تعود هذه الأحداث إلى عام 1965 وانا في الصف الأول الأعدادي في مدرسة أحمد محرم الأعدادية في مدينة دمنهور , البلد التي ولدت فيها وكبرت ودرست فيها , كنت شغوفا بالاشتراك في جميع الأنشطة الرسم , اتذكر الأستاذ أحمد الصباغ رحمة الله كان يضع امامي الورق الكبير والألوان ويقول لي انت موهوب يا احمد أرسم , واتذكر اعطاني ذات يوم طابع بريد علية رسم للعدوان الثلاثي على مصر وفيه منظر للمظلات والمقاتلين البواسل وهم يمسكون البنادق , كان منظر جميل واحسست كل ما به من معاني جميلة ورسمت بالقلم الرصاص , وسألني عن سبب عدم استخدامي للالوان قلت الحدث كله احزان كله شهداء واخذ اللوحة وبروزها وقال لي برافوا عليك انت حتطلع رسام كبير ,,
واتجهت للتمثيل وكنا مكونيين فرقة مسرحية انضم فيها اخي عندما التحق بالمدرسة وكان فيها فوزي واللي شوفته وانا كبير في مسرحية الفهلوي لسيد زيان ومعانا شوقي وقمنا باعمال جميلة عبارة عن اسكتشات صغيرة ونجحنا ان نرسم البهجة والفرح في نفوس الطلاب متطوعين.
واشتركت كذلك في الكشافة ووصلت لقائد المجموعة إلى ان وصلت إلى قائد مجموعة محافظة البحيرة عندما كنت في الصف الثالث الأعدادي , واتذكر اني حضرت معسكر الكشافة في الأسكندرية للمحافظات المختلفة وكان القائد العام للمعسكر الكابن محمد لطيف المعلق الرياضي رحمة الله عليه … وكان المعسكر في سيدي بشر وتذكرت حادثة لي في هذا المعسكر احكي لكم اخذت مجموعة البحيرة خمسة افراد واقترحت عليهم الذهاب إلى قلعة فايتباي على اعتبار اني اعرف الاسكندرية لأني زرتها في السابق عدة مرات لوجود خالتي وعائلتها هناك رحمها الله هي وزوجها …
وذهبنا من سيدي بشر بجوار معسكر الكلاب البوليسية مستخدمين قطار ابوقير إلى محطة الرمل ثم اخذناها مشي للقلعة . ووصلنا واتفقنا كما هو معروف في الكشافة انه لو تهنا او حدث اي مكروه لأي فرد منا أن يصفر بالصفارة التي معه ثلاث مرات , واخذنا نتجول إلى ان وصلنا لحافة القلعة وكان الأول يسمح للزائرين بالتجوال بالقرب من الشاطئ وخطرت لي فكرة جهنمية , ألقيت بحجر كبير في الماء محدثا صوتا ثم صفرت ثلاث ,, واختبأت خلف احد الجدران ثم عدت بمفردي للمعسكر وقد حل الظلام , فدخلت خيمتي دون أن يراني أحد ونمت على السرير ,, وغطيت نفسي ,,,
لم تمر سوى الساعة تقريبا وإذا بي اسمع اصوات بكاء ونحيب ثم اصوات الميكروفون الخاص بالمعسكر يعلن غرق احد الزملاء , واخذ كل منهم يتكلم عن اخلاقي والثاني عن شهامتي وانا اسمع من داخل الخيمة واقول لونظروا بالداخل لفتكوا بي ,, وقلت في نفسي جميل ان يسمع الانسان محاسنة من زملاءه وينعونة وهو حي ,, فخرجت وقلت لهم السلام عليكم اية دا !!! دا احمد منهم من صفق ومنهم من هجم علي وكانت عقوبة المعسكر علي ان اقوم بالطبيخ من تقشير للبصل وعمل المكرونة بدون مساعدة قلت خلاص يتحملوا لأني لا افقه شي نظرت لزملائي وقلت لهم المكرونة وكانت في شوال مش نظيفة وعايزة تتغسل ,, رد علية واحد منهم تتغسل قلت ايوه هاتوا لي حلة كبيرة ووضعت بها الماء ووضعت المكرونة ثم غسلتها وعندما اخرجتها من الوعاء كانت كتله من العجين…
وكنت مشتركا في فريق الهاند بول والباسكت بول وكان والدي رحمه الله يقول اشترك يا احمد فالانشطة لا غبار عليها وتصفي الذهن وتجعلك من المتفوقين.
وظهرت نتيجة الصف الأول الأعدادي وكنت من الناجحين ,, ودرجاتي كلها درجات النجاح فقط .. ودخلت الصف الثاني وكان المستوى الدراسي أسوء واحضرت الشهادة لوالدتي رحمها الله وكان بصحبتي محمد زميلي الدكتور محمد الآن وقلت لها شوفي يا أمي زميلي دا طالع الأول على المدرسة قالت وفين شهادتك انت قلت اهية مفيش غير كعكتين فقط راسب في الرياضيات والأنجليزي بس قالت يا فرحتي بيك ,, وفرحان ,, نظرت لي ولزميلي وقالت له برافو عليك انت شاطر وابني خايب!!!!
لم تشتمني ولا تضربني ولكن كانت نظراتها لي تقول لي كثير ليه يا احمد لية دا ابوك مموت نفسه عليكم وانا طوال اليوم قاعدة اما على طشت الغسيل او باعمل الأكل أو باأخبز بالمائة كيلو من الطحين لقد كنا عشرة ابناء سبعه أولاد وثلاث بنات عايشين كلنا في غرفتين وصالة ,, بعدما اضطر والدي لبيع البيت الكبير بسبب ازمة مالية تعرض لها ,,, وفي يوم من الأيام وكان هذا يوم جمعة كنا نذاكر دروسنا وكنت اتعارك مع احد اخوتي بسبب الصوت العال ومش عارف اذاكر ,, نادت علينا امي تعالوا ياولاد عايزاكم انا حأقولكم حكاية واحد كان عايش في دمنهور وكان بيشتغل طباخ وكان عندة عشرة أولاد وكانوا عايشين في غرفة واحدة !! غرفة واحدة ياماما !! قالت آه غرفة واحدة وكانوا بيذاكروا وبيحبوا بعض وخايفين على بعض وبيذاكروا لبعض ودلوفقتي اصبحوا داكترة ومهندسين ومدرسين كلهم ممتازين ,,,, وصلت رسالة امي لنا جميعا وقلنا كلمة السر هي الطباخ … فكنا نذاكر لبعض ونخاف على بعض وكلما تغافل احدنا او ظهرت عليه علامات الأهمال صاح له احدنا الطباخ ,, وكنت اذاكر دروسي على سطح المنزل مرة ومرة اخرى في المسجد ولقد تعرفت على امام مسجد الرملي القريب منا , بالقرب من شارع صلاح الدين الشيخ صالح رحمه الله الذين كان يتعرف على من صوتي وكان ضريرا..
وجاء يوم الحساب اعلان نتيجة الإعدادية وذهبت للمدرسة ,, الطلاب متواجدون في فناء المدرسة ومدرس التربية الرياضية يعلن النتيجة عبر ميكروفون المدرسة ,, هذا المدرس اعرفة جيدا ,, كان والده مديرا في الجمعية التعاونية الاستهلاكية وكان والدي موظف بها وكان ابنه الأخر زميلي في الصف الثالث الإعدادي ,, وسمعت النتيجة بالكامل والتي يذاع بها اسماء الطلاب الناجحين فقط ,, ولم يذاغ اسمي وخرجت من المدرسة مسرعا وانا ابكي بحرقة كبيرة على هذا التعب وهذا المجهود الكبير لقد كنت اقف في الصف اثناء الفسحة واتحدى الطلاب على اي مسألة رياضيات ,, لقد كنت احل الاختبارات السابقة لأعوام كثيرة سابقة ,,, جريت والدموع في عيني اقول ايه لأمي لأبويا ,, إلى أن سمعت اصوات طلاب يجرون من ورائي احمد يا زاغ احمد يا زاغ وقفت وقلت فيه ايه سبوني في حالي قالوا المدرسة اذاعت في نهاية النتيجة أنك طلعت الأول على المدرسة !! انا الأول مش معقول دا حلم ولا علم … الحمد لله ومنذ ذلك التاريخ لهذه اللحظة اقول لأولادي ولطلابي انت ممكن تعدل من مستواك وتطلع الأول ولكن لكل مجتهد نصيب المهم تعمل زي اللي بيطلعوا الأول ,,, للآن اسمي في مدرسة أحمد محرم الأعدادية الأول عام 1967 ولازلت اتذكر كلمة السر الطباخ وأقول لنفسي هل كان هناك طباخ حقيقي أم هي من وحي خيال أم عظيمة … هي أمي …. رحمك الله يا أمي.
أحمد الزاغ
التعليقات (0)