كلمة هادئة بعد رحيل مرسى
لم يكن أكثر المتفائلين ولا المتشائمين عند إعلان نتيجة أول إنتخابات رئاسية حرة فى مصر وتولى الرئيس محمد مرسى مقاليد الحكم فى البلاد أن لا يدوم عهده إلا سنة واحدة بالتمام وأن تكون نهايته مثل نهاية سلفه مبارك وذلك استجابة لمطلب شعبى كبير خرجت له حشود تُقَدر بالملايين تجوب كل مصر مطالبة برحيل مرسى , بل ويكون للجيش الدور الكبير فى إجبار مرسى على الرحيل فى ثورة أشبه بانقلابات مرحلة الستينات فى العالم , وسواء خرج مرسى بمطلب شعبى أو تحت ضغط الجيش فالخروج يعتبر انقلابا عسكريا لم تشهده مصر منذ انقلاب الضباط الاحرار فى يوليو 1952 و وهنا فالرئيس مرسى دخل موسوعة جينيس حيث أنه أول رئيس مصرى فى التاريخ يتم انتخابه انتخابا حرا وهو أول رئيس منتخب يتم عزله بضغط شعبى وبتأييد للجيش وهى سابقة تُحسب له .
والحقيقة أن الرئيس مرسى على المستوى الانسانى والاخلاقى ليس عليه شائبة فهو استاذ فى الهندسة حاصل على شهادة الدكتوراة وهو عضو ناشط وبارز فى البرلمان المصرى عن المعارضة لمدة طويلة وهو ايضا رجل من رجال الاخوان المسلمين ذوى الصبغة الاسلامية , وهنا فالرجل كان اختيارا شعبيا نال اغلبية الشعب المصرى ولو بنسبة ضئيلة (52%) ولكنها الديمقراطية وحكم الاغلبية وقد استقبله الشعب بالترحيب وتوقع الجميع مستقبلا عظيما لمصر,
ولكن على الجانب الاخر فقد تربصت به المعارضة ومنذ اليوم الاول وأخذت تتصيد له الاخطاء من هنا ومن هناك , وقد ساعد المعارضين لمرسى بطء اداء الرئيس مرسى وعدم وضوح برنامجه ثم تقوقعه فى خندق الاخوان ورفعه راية الاخوان وهو اول ما أوقعه فى الاخطاء فمصر كبيرة ومختلفة الاطياف والالوان ويجب على من يتولى الحكم فى مصر أن يتعامل مع مصر المتنوعة والمتعددة الاتجاهات , ولكن مرسى تمسك براية الاخوان وهو ما أثار ضده المعارضة وحتى المعارضة الاسلامية من غير الاخوان المسلمين مثل حزب النور السلفى وحزب مصر القوية بقيادة منافسه فى الانتخابات الدكتور ابوالفتوح , وهكذا استطاع الرئيس مرسى وبكل جدارة الحصول على كراهية عدد كبير من الشعب المصرى بدءا من الليبراليين والناصريين والسلفيين ومصر القوية والشباب واخيرا الفلول ( فلول عهد مبارك) وهو انجاز كبير بدى وكأن الرئيس مرسى يعمل ضد نفسه وضد اتباعه , بل بدى أتباعه ومؤيدوه يدافعون عنه ويبررون أخطائه بدلا من الاشادة بحكمه , وهو دليل على سقوط مرسى واقتراب نهايته.
وهناك ايضا مايُحسب على الرئيس مرسى فقد بدأ عهده بتنازلات جاءت وكأنه يتحالف مع الشيطان للبقاء فى الحكم فقد ظهر انه ارتمى فى احضان امريكا وهادن اسرائيل مثله مثل مبارك وذلك فى عملية أسقطته شعبيا بل إنه فى بعض المواقف كان اكثر تنازلا من مبارك ففى اعتداءات اسرائيل على غزة قام بعقد اتفاق التهدئة بين حماس واسرائيل وذلك بموافقة حماس التى كانت ترى فى الاخوان خير سند لبقائها والحقيقة ان حماس والاخوان لهما نفس الفكر المتطلع للحكم ولو على حساب المواقف والمبادىء وهو ما يؤخذ على تيار الاسلام السياسى فى العالم العربى فهذا التيار ينادى بمواقف ويأتى بعكسها طالما ان هذه المناداة تكسبه الحكم , وهذا ما اظهر الرئيس مرسى وحكمه بالنفاق السياسى خصوصا وهو يمثل تيارا اسلاميا حاكما , وقد كانت العلاقة بين الاخوان فى مصر والاخوان فى غزة( حركة حماس) من أهم أسباب سقوط مرسى وحكمه , فالشعب المصرى كان ومازال ينظر الى حركة حماس وأيديها الملطخة بدماء المصريين فى سيناء , بل أن الشعب المصرى كان فى عهد مرسى يعتبر حماسا هى الزراع العسكرى لمرسى , ولهذا فقد كانت اول خطوات عزل الرئيس مرسى هو رفع حالة الاستعدادت فى سيناء تحرزا لهجمات انتقامية يقوم بها الحمساويين فى سيناء وما اكثرهم هناك الان .
ونعود الى اسباب سقوط مرسى السريع ومن هذه الاسياب هو شخصية الرئيس مرسى , ورغم أنه رجل لا شائبة عليه إلا أنه كان تابعا لقيادة المرشد بل وتابعا مطيعا لمكتب الارشاد وهو لم يكن له كاريزما أو ملامح شخصية تؤهله للحكم وايضا فهو يبدو أنه لم يكن مستعدا للحكم حيث تم الدفع به كاحتياطيا للمرشح الاول وهو خيرت الشاطر , وقد اعلن مكتب الرشاد فى الاخوان ان المرشح الرئيس هو خيرت الشاطر والمشرح الاحتياطى هو مرسى , وهى شهادة من الاخوان أن مرسى لم يكن الافضل عندهم , وهكذا دخل مرسى الرئاسة وهو الاحتياطى الذى ينتظر الاوامر لتنفيذها, وهكذا بدا مرسى واستمر احتياطيا , ولأ، الرئيس مرسى بدأ كإحتياطى للاخوان فكل ما فعله هو ظهوره بمظهر رجل الدين فكان يصلى ويفتخر بصلاته علنا وخصوصا صلاة الفجر وكأن الشعب المصرى لا يصلى الفجر , وبدى وكأنه خطيبا فى مسجد يؤم المصلين ويخطب فيهم وليس كرئيس للدولة , وهذا السلوك جعل المعارضين يتجرؤن عليه ويتصيدون الأخطاء وما أكثرها عند مرسى .
وعلى الجانب الآخر كان مرسى مثل مبارك معزولا عن الشعب وحركة الشبع وكان بطيئا فى ردود أفعاله وغير منتبه لجركة الشباب الذين اثبت وفى الثلاثين من يونيو أنهم تعلموا الدرس وأنهم لن يكرروا أخطاء الخامس والعشرين من يناير عندما تركو الميدان فرحا برحيل مبارك فقفز عليه الاخوان واستولوا على الزعامة والقيادة , وايضا فالشباب ايقنوا أنهم اصحاب قوة كبيرة وما حركة تمرد وتأثيرها على الاحداث إلا اثبات كبير أن الشباب قادمون وأن على من يحكم مصر منذ الآن ان يضهع الشباب فى حساباته .
إننا هنا نؤكد ان الرئيس مرسى قد ظلمه الجميع اولا الاخوان بترشيحهم له كأحتياطيا ثم بتأثيرهم عليه فى احكامه وهو رئيس ,وكذلك فقد ظلمه التيار الاسلامى حيث وقف يسانده وكأنه هو الاسلام فاذا خسر فقد خسر الاسلام وهذا الموقف ليس حقيقيا فمرسى ليس الاسلام ولكن الاسلام دين الله الحق ومن الخطأ الخلط بين البشر وبين الخالق للبشر , وكذلك فقد ظلمت المعارضة بكل أطيافها الرئيس مرسى ولم تمهله الوقت لتصحيح أخطائه .
وختام الامر فربما يكون ما حدث من رحيل مرسى هو بداية التصحيح للطريق لمصر وان نصحح الاخطاء ولا نعيدها , فنبدأ بالدستور ثم البرلمان ثم الانتخابات الرئاسية الحرة ولا يتدخل فيها مصلحة هنا أو ضعط هناك.........
وحمى الله مصر وشعبها من كل سوء .
التعليقات (0)