كلمة العلامة د السيد محمد علي الحسيني بالمولد النبوي الشريف
ذكرى مولد الرسول مناسبة للوقوف على سيرته العطرة والتأسي بها....بعيدا عن البدع والانقسامات
في كل سنة تحل علينا مناسبة عظيمة، هي ذكرى ولادة خير خلق الله وسيد الأنبياء والمرسلين حبيب الله محمد (ص)، وفيها نستذكر سيرة الحبيب الحافلة بالدروس، والبطولات منذ مولده إلى وفاته، نحتاج لنتوقف كثيرا عند محطات هامة في حياته قبل البعثة وبعدها، فمحمد قبل أن يبعث رسولا كان له دور كبير في درء أي خصومة، فعندما أراد أهل مكة تجديد جدران الكعبة عقب السيل الذي أصاب الكعبة ، و أدّى إلى تصدّع جدرانها، أتوا لوضع الحجر الأسود في موضعه لكنهم اختلفوا في ما بينهم وليجدوا حلا لهذه المشكلة، اتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم، فلما دخل عليهم محمد وكان عمره حينها خمسًا وثلاثين سنة، قالوا هذا الأمينُ، قد رَضينا بما يقضي بيننا، فأمر بجلب ثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه، وبهذه الحكمة والرحمة المحمدية تمكن من لم جميع القبائل لتشترك جميعها في وضع الحجر الأسود وحتى لا تقع الفرقة والانقسام وحتى الاقتتال على وضع الحجر الأسود، كان محمد المنقذ الذي أتى بالحل الذي يرضي الجميع فكان جامعا، موحدا ومصلحا لا مفرقا مقسما ومفسدا.
نحتاج في مناسبة مولد الرسول الأكرم (ص) لأن نعود إلى سيرته لننهل من فيض أخلاقه، كيف لا، وقد شهد بعظمة خُلقه الخالق جل علاه عندما قال في محكم تنزيله "وإنك لعلى خلق عظيم"، واعترف بنبل أخلاقه العدو قبل الصديق عندما ذكر ابن كثير والطبري في تفسيرهما أن الأخنس بن شريق قال يوم بدر لأبي جهل: " يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فانه ليس ها هنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء و الحجابة و السقاية والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟
وبعد النبوة ورغم كل التحديات، كان محمد رحمة للعالمين، ومضى يبلغ رسالة ربه بعزم،صبر وخلق عظيم، للعرب وغير العرب للمسيحيين واليهود، بل للإنسانية قاطبة، جاء ليخرج الناس جميعا من الظلمات الى النور، ويعيد للمرأة حقها ويحفظ للعامل حقه وللكبير والصغير حقهما، داعيا إلى تحرير الناس وعدم استعبادهم، لذلك كان حقا علينا أن نعتبر محمدا منقذا للبشرية، كما قال فيه الأديب الإنجليزي جورج برنارد شو :"لقد درست محمدًا باعتباره رجلاً مدهشًا، فرأيته بعيدًا عن مخاصمة المسيح، بل يجب أن يُدْعَى منقذ الإنساني.
لذلك نحن بالحاجة في هذا الزمن المليء بالتناقضات والانقسامات والاختلافات إلى إحياء سيرته العطرة من جديد لإنقاذ الإنسانية من شر محدق، فحتفل بذكرى مولده الشريف احتفالا يليق بشخصية عظيمة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، فنسرد سيرته ونذكر بمناقبه العطرة احتفالاً غير مُلتَبِس بِأَيِّ فِعلٍ مَكرُوهٍ مِن النّاحِيَةِ الشَرعِيَّةِ ولَيسَ مُلتَبِسَاً بِنِيَّةِ السُنَّةِ ولا بِنِيَّةِ الوجُوبِ فإذا فَعَله بِهَذِهِ الشُّروطِ التي ذَكَرتُ؛ ولَم يُلبِسه بِشَيءٍ مُنافٍ للشَّرعِ من بدع وأضاليل، كان حباً للنبي .
لقد ارادت المشيئة الالهية ان يكون الرسول الاكرم محمد خاتم النبيين والمرسلين ، وهذا يعني ان الاسلام هو الدين عند الله عز وجل ، ورسالته الاساسية هي الوحدة ، ومن هذا المنطلق ينبغي ان يكون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، دعوة متجددة ودائمة الى توحد المسلمين ونبذ التفرقة ، والابتعاد عن البدع ، وتجنب الخطابات الانقسامية التي يراد منها الباطل ، والباطل في امتنا العربية والاسلامية هي الفتنة .
ان واجب المسلمين من مختلف المذاهب في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا هو توحيد الكلمة
ورص الصفوف لمواجهة كل من يريد الضرر لامتنا ، من خلال مشاريع تفتيتية متعددة الاشكال والمرامي .
كما ان واجبهم الاقتداء بسيرة ومسيرة خاتم المرسلين ، في التقريب بين الناس ، واصلاح ذات البين ، وذلك من خلال تعزيز ثقافة الحوار والتقريب بين المذاهب ، للاجتماع على كلمة سواء ، فالاختلافات بين هذه المذاهب لا تذكر مقارنة بالاتفاقات ، فالله واحد والرسول واحد والكتاب واحد والدين واحد .
ان توحيد كلمة المسلمين باتت ضرورة وجودية في ظل الحروب التي تعصف بدولنا العربية ،مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا ، وفي ظل الهجمة الشرسة على المسلمين في انحاء عديدة من العالم ، ومأساة الروهينغا في ميانامار ، ليست سوى مثالا على ذلك .
ان دعوتنا الاولى والاخيرة لكافة المسلمين ، وخصوصا العرب منهم ، هي ان طاعة اولي الامر في بلادنا هي من طاعة الله ورسوله ، وان الحفاظ على الامن القومي العربي ، وعلى سيادة ووحدة دولنا العربية ، هو من اوجب الموجبات الاسلامية عندما تكون الامة في حالة الخطر الشديد .. وهذا للاسف حالنا اليوم .
التعليقات (0)