدنا الجنرال، لقد ضقنا ذرعا بالانتظار، فافتح لنا المصيدة، ونحن نــَـعـِـدُك أن نرقص، ونفرح، ونغني، ونحمد الله لأنه، سبحانه وتعالى، أرسل لنا الجنرالات.. أنبياء العصر!
لن ننصت لأحد يريد أن يدخل الريبة في قلوبنا، أو يشكك في مجلسنا العسكري، وقضائنا الشامخ، ورئيسنا التقي، ومنهجنا الرباني، ومرشدينا الذين تحملوا صبر أيوب لأكثر من ثمانين عاماً.
الآن استبدلنا بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين ورفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وعلي عبد الرازق وفرج فودة والمستشار سعيد العشماوي أنبياء عصر الجنرالات.. محمد حسان وصفوت حجازي وعبد المنعم الشحات وأحمد المحلاوي ومحمد بديع و الرئيس محمد مرسي.
كانت المصيدة في حبكتها، ودقتها، وإحكام فصولها تشهد بعبقرية الفراعنة حتى أن الذين ماتوا في بناء الأهرامات وحفر قناة السويس ومساعدة الجنود البريطانيين في (العلمين) أصبغنا عليهم صفات القوة والتحمل والصبر والأناة !
والمصيدة لا تحتاج لأكثر من الإيحاء بأنها في حراسة جنرالات وطنيين أبطال، وقضاة شرفاء يمثلون عدالة السماء على الأرض، وحينئذ سيدخل نصف أفراد الشعب طوعا، ويلحق بهم النصف الآخر كرها.
ولأن شعبنا قرر أن ينام مع الإخوان ليتأكد من شخيرهم، فالصمت هنا أكثر بلاغة من كل قواميس العرب، ولن تستطيع أن تقنع أحداً أن أعضاء المجلس العسكري ناموا نوماً عميقاً لأول مرة منذ خلع الطاغية اللعين، فنصف المصريين يحتفلون بالانتصار على النصف الآخر، وأكثرهم يؤمنون بأن الله، تعالى، كان أيضا في ميدان التحرير .. ذلك المكان الذي رفضوا دعم قوى الثورة فيه قبل 25 يناير 2011 لأن الخروج على ولي الأمر معصية للخالق، وأنهم، أي الإخوان المسلمين، لا يمانعون، كالبرادعي تماما، أن يترشح جمال مبارك في انتخابات نزيهة وعادلة، وكلهم يعرفون أن هذا الجرو من ذاك الكلب، وأن ابن الجزار لا يلعب بسكين صغيرة!
وأنا أيضا على نفس المسافة مع الثلاثة، المخلوع والمشير والفريق ، وهي تقاس بالسنين الضوئية، لكنني بعيد عن رابعهم، فالرئيس وأتباعه ومريدوه وعشاقه وكارهو خصمه في حالة نشوة، والشعوب إذا فرحت أصابها الصمم، وإذا ابتهجت أخذ ثلث العقل عطلة، وثلث تعطل، والثلث الباقي سقط من الرأس إلى الحنجرة.
الناس تحتفل بالموت الثاني لمصطفى كمال أتاتورك، فخليفتنا سيدخل القصر بقدمه اليمنى بعد أكبر خدعة ديمقراطية في المنطقة: انتخبوا الرئيس المسلم الورع لئلا يأتيكم فلولي تتلمذ على أيدي كلاب مبارك.
من الآن فصاعدا، من ينتقد الإخوان المسلمين لا يختلف عمن يطعن في الإسلام الحنيف، ومن لا يثق في تطبيق الشرع كما يفهمه عاكف وبديع ومرسي فهو كما قال جورج بوش: من ليس معنا فهو علينا!
في المشهد المصري يظهر جبل الجليد كعُرس دُعــِـيّ إليه 13 مليونا، لكن الجزء الأكبر المختفي تحت الثلوج لا يعرف أحد حتى الآن كنهه.
إذا أردت أن تلتحم في حالة العشق للوطن فعليك أن تعارض ولي الأمر حتى يعرف أن قفاك ليس عارياً، وأن كفه الغليظة ليبني بها، لا ليصفع مخالفيه.
أخاف من المستبد الديني خوفي من المستبد العسكري، والحاكم الذي يؤكد للرعية أنه استخار الله قبل أي قرار هو حاكم كاذب، فمن يدعو الله أن يقف معه، يحتفظ بهذا الدعاء سراً لا يــُـطـْـلـِـع عليه أحداً، فجمال وقدسية وطهارة العلاقة مع الله لا تحتاج لمزايدة.
لست فرحاً بفوز مرسي وسقوط شفيق لأنني ضد المسرحية منذ بدايتها حين خطف الجنرالات الثورة عقب سقوط الطاغية.
قل لي ما هو الثمن الذي دفعه الإخوان المسلمون في الصفقة لأتأكد من أنها تجارة رابحة أو عملية غش، أو تزييف باسم السماء على الأرض، أو اتفاقات دينية أمريكية
إسرائيلية مشيرية!
ومع ذلك فأنا مضطر للانتظار، فأذرع جماعة الإخوان المسلمين تمتد إلى كل مكان، ولكن الذي أنا واثق منه أن الجنرالات والإخوان يتمنى كل منهم أن تهبط نيازك وشهب من السماء وتنهي الآخرين إلى الأبد.
الديمقراطية هي كيفية اقناع الجماهير بأن الأقلية والأغلبية يتساويان في العدد!
محمد مرسي نجح بفضل كراهية الملايين للفريق الفلولي، وأحمد شفيق كاد يفوز لأن الملايين الذين منحوه أصواتهم يخشون الإخوان المسلمين والدولة الدينية مع ملايين أخرى يجرفها حنين كرباج مبارك على ظهرها أو سهولة النهب والهبر في عهد المخلوع اللعين.
الفائز الكبير هو المشير الذي رفض الإخوان المسلمون والسلفيون والكتاتنيون والقضاة والنخبة والصفوة والمثقفون أن يعتبروه فلولياً وكان الساعد الأيمن لسفاح مصر المخلوع!
معارضتي الشديدة للثلاثة عشر مرشحاً سابقا، والبرادعي وحازم أبو اسماعيل كانت فقط لأنني أرى مصر أكبر منهم جميعاً، ومازلت أراها أكبر من الرئيس محمد مرسي ولو سانده الإخوان والسلفيون وكل من نبتت في ذقنه شعرة واحدة، لكنني أنتظر لأن المصريين ليسوا على استعداد للاستماع لمن ينتقد الخليفة الرئيس قبل أن يخطيء أو تمر حقبة طويلة تسمح للحُكمِ عليه أو .. له!
قد يكون محمد مرسي طيب القلب، وساذجاً، ومؤمنا بالاصلاح، لكن السمكة الصغيرة لا تلعب مع الحيتان ولا تلاعبهم، والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ميليشيا لا تمزح مع معارضيها، ولا تبتسم لمن يخرج على الطاعة، تماما، كجماعة صقلية!
إذا خــُـيـّـرتُ بين الشك وحُسن النية فلن أتردد في اختيار الشك، فانسحاب الإخوان، مثلا، من ميدان التحرير، يعني أن مصلحتهم قبل مطالب الثورة، وأنهم، كالعادة، على استعداد أن يتركوا الثوار تحت أحذية العسكر، كما فعلوا من قبل عدة مرات، ومن أراد أن يبرر كل أخطائه وخطاياه من الدين فالأمر هيّن.
كثير من الناس يطالبوننا أن نمنح الإخوان المسلمين الفرصة ليديروا شؤون مصر، وها قد منحها لهم المجلس العسكري والبيت الأبيض، أما أنا فلا أثق مُطلقا فيمن يرفع المصحف بيد ويخفي اليد الأخرى خلف ظهره!
مع صعود الإخوان المسلمين نسدل الستار لبعض الوقت على الدعوة للمليونيات الثورية، فالجنرالات والجيش والأمن والإخوان المسلمون والسلفيون والذقنيون والفلول والشفيقيون يقفون في جانب و في الجانب الآخر يقف الشباب صاحب الثورة المسروقة عسكريا، ودينيا، وبلطجياً و .. عُكاشياً!
الذين زعموا أن الله وقف مع محمد مرسي في الانتخابات، هل سيغضبون إذا قيل لهم بأن النسبة التي حصل عليها الشيطان وهي 48% متقاربة مع النسبة الربانية؟
إن الله تعالى تركهم يتصافقون، ( من الصفقة وليس من الصفاقة)، لكنه، جل شأنه، قد يقف مع مرسي لاحقاً إذا حقق مطالب الثورة، وصنع دولة التسامح، وساوى بين المصريين، وجعل القبطي يدعو اللهَ في قُدّاس الأحد أن يطيل عُمر الرئيس الإخواني، وبدأ خطوات القضاء النهائي على الفقر والمرض والعوز والحاجة والأمية والعشوائيات، وأخرج المعتقلين الأبرياء، وحاكم كل الذين ساعدوا مبارك في عهده الأغبر.
أما إذا قال الرئيس مرسي بأن الله أبلغه أن المشير ليس من الفلول فسنقنعه في يوم من الأيام بأن الملائكة تغادر ميدان التحرير عندما يتواجد فيه الإخوان المسلمون والسلفيون.
الآن دعونا نراقب الرئيس الجديد رغم أنني اعتدت في العشرين عاما المنصرمة أن الردود والشتائم والألسنة الحــِـدْادَ تأتي دائما من أتباع المُرشد، فكيف ستكون عندما يصبح الفائز الإخواني سيد القصر؟
السيد الرئيس الدكتور محمد مرسي،
تهنئتي مؤجلة إلى حين، وفرحتي مجمدة حتى أرى وجهك الحقيقي، وثقتي بك لن أفصح عنها حتى أعرف كل جوانب الصفقة، وسعادتي أخفيها حتى أتأكد من أن مصر في يد أمينة!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 25 يونيو 2012
التعليقات (0)