كلمة ممثل الكورد الفيليين د. ازهار رحيم في مؤتمر التعايش والتسامح في اربيل برعاية وزارة حقوق الانسان في العراق الذي عقد في 1-12-2010
بسم الله الرحمن الرحيم
لاشك ان موضوع حقوق الانسان يشغل الان الفكر العالمي شعوبا وحكومات اكثر من اي وقت مضى ،اذ يعد اليوم واحد من اهم المواضيع واكثرها حيوية ، نظرا لابعاده الانسانية العميقة التي اثرت في الحراك السياسي-الاجتماعي على المستوى الدولي ،واصبحت احدى اهم المعايير الحضارية والديمقراطية في تقييم المجتمعات والانظمة ،فمنظومة الحقوق هذه تهتم بوجود الانسان وحريته وكرامته وحقه في العيش وهي ثوابت وجودية جوهرية على اساسها قامت وتقوم معالم التواجد البشري في اطار تواصله وتآخيه ،ومد جسور المحبة وهي جميعاً ضمانة للسلام و القاعدة الرصينة لبناء الحياة المزدهره والمتطورة ،التي بمقدار ما تحرز من تقدم يكون بامكانها السيربخطى واثقة نحو مستقبل مشرق يحفل بالنمو والتطور.
لقد كشفت لنا الصور التأريخية للحقب المختلفة للبشرية اهمية هذه الحقوق ودورها في تماسك المجتمعات وانحلالها فقد تطورت مع تطور الانسان ومعرفته للحضارة والعلم ، حتى غدا اليوم علماً ومنهجاً ثابتاً تمثله هيئات ومؤسسات عالمية تأخذ على عاتقها حماية حقوق الانسان من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية كما ويجب ان لا نغفل هنا دور الانظمة السياسية والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي بقدر ما تستطيع ان تسهم في هذا المجال من بناء استراتيجي يشكل ضمانة اجتماعية وسياسية ومجتمعية تزول فيه كل اشكال السياسات والتعاملات القائمة على طمس الحقوق الذي يؤدي الى تناقضات وصراعات تقود المجتمع الى التفكك والغاء دور الانسان والذي يعد القوة المادية والمعنوية المحركه لاي عملية بناء حضاري .
ان قضية التسامح والتعايش المشترك ومفهوم المواطنة تعد حجر الزاوية في النسيج الاجتماعي من اجل بلورة افاقه نحو بناء علاقات اجتماعية اكثر رقياً وازدهاراً وهو ما يرتبط بمجمل الحقوق التي تهيء الارضية لانطلاقة انسانية يتحرر فيها الانسان من تلك القيود المقيدة لحريته واطلاق كوامن طاقاته التي تتناغم اكثر مع سيادة التسامح والتعايش الذي يقود لحياة اكثر انفتاحاً وتقبلاً للاخرين ومن ثم تحقيق المواطنة الحقة التي تحفل بمستحقات عديدة على مستوى الدولة والمجتمع
وفي بلادنا وضمن اطار حقوق الانسان ونتيجة لمرورنا ولعقود طويلة لهزات وانكسارات اجتماعية قامت على سياسات التهميش والاقصاء والاستبعاد التي اثرت في حركة المجتمع افراداً وجماعات وافرزت تناقضات احترابية كلفت بلادنا الكثير من الدماء والدموع والالام ،وفوتت فرصاً حقيقية للنمو والتطور وتحقيق مكانه مرموقة بين شعوب المنطقة والعالم ...
الاخوات والاخوة الكرام
تكبل شعبنا بالعديد من السياسات المقيدة للحرية والتي بالغت بالاضطهاد بسبب تولي حكومة هوجاء وغير مسوؤلة ادارة البلاد وعلى مدى عقود شكلت ليله المظلم الدامي ، فما احوجنا اليوم الى جهود عظيمة وبرامج فعالة ومكثفة من اجل ترميم البناء الانساني التي تعتمد مفاهيم وافكار وآليات هي محور مؤتمرنا اليوم والهادف الى تسليط الاضواء على تلك الحقوق في المواثيق الدولية والتأكيد على حماية الاقليات وضمان تصور بناءها بشكل ايجابي متناسق مع حركة المجتمع بدلاً من التفكير في
الهجرة وخسران البلاد لامكانات بشرية فكرية وادبية وعلمية واعده ومبدعة ، وما احوجنا اليوم الى اشاعة التسامح في المجتمع وامتلاك ناصية السلم الاهلي المتضامن والمهيىء للتعايش المشترك من اجل ذلك ينبغي ان نجعل من اطياف العراق ثراء اجتماعياً ومحفزا لتطوير المجتمع للنهوض بمهماته التأريخية والانسانية...
ومن هذا المنطلق نحن نتطلع لبناء استراتيجية هادفة قائمة على برامج فعالة ناشطة في هذا المجال ومتمتعة بدعم ودور النظام السياسي من اجل الخروج من فضاءات الماضي المكبلة لا شكال الحرية افراداً جماعات واطياف وان تعيد اللحمة الاجتماعية لبناء ثقافة التعايش والمؤسسة لاواصر الثقة المتبادلة ،
ولاننسى هنا ما تعرض له الكورد الفيليون تلك الشريحة العراقية الاصيلة من ظلم واضطهاد قسريين وتشريد في المنافي ومصادرة للحقوق بما يعد هجمة بربرية واستئصال تأريخي غير مشروع وغير مشرف لشريحة كوردية لعبت دوراً هاماً في بناء السلم الاجتماعي وايجاد المشتركات مع فئات وطبقات المجتمع تدللها التلازم التاريخي لهم وتركهم اثاراً ما تزال مؤثرة في المشهد الاجتماعي . ان قضية الكورد الفيليين تعد احدى اهم الفواجع والمواجع التي اصابة حقوق الانسان .
ان مأساة الكرد الفيليين تعودإلى ذلك الصراع السياسي الطويل الذي دار بين الدولتين العثمانية التركية والصفوية الإيرانية والذي أدى إلى تقسيم الحدود بين العراق وايران وتفتيت المواطنين الذين يعيشون في المناطق الحدودية الى جزئين و منح أبناء العراق حرية المفاضلة بين التبعية الإيرانية والتبعية العثمانية .
ثم جاء النظام الصدامي البائد ليسقط عنهم الجنسية العراقية مستفيدا من هذه الورقة في صراعه مع إيران أن أبشع ما أقدم عليه النظام في تعامله مع الكورد الفيليين هو محاولة إبادة هذه الشريحة من الشعب الكوردي وإنهاء وجودها القومي من بغداد و بقية المحافظات عن طريق البطش بعشرات الألوف من أبنائها ولا سيما في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي وتهجيرهم قسرا إلى إيران وما رافق ذلك من عمليات سبي وقتل للرجال والنساء والأطفال وهو ما لم يشهد له التاريخ مثيلا في العصر الحديث كما قام هذا النظام باعتقال الألوف من الشباب الفيليين و لا يعرف أحد من ذويهم أو من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان عنهم شيئا حتى الآن ، وهذه السياسة التعسفية كانت جزءا من السياسات الظالمة الشوفينية التي ارتكبت بحق شعبنا الكوردي في كوردستان ..
لقد اتخذ النظام الصدامي من مفهوم التبعية الإيرانية ذريعة لتهجير الكورد الفيليين جماعيا وبالقوة الغاشمة من مناطق سكناهم في بغداد وفي المدن والقرى الأخرى وإلقائهم على الحدود العراقية الإيرانية قبل وأثناء الحرب بين البلدين 1980-1988.
ايها الاخوات والاخوة الاعزاء .
تكشف العديد من الوثائق عن القرار الذي أصدره النظام الصدامي البائد بتسفير و طرد العراقيين من الكورد الفيليين والذين بقيت ملفات حصولهم على الجنسية معلقة في دوائر السلطة العراقية وقد جرى تنفيذ هذا القرار الجائر بصورة بالغة التعسف مما أدى إلى عديد من الكوارث الإنسانية التي شملت اقتلاع اكثر من 450 ألف من الكورد الفيليين بعد مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وإتلاف مستندات انتمائهم لوطنهم. وقد أشار هؤلاء الضحايا وشهود العيان إضافة إلى ما وثّقه عديد من الباحثين والمنظمات القانونية والإنسانية إلى إجبارهم على السير على حقول الألغام لتنفجر بهم لأغراض تمهيد الطريق للوحدات العسكرية في جبهة الحرب مما أدى إلى اختفاء آثار الآلاف ، وأن الدوائر الاستخبارية قد استخدمتهم كمادة حية في تجاربها العسكرية الكيماوية والبيولوجية وأشار العديد منهم إلى صنوف التعذيب البشع في سجون النظام الرهيبة الذي تعرّضت له ألوف أخرى من الكورد الفيليين العراقيين.
ولم يتوقف الاضطهاد عند هذا الحد بل استمر باصدار قرارات تعسفية تتنافى مع ابسط مبادى حقوق الانسان ، منها اصدار قرارا ينص على تسفير من وصفهم (بالإيرانيين الموجودين في القطر وغير الحاصلين على الجنسية العراقية وكذلك المتقدمين بمعاملات التجنس أيضاً ممن لم يبت بأمرهم) والمقصود بهم الكورد الفيليين ، كما نص القرار على الاحتفاظ بالشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18-28 سنة في مواقف المحافظات إلى إشعار آخر وعددهم 10500 حسب احصائية وزارة الداخلية للنظام الديكتاتوري البائد ،و فتح النار على من يحاول العودة إلى الأراضي العراقية من المسفرين والذين جرى إلقائهم قرب الحدود الإيرانية في أوضاع بالغة السوء بعد أن نهبت ممتلكاتهم ،و إجبار الرجال على تطليق زوجاتهم من التبعية الإيرانية مقابل مبلغ قدره
5000 دينار إذا كان عسكرياً ،و2500 دينار إذا كان مدنياً في حال طلاق زوجته أو في حال تسفيرها إلى خارج القطر وقد اشترط هذا النظام من أجل منح المبلغ المشار إليه ثبوت حالة الطلاق أو التسفير بتأييد من الجهات الرسمية المختصة وإجراء عقد زواج جديد من عراقية كما ألزم الشخص الذي استفاد من قرار مجلس قيادة الثورة أعلاه بعدم الزواج ثانية من إيرانية وفي حالة زواجه يسترد منه كافة المبلغ!!. وعشرات القرارات التي ادت تهجير وتشريد وقتل وتفكيك الآف العائلا ت من الكورد الفيليين والاستيلاءعلى اموالهم وممتلكاتهم ونهبها. ومثل هذه الجرائم تعتبر بالمعايير الدولية من جر ائم الابادة الجماعية وضد الانسانية.
وها نحن اليوم نسعى من اجل اعادة بناء المفاهيم الانسانية وتفعيل دورها من اجل اقامة مجتمعنا الديمقراطي الحر المزدهر الذي يكون فيه الانسان اسمى غاية ، يتوجب علينا حل هذه المشكلات العالقة واعادة الحقوق المادية والمعنوية لاصحابها واعتبار الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق الكورد الفيليين جريمة ابادة جماعية ، واصلاح آليات استرجاع هذه الحقوق التي تعاني من الروتين والتلكؤ المتعمد ، وتعجيل حل الملفات العالقة والمتعلقة باسترجاع حقوق الكورد الفيليين في مؤسسات الدولة منها هيئة نزاعات الملكية ودوائر الجنسية والمالية وكل مايتضمن من تعويضات واعادة الحقوق المسلوبة للضحايا والمتضررين..
ختاما اقدم الشكر والتقدير لوزارة حقوق الانسان لاسهامها في عقد مثل هكذا لقاءات والتي تعمل على توحيد الصفوف وتحقيق الانسجام والتواصل بين مختلف مكونات الشعب العراق خصوصا وهو يمر بظروف غاية في التعقيد والخطورة .
د. ازهار رحيم
التعليقات (0)