الجعفري : أزمة المرأة في بلداننا أزمة تقاليد، وأزمة المرأة في الغرب والشرق هو أزمة فكر
نص كلمة الدكتور الجعفري بمناسبة يوم العالمي للمرأة برعاية السيد رئيس مجلس النواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة، وأتمّ السلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وجميع عباد الله الصالحين..
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
قال الله (تبارك وتعالى) في محكم كتابه العزيز: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات: 13] لأن مؤتمركم مؤتمر مرأة، ولأن طبيعة الوسط طبيعة برلمانية مختصّة بالتشريع فلابد أن أنسج كلمتي من خيوط طبيعتكم، وطبيعة الظروف التي أحاطت بالمرأة والعذابات التي تعرّضت لها عبر التاريخ، ومن خلال تجارب الأمم كافة من دون استثناء.
كل أمم العالم بشكل أو بآخر ساهمت في مأساة المرأة حتى إنها الآن تتوارث ركامات ضخمة من خلال سيل العادات والتقاليد السيّئة التي تدوّرت عبر التاريخ؛ فأمة من الأمم تستكثر عليها حياتها لا لشيء إلا لأنها أنثى تلك هي أمة العرب قبل الإسلام: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)) [التكوير : 9] ، وأمة أخرى تنتقص من قيمتها، وتجعل حياتها مرهونة بحياة زوجها فإذا مات زوجها لا تستحق من بعده الحياة، ولأن عادة الهندوس كانت حتى بداية القرن العشرين حرق الميت فتـُحرَق زوجته وهي حيّة، وكانت أمّة الصين في غابر عهدها هي الأخرى تتغنّى بالحوليّات الصينية القديمة بأن المرأة لابد أن يُسكِنها زوجها في أقصى البيت؛ حتى تتوارى عن الوجود، وأمّة الفرس والحضارة المجوسيّة كانت هي الأخرى تستبعد المرأة في بعض أيام الشهر؛ لأسباب تكوينية وخلقية، وأمّة اليهود بعد أن تحرّفت، وشذّت عن كتاب الله التوراة هي الأخرى أبعدت المرأة، وحرّمت عليها أن تحضر في المعابد، وأمّة النصارى بعد أن تحرّفت هي الأخرى جعلت المرأة مخلوقة لا لشيء إلا لخدمة الرجل، وهكذا إذا عبرنا من خلال جملة الموروثات السابقة نجد أن المرأة تضافرت ضدّها جهود مكثـَّفة؛ فأودت بها ألى ما أودت إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.
هذه ثقافات فعل سيّء، وحتى الآن في أغلب مجتمعاتنا، ولا أستثني منكم أحداً تعيش المرأة وأنياب الظلم تنهش في كرامتها في كل بيت من البيوت، وفي أغلب العلاقات الزوجيّة، ومع أكثر الأولاد كأمّ، ومع أكثر مسؤولي الدوائر كموظّفة.. حتى اليوم لاتزال الذكورية وعقدة الذكورية تعصف في عقول البعض من المتخلفين.. حتى اليوم لاتزال المرأة كأنها عورة إذا ذُكِر اسمها في محفل ما وكأن لم يكن القرآن الكريم قد عبق باسمها عندما يذكر مريم العذراء، وكأن لم يكن رسول الله (ص) يذكر حبيبته سيدة نساء العالمين عندما يقول: (فاطمة الزهراء بضعة مني).. حتى اليوم لم تحصل مراجعة حقيقية لوضع المرأة..
نحن نرفض الموروث، لكن يغطس بعضنا إلى شحمة أذنه في العادات والتقاليد الذكوريّة، ويستمرّ بإقصاء المرأة، المشكلة أننا لسنا في أزمة خطاب إنما في أزمة أداء.. لسنا في أزمة ثقافة بمعنى العلم إنما في أزمة ثقافة بمعنى التربية.. نريد ثقافة مَرئيّ ومحسوس.. نريد مصداقية.. نريد ممن يتحدّث عن ثقافة المرأة أن يجسّد ذلك في طريقة تعامله معها (الزوجة، والأم، والبنت، والأخت، والصديقة العفيفة في مجال التعليم، ومجال التربية، والمجالات الأخرى).. لسنا في أزمة خطاب إنما في أزمة تعامل.
لقد تغنّـت الدول الغربية إلى الأمس القريب بالمرأة وحقوقها، قصة يوم المرأة تعود إلى يوم الـ 8 من مارس عام 1907، وقيل في عام 1908 أضربت مجموعة من النساء في نيويورك عن الطعام، وخرجن وبأيديهن خبز وورد، وسُمّيَ يوم الخبر والورد يطالبن بتخفيض ساعات العمل..
ماذا كانت النتيجة من 1907، وحتى عام 1977؟
قبلت الأمم المتحدة أن تسمّي هذا اليوم (يوم المرأة).
نريد واقعاً جديداً ينطلق من حيث انطلقت الآية القرآنية: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى))؛ هذه الآية الشريفة نسفت كل النظريات التي تقول: إن هنالك فرقاً تكوينياً نفسياً شعورياً ولا شعورياً بين المرأة والرجل.. ((إنا خلقناكم من ذكر وأنثى))، ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا))
لم تفرّق الآية القرآنية الكريمة إنما نسفت كل هذه، ولم تقف عند حدود هذا النص إنما قدّمت لنا نماذج من الشخصيات النسوية في طول التاريخ وعرضه تذهب إلى أيوب أو شعيب وبنت شعيب بنت تحاور أباها وهي صغيرة السن قالت: ((قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)) [القصص:26]
يقدّم لنا القرآن الكريم نموذج بنت تتحدّث مع أبيها النبيّ بكلّ ثقة، وبلا تردّد - ليس خلاف الأدب أن تتحدّث بنت مع أبيها بل من الواجب أن تتحدّث عندما تكون البنت مُعطياً، وتملك موفوراً من الاختصاص فطبيعي أن يكون الحديث والعلم ينساب من الموقع الأعلى من المختصّ إلى الموقع الأدنى إلى المتلقّي ليس قراراً أن تكون مُعطياً أو هي تكون مُتلقية هو واقع - يقدّم لنا القرآن الكريم جرأة البنت المؤدّبة المهذّبة وهي تتحدّث مع أبيها المعصوم النبي: ((يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ))
وظلّ التاريخ يدوّر هذه الكلمة، وظلت محنتنا ومأساتنا أننا لا نعمل بما قالته هذه البنت منذ ذلك الوقت، والله لو عملنا:
((يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ))
لانهزمت المحاصصات، وانهزمت الطائفيّات والعصبيّات، وانهزمت كلّ الظواهرالسلبية..
لماذا نقرأ تاريخنا بخجل؟
نحن الآن مع حقوق الإنسان التي تنادي بها الأمم المتحدة، لكنّ الأمم المتحدة متى أقرّتها، ولماذا كلّ شيء في تاريخنا وعندنا عقدة الانسحاق والشعور بالدونية؟
لماذا شعور الانبهار يستبدّ بنا في دول الشرق والغرب؟
ما الذي فعلته دول الغرب بالمرأة؟
متى سمحت لها أن تصوّت؟
التعديل التاسع عشر في أميركا في عام 1919 في زمن نلسن أول مرة يشرّع حق المرأة أن تصوّت، ومارستها في عام 1924، وفي فرنسا، وفي بريطانيا أول مرة في عام 1945، وفي سويسرا بلد الديمقراطية أول مرة عام 1977 مائة سنة.
لم تمض ِعلى المرأة أن تأخذ حقها بالتصويت، لا يمنحونها حق الحياة، وأما في بريطانيا فحدّث ولا حرج ارجعوا إلى قصة الحضارة لـ(ويل ديورانت) انظروا ما الذي يدّخر من قصص يندى لها الجبين خجلاً وحياءً، وكيف كانوا يتعاملون مع المرأة، والآن جاءنا جيل - للأسف الشديد – ينظر إلى كل شيء في فكرنا وتراثنا الزاخر بعُقدة خجل، ويريد أن ينقلنا من ثقافة الفعل السيئ إلى ثقافة رد الفعل الأسوأ.. ينقلنا من المرأة مُصادَرة الكرامة والعز والحياة إلى المرأة التي تـُختزَل بجمال البدن..
قدّم لنا رسول الله (ص) نموذج خديجة سيدة نساء عصرها، كانت تاجرة، ومن الشخصيات البارزة في مكة..
لماذا لا نقرأ تاريخنا؟
سيحمّلكم التاريخ مسؤولية، ولن يرحم أحداً.. أنا أعرف أن هناك موجات جديدة تأتي باسم المرأة للحط من المجتمع، والحط من كرامتها، المرأة تريد حياة مفعمة بالحب، ومزدانة بالفكر، وموشَّحة بالكرامة والمساواة بينها وبين الرجل، ولا تريد أن تُختزَل بساقها وشعرها وجمال عينيها إنما بجمال عقلها وإرادتها وفعلها.. هذه هي المرأة وهذا ما تريده.
الفكر الإسلاميّ دفع بالمرأة إلى مسارح الحياة، وصنع منها أمّاً في البيت، وهل هو شيء سهل أن تكون أمّاً في البيت؟
ما هو البيت؟
إذا كنا قصّرنا في الفكر، وقلـّصنا البيت بقضيّة نختزلها بشكل سيء فهذا تقصيرنا. أليس البيت مصنعاً للرجال والنساء؟
أليس مصنع عباقرة؟
نقطة الصفر التي ينطلق منها الطفل هو البيت، وإلا لماذا قسم منهم ينتهون إلى زنازين السجون؛ لأنهم مجرمون، ويجرّون مجتمعات العالم إلى حروب، والبعض الآخر يتسنـّم مواقع المجد، ويكون رحمة للناس.
ما الفرق.. ما الذي حصل؟
إنه البيت.
سُمّيت الأم أمّاً؛ لأنها أصل.
دعونا نعيد النظر بتعريف البيت: البيت مؤسسة، البيت ليس للعاجزة التي تـُغلـَق بوجهها كل المؤسسات؛ فتعود ربة بيت، كلا.. ربة البيت هي الأصل، لكن ليس هذا البيت الذي يعرفه الناس بأنه أربعة جدران، تُختزَل المرأة فيه بأن تطبخ، وتخدم.. ليس الأمر كذلك المرأة في البيت تصنع كل شيء، تصنع أبناءها وبناتها، وتقدّم ثقافة، وتجسّد الثقافة، وفي الوقت نفسه تخرج من الداخل المنزلي قوية رافعة شعار (التربية) الذي يتقدم على شعار (الاختصاص)؛ لتنداح، وتمتد إلى المؤسسات؛ فتعمّر المؤسسات بقلب وعقل وممارسة حقيقية..
ولقراءة النص الكامل ،أنقر على الرابط التالي :
التعليقات (0)