كلمة سر نجاح الحوار عند حركة فتح
بقلم/ حسام الدجني
إرهاصات تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" بدأت في أواخر الخمسينات, بعد العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية, وقصف الطيران الإسرائيلي غزة, فامتزج دم الجيش المصري بالدم الفلسطيني, هذه العنجهية الصهيونية دفعت مجموعة من الطلبة الفلسطينيين بالتظاهر في القاهرة, مما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى إرسال وفد من هؤلاء الطلبة ترأسه السيد ياسر عرفات "أبو عمار", وكان اللقاء الاول في غزة الذي جمع السيد عرفات بخليل الوزير أبو جهاد والذي كان يعمل حينها رئيس تحرير مجلة فلسطيننا.
وعقدت العديد من اللقاءات بين مجموعة من القيادات مع السيد ياسر عرفات, حتى اكتمل تصور لدى هذه القيادات بضرورة تأسيس حركة تدافع عن الفلسطينيين وتعمل على تحقيق طموحاتهم بالاستقلال.
انطلقت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الاول من يناير عام 1965, عندما قام الجناح المسلح لحركة فتح "العاصفة" بأول عملية على أرض فلسطين المحتلة.
تأسست حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" على مجموعة من المبادئ:
1- فلسطين جزء من الوطن العربي والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية وكفاحه جزء من كفاحها.
2- الشعب الفلسطيني ذو شخصية مستقلة وصاحب الحق في تقرير مصيره وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه.
3- الثورة الفلسطينية طليعة الأمة العربية في معركة تحرير فلسطين.
4- نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية.
5- معركة تحرير فلسطين واجب قومي تسهم فيه الأمة العربية بكافة إمكانياتها وطاقاتها المادية والمعنوية.
6- المشاريع والاتفاقات والقرارات التي صدرت أو تصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول, أو أي دولة منفردة بشأن قضية فلسطين والتي تهدر حق الشعب الفلسطيني في وطنه باطلة ومرفوضة.
7- الصهيونية حركة عنصرية استعمارية عدوانية في الفكر والأهداف والتنظيم والأسلوب.
8- الوجود الإسرائيلي في فلسطين هو غزو صهيوني عدواني وقاعدته استعمارية توسعية وحليف طبيعي للاستعمار والامبريالية العالمية.
9- تحرير فلسطين والدفاع عن مقدساتها واجب عربي وديني وإنساني.
10- حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" حركة وطنية ثورية مستقلة وهي تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني.
11- الجماهير التي تخوض الثورة وتقوم بالتحرير هي صاحبة الأرض ومالكة فلسطين.
من هنا أصبحت حركة فتح تمثل السواد الأعظم للشعب العربي الفلسطيني, حيث قادت الحركة الوطنية ممثلة بمنظمة التحرير, وقادت الكفاح المسلح ضد الصهاينة, وخاضت العديد من المعارك ضد الاحتلال في الداخل والخارج.
ولكن حركة فتح والتي كانت تهيمن على القرار السياسي في منظمة التحرير الفلسطينية, اتخذت قرار المفاوضات كخيار, صحيح أن الظروف الدولية والاقليمة كانت عكس ما تشتهي حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية, إلا أن حركة فتح انزلقت في وحل اتفاقات أوسلو, وتشكيل السلطة الفلسطينية, حيث انخرط الكادر الفتحاوي في تشكيلات السلطة الفلسطينية, والتي ترى الحركة في إنشاء السلطة هو وضع نواة للكيانية الفلسطينية, حيث انتقل العمل من الخارج والذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية إلى الداخل والذي مثلته السلطة الفلسطينية , بل انصهرت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح عن قصد أو غير قصد في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
أصبحت التعبئة التنظيمية وثقافة أبناء فتح مقتصرة على الشخصانية في التوظيف وإدارة مصالح الأفراد والعائلات, فأهملت مؤسسات المنظمة وكذلك أهملت مؤسسات الحركة.
انطلقت شرارة انتفاضة الأقصى بعد فشل اتفاق كامب ديفيد بين السيد ياسر عرفات والسيد ايهود باراك, وعادت الشخصية الثورية المتمثلة بياسر عرفات في دعم المقاومة والكفاح المسلح الذي وضع أركانه طوال الفترة الزمنية الماضية, وهو والعديد من الشخصيات الفلسطينية والعربية والإسلامية.
دفع السيد عرفات حياته مقابل مواقفه, واستشهد وعلى ما يبدو أصيبت مبادئ حركة فتح بعد استشهاده, حيث اعتبرت انتفاضة الأقصى من أعاد الروح لحركة فتح, فشاركت عبر جناحها العسكري كتائب شهداء الأقصى في الانتفاضة, حتى وصل إلى سدة الحكم ورئاسة حركة فتح السيد محمود عباس أبو مازن, حيث يدعو السيد محمود عباس: لا لعسكرة الانتفاضة, وهو مهندس اتفاق أوسلو, وله وجهة نظر في إدارة الصراع مع إسرائيل, وهو رجل مؤسساتي, وأول رئيس وزراء استحدثته السلطة الفلسطينية بناء على رغبة من الولايات المتحدة الأمريكية ضمن ما اصطلح عليه "خطة الإصلاح" حيث أول من دعا إلى تهدئة مع إسرائيل ووافقته كل الفصائل الإسلامية والوطنية, وتولى في عام 2005 رئاسة السلطة الفلسطينية في برنامج مثل حركة فتح, ولكنه بعيد كل البعد عن مبادئ الحركة, فحادت حركة فتح عن مبادئها, بالإضافة إلى الترهل والفساد الذي أصاب كادرها ومؤسساتها, فانفض الناس من حولها, واستغلت حركة المقاومة الإسلامية حماس هذه الفرصة الثمينة لتحقق انتصارا كبيرا في الانتخابات المحلية والتشريعية, ولم تع حركة فتح لما حصل لها, وبقيت مستمرة فيما تبناه زعيمها السيد محمود عباس, حتى وصلت الأمور إلى سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة, واستمرت حركة فتح ضمن منهجية مختلفة عن مبادئها, وأرهنت قرارها للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي, وأخضعت قراراتها ضمن نظرية المال السياسي, حيث أصبحت الولايات المتحدة الحاضر الغائب في الحوار الوطني الأخير الذي احتضنته الشقيقة مصر, والذي تخرج بين طياته رائحة الفشل المعطرة بالكلمات الدبلوماسية.
وهنا نطرح تساؤلا رئيسا ما المشكلة وما هي كلمة السر لنجاح الحوار الوطني الفلسطيني؟
المشكلة تكمن في أن حركة فتح حادت عن مبادئها, ونموذج الدولة الأيوبية حاضر في ذهني, عندما قام صلاح الدين الأيوبي وهو كردي بوضع تحرير بيت المقدس ضمن أهداف الدولة الأيوبية, تجمع العرب والمسلمون حوله وقاتلوا بجانبه, وعندما توفى وجاءت عائلته إلى الحكم واهتموا بالحكم والسلطة والجاه, تركهم العرب والمسلمون وانهارت الدولة الأيوبية.
هكذا حركة فتح إذا لم تنتخب في مؤتمرها السادس المزمع عقده خلال هذا العام برنامج سياسي يعيد مبادئ حركة فتح إلى الصدارة وأن تتبنى الكفاح المسلح كخيار استراتيجي, والمفاوضات كتكتيك, فإن إمكانية التقارب مع الفصائل الأخرى الفاعلة في الساحة الفلسطينية هو أمر غاية في الصعوبة.
وإذا بقيت على نفس المنهج الذي يتبناه فريق السيد محمود عباس فإن حركة فتح ستدفع ثمن هذا الخيار على المدى القريب والبعيد.
وكلمة السر هنا هي:
عقد المؤتمر السادس لحركة فتح في اقرب فرصة, وتبني برنامج مقاوم, والعمل على وحدة الحركة, وفصل منصب رئيس الحركة عن منصب رئيس السلطة, وفصل كل من تثبت إدانته بقضايا فساد ورشوة, وفصل العمل التنظيمي عن العمل الحكومي, وتبني الخيار الديمقراطي في اختيار الأعضاء لا نظام الكوتة المعمول به, تبني إستراتيجية تربية تنظيمية لا تعبئة, وإعادة النظر في فلسفة الحركة المعتمدة على علمانيتها, في ظل المد الديني داخل مجتمعنا الفلسطيني المحافظ.
حســام الدجنــي
كاتب وباحث فلسطيني
HOSSAM555@HOTMAIL.COM
التعليقات (0)