بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة، وأتمّ السلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وجميع عباد الله الصالحين..
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
قال الله - تبارك وتعالى - في محكم كتابه العزيز:
((أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا))
حين نتحدث مع شريحة نوعية من طالباتنا وطلابنا نتحدث مع النوع المجتمعيّ الذي يتواجد في كل مرفق من مرافق المجتمع من دون استثناء.
بكل تأكيد أن المهندسة والشاعرة والاقتصادي ومختص الكمبيوتر والمحامي والطبيب كلهم كانوا طلبة؛ إذن نحن اليوم على موعد أن نتحدث مع المنبع الذي يتدفق بشكل مستمر، فيتحول إلى روافد حيوية ليعزز كل مؤسسة من مؤسساتنا المجتمعية من دون استثناء.
الطلاب بقدر ما كانوا يرفعون لواء العلم والثقافة والحضارة حين يتزودون من العلوم المختلفة، ويأخذون من منابعها الأصيلة كانوا قد شهروا لواء المواجهة من موقع الوعي في كثير من ثورات العالم وحركات الإصلاح في التاريخ؛ لذا لا تجد حركة إصلاحية في المجتمع التي حمل لواءها أنبياء الله والأئمة من أولياء الله وكل المصلحين إلا وتجد الشباب يمثلون الشريحة الأساسية والرائدة التي تأبى إلا أن تقف في الصف الأول في تلك الحركات، ومنه جاء هذا اليوم (يوم الطالب) الذي اشتهر في مصر عام 1946عندما وقفت في ساحة التحرير جحافل الشهداء يرفضون الانتداب البريطاني في مصر، ويتزعمه، ويحمل لواء الثورة، وقدموا شهداء غير أن هذا التاريخ ربما يكون متأخراً عن يوم الطالب الذي حصل في ألمانيا إبّان المرحلة النازية في زمن هتلر، ويوم الطالب الذي حصل في مناطق أخرى من العالم.
تبقى المناسبات متعددة غير أن الطالب يبقى نجمة ترصّع سماء المواجهة والمعرفة والعلم والاختصاص، وحين نقول (طالب) هذه الكلمة تنطوي على مفهوم أنه (الشاب)، ومفهوم ثان ٍأنه (طالب علم)، لا طالب جاه، ولا طالب مال، ولا طالب مكسب ماديّ ما.
كلمة الطالب عادة ما تـُقرَأ، وتقدح في ذهن المتلقي بأنك أمام طالب علم، وأمم العالم إنما بُنيَت من خلال أهل العلم، المجتمعات المتحضرة بُنيَت على قاعدة العلم..
الله - تبارك وتعالى - ميّز بين الناس على أساس العلم:
((قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون))
((يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات))
((إنما يخشى الله من عباده العلماء))
إذن عندما نتحدث عن الطالب إنما نتحدث عن النوع المتميز، الجيل الصاعد.. إن الإرادة القوية اليافعة التي تحمل لنا وعوداً مستقبلية, وآمالاً مُشرقة نستطيع من خلالها أن نبني واقعنا، ونرسم معالم مجتمعنا الجديد، ونقضي على الآفات الكثيرة التي تفشّت في مختلف أوساط المجتمع ومؤسسات الدولة.. هذا هو فهمنا للطالب.
اليوم عقد تيار الإصلاح الوطني العزم على أن يتحدث عن حقوق أبناء مجتمعنا في مختلف التواريخ والمناسبات، وكان الطالب أمام عينه يقع في الخط الأول من الاهتمامات؛ لأنه الشريحة الأوسع مجتمعياً، ولأنه يمثل الزمن والمقطع الزمنيّ الذي يقع في ربيع العمر حيث الإرادة القوية، والعقل المتنوّر، والصفاء النفسي، والتحرّر من الكثير من العُقـَد الماضوية.
إننا ننظر إلى المستقبل بعين متفائلة، وإرادة قوية من هنا أطلق الإصلاح صرخته في عام 2010 بأنه لابد من توفير كل مستلزمات النجاح، ورفع كاهل الضغط عن أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات، فلا ينبغي أن يدرسوا بعقل مضغوط ونفس محاصَرة يضغطها العيش ومختلف أنواع الحاجات التي تؤثر بشكل شعوري ولاشعوري في عطاءاتهم؛ لذا أطلقت عام 2010، ثم تعالت صرخات وطنية مخلصة من هذه الجهة وتلك، وكلها تنتظم حول ناظم واحد، وهو حقوق الطالب ومراعاة المنحة للطالب بالشكل الذي يكون فيه متحرّراً من كل قيد من القيود الاجتماعية.
حين نتحدث مع شريحة طلابية بهذه السعة، وبهذا التنوّع نستحضر أننا نلتقي المحطة، أو من المحطات الأولى في بناء الشخصية.. نحن لا ننظر إلى الطالب على أنه رقم يتراكم كمياً في الجامعة، فتقول الجامعة: إن لديها 5 أو 6 أو 7 أو 8 أو 10 آلاف طالب وطالبة إنما نتعامل مع الحالة النوعية، وربما تكون الأعداد القليلة من حيث الكم، لكنها كبيرة من حيث الحجم والتأثير؛ لذلك نحن أمام الطالب مرة من الناحية الكمية وأخرى من الناحية النوعية هذا الطالب الذي يدخل في الجامعة، ويأبى إلا أن يكون رقماً مفاعلاً ومتثاقفاً مع الآخرين لا يمرّ مروراً غافلاً؛ لذا استهللت الآية القرآنية الكريمة:
((أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم))
الرقيم في بعض الروايات يشير إلى الرقم وحدة بناء الرياضيات، ووحدة بناء الثقافة، والفكر ميّزهم بأنهم شباب:
((نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى))
أنت أمام فتى صغير بالعمر لكنه كبير بالعقل، وكبير بالمعرفة.. عندما يدوّر الشاب فكره من عالم الذهن إلى عالم التطبيق والسلوك تجد نفسك أمام شخصية كبيرة بفعلها وسلوكها وبصناعة موقفها، ولا يقف موقف اللامبالاة في الأزمات.
يأبى الشباب إلا أن يكونوا في الصف الأول: دونكم ما أفرزه مشهد عام 2010، وعام 2011 ما يسمى بـ(فصل الربيع العربي) حيث انطلقت شرارته الأولى من تونس، ثم عبرت إلى مصر، فمرّت بليبيا، فاليمن، فالبحرين، وهكذا تستعر نيران هذه الثورات التي انطلقت من صدور الشباب، وهتفت بها حناجرالشباب حتى بحّت في كل الميادين تطالب ليس فقط بحقوقهم كشباب إنما اتسعوا لحجم بلدانهم، بل لحجم البشرية كلها، ولا ننسى أن الشباب الذي سبقكم في أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات في العراق حين خطوا بدمائهم الزاكية أروع أساطير وملاحم البطولة حين تم إعدام واستشهاد أعداد غفيرة جداً بالآلاف بل عشرات الآلاف، وكانوا من الجامعات وأصحاب التخصّصات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه؛ لأنهم أخذوا من الجامعة مكان انطلاق، وأبوا إلا أن يحملوا الهمّ العراقيّ، ويتثاقفوا مع الآخرين، ويتبادلوا الثقافة.
الجامعة توفر لكم فرصة اللقاء بأبناء الجنوب والوسط والشمال، ويلتقي أبناء الإسلام بل أبناء المذاهب المختلفة، ويلتقي أبناء العراق من أبناء القوميات المختلفة..
حرم الجامعة يتسع، فتجد نفسك وأنت في الجامعة أمام الآخر من دون تجشّم عناء السفر إلى مدينته، وهو حاضر بين يديك ينتظر منك مبادرة حتى تعطي، وينتظر منك أذناً واعية حتى تأخذ.
هناك مُعطٍ فكري من الجامعة، وهناك متلق ٍبالجامعة وهو الطلاب والطالبات؛ فمن يراقب مسيرته الواعية منذ بدأ في بيته طفلاً، فصبياً، فشاب، ثم تقدّم في مراحل الشباب المختلفة، فانتهى إلى ما انتهى إليه، وسيجد الانعطافات كثيرة.
الجامعة، وما بعدها تشكّل علامة فارقة وعلامة حادة في مسار شخصيته بأنه يتمتع بالنضج الفكري والإرادة القوية والثقافة المجتمعية تقترن هذه التحوّلات بشكل واضح وصريح نحو التكامل، وننظر إلى قادة العالم لا أقصد الرؤساء إنما القادة الذين وقفوا على قاعدة عريضة مجتمعية أحبّوا مجتمعهم، وأحبّهم مجتمعهم.
الذين تزوّدوا بالفكر، وما امتدت أيديهم إلى حرام أبوا إلا أن يطرّزوا مسيرتهم بالتضحية، ولاحقتهم السلطات في كل العالم من دون استثناء، وتجد أن علامات القوة وسمات التضحية اقترنت بحياتهم منذ كانوا طلاباً في الجامعة، يشهد لهم من كان معهم سواء كان في دول أوروبا أو جنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط في كل منطقة من مناطق العالم أو أفريقيا ربما تفاعلت هذه العوامل سوية في شخصياتهم، اختمرت في داخلهم، فتمخّضت عن نتاج نوعي.
النتاج النوعيّ لا يأتي بين عشية وضحاها، إنما عملية تراكم عبر الزمن، وتطفو على السطح كلما مضى الزمن، فينبغي علينا تجاهكم ونح في مرحلة التصدّي السياسي أن نرفع عن طريقكم كل الصعوبات والمشاكل التي من شأنها أن تعرقل مسيرتكم التكاملية، وتجعلكم تعيشون تحت ضغط الحاجة المال، وما شاكل ذلك فتؤثر فيكم وفي عوائلكم في بلد ثريّ، بل متعدد الثروات.
ليس النفط كل ما يملك العراق النفط والزراعة والسياحة والمعادن والصناعة والموقع الاستراتيجي والموغل بالقدم والقمة الحضارية التي تربّع فيها العراق على قمم العالم كله وفوق كل حضارات العالم منذ مطلع الألف الرابع الميلادي حيث حضارة العمارة والناصرية والبصرة.
نحن الذين ننحدر من مثل هذا التاريخ، وتتوافر لدينا مثل هذه الثروات، وقد بلغت موازنة العراق في هذا العام 130 ترليون دينار يعني حوالى 100 مليار دولار لهذا العام 2012 إذن لسنا في أزمة مال، ولسنا في أزمة ثروات هذا معناه أن الاقتصاد العراقي لايزال يمشي على ساق واحدة، لايزال أعرج، حيث يستثمر النفط فقط دون أن يستثمر بقية المجالات الأخرى كالزراعة والصناعة والتجارة والموقع الاستراتيجي والثروة التراثية العريقة. يبقى عليكم مسؤولية كبيرة، ونتطلع لتخفيف المشاكل، ورفع عوامل الضغط المالي الذي يقع على كاهلكم؛ حتى تنفتحوا على العلوم بعقل مفتوح غير مضغوط بالحاجات الضرورية، وتنفتحوا في الجامعة، وما بعد الجامعة؛ حتى تغمروا المؤسسات، وتحملوا لواء البناء في مجتمع تتهدده عوامل الهدم، وتحملوا قبسات وأنوار الثقافة في مجتمع يكاد يُطبق عليه الجهل، وتحملوا رسالة الإصلاح لكل فاسد في مجتمع تعضه أنياب الفساد، ويتحول فيه الفساد إلى ثقافة تجر إلى التمييز بين المواطنين، وابتزازهم من قبل موظفين لا يستحون من أنفسهم فهم إضافة إلى الرواتب التي يتمتعون بها يحاولون أن يبتزّوا المواطن.
من لهذه الشريحة؟
أنتم.. من سيحمل لواء الإصلاح في كل مكان، في بيوتكم حيث تنطلقون، لا يفكر أحد منكم أن بمسألة تراتبيته الزمنية في البيت إنما المسألة مسألة تراتبية فكرية وثقافية، فرُبَّ صغير في العمر يكون كبيراً في العقل والإرادة.
صحيح أن الأب معطٍ تربوي، وعندما يمتلك العلم فهو معطٍ علمي، ومعطٍ عاطفي يغمر أبناءه وبناته بالحب والشفقة والرحمة غير أنك لم ولن تعارض على الإطلاق عندما تكون البنت معطياً ثقافياً، وعندما يكون الابن معطياً ثقافياً؛ لذا لا نريد من أبنائنا وبناتنا أن يكونوا في البيت أرقاماً جامدة إنما نريدهم أرقاماً متحركة، أرقاماً تتفاعل مع البيت، أرقاماً يعتز، بل يتشرف والداها لأنهم يجدون ابنتهم ليست كبقية البنات مستغرقة في الشؤون الشخصية، وتحمل همّاً وطنياً وهمّا ثقافياً، وتحمل همّاً اجتماعياً، وتحمّل همّاً إصلاحياً، لا تجامل، ولا تهادن حين تنطلق مفردة الفساد في البيت.
لا أحد منا يزعم أن بيته معصوم، وأن الفساد لم يتخلله، فحتى اليوم كثير من ظواهر الفساد تفشت في بيوتنا، ففي بعض البيوت يُصرِّح باسم الولد، ولا يصرح باسم البنت.
أليس هذا نوعاً من الفساد؟
كيف نعالج هذه الظاهرة؟
هذه الظاهرة لا تـُعالـَج بالشعارات إنما يجب أن نسلط عليها معامل ثقافية تنبّه الأب الغافل والأم الغافلة على أن هذا شيء لم تنصّ عليه رسالات السماء، فالقرآن الكريم يصدح بأسماء النساء:
((ومريم ابنة عمران إذ أحصنت فرجها))
لماذا تغيب أسماء النساء في مجتمعاتنا؟
سبب الغياب هو العرف السيء.. لا نريد أن نغلـّب عناصر الأنوثة على عناصر الذكورة، وفي الوقت نفسه لا نقبل أن تتقدم، وتغلب عناصر الذكورية على الأنوثية، إنما نريد مجتمعاً متكافئاً يُحترَم فيه الرجل مثلما تـُحترَم فيه المرأة.
لا ينبغي أن ننظر متى نتخرج؛ حتى نحصل على مورد مالي فقط، ولا ينبغي أن نختزل رسالة الطالب ورسالة المتطلع إلى المستقبل نحو مستقبل واعد بأنه متى يقبل حفنة من المال، نعم.. حفنة المال حق طبيعي ليست حراماً، فما قام الإسلام إلا على أخلاق محمد (ص) وسيف علي (ع) وأموال خديجة (ع) غير أننا لا نريد أن نختزل رسالة الطالب موظف المستقبل ورسالة الموظف العامل المعاصر الحالم بأنه يخطط إلى ما يأخذ من الرواتب، وكيف ينفق هذا الراتب، إن المال مطلوب لكن ليس لذاته، هو مطلوب لبناء العراق، ومكافحة ظواهر الفساد، وإشاعة الثقافة في الفن والرياضة والفكر وكل مجال من المجالات.
الأمم الحيّة حيّة بثقافتها، وإذا تجمّدت انتشرت الخرافات والتمييز والعنصرية والذكورية والفحولية وما شاكل ذلك.
كيف نقضي على هذه الحالة؟
ليس دائماً بالحروب والتصدّيات التي يقف فيها الشاب؛ حتى يدافع، ويشمّر عن ساعد الجد، ويدافع عن بلده، ويقدم نفسه ضحية؛ فقد نحتاج أقل من هذا.. ليس بالضرورة أن يكون الواحد مثل (محمد البوعزيزي) في تونس أو أي شاب من الشباب الذين كانوا في العراق (سيد حسين، وسيد نوري) وكثير من الشباب الذين قدّموا رؤوسهم من أجل إسقاط الدكتاتورية..
الحرب قد تكون ذات طابع ثقافي، بل إن أكثر الحروب ذات طابع ثقافي، وكل شيء من حولكم تعبير عن ثقافة، ما من ظاهرة اجتماعية طفحت على السطح إلا ونجد خلفها مفهوماً.
كيف نواجه مفاهيم الخطأ بمفاهيم الصواب، وكيف نغيّر ممارسات الخطأ والخطيئة بممارسات الصواب والاستقامة؟
ينبغي أن تمروا من خلال بيوتكم ومدارسكم ومختلف مجالات اختصاصاتكم مرور المتمعن المصلح لا مرور الغافل الذي لا يتنبّه.. المجتمع من حولنا مدرسة، وكل شيء فيه مادة للدرس فلندرسه جيداً وليكن الجد رائدنا في كل شيء، لا نريد أن نتحول إلى مجموعة من التجريديين - نعوذ بالله - بل أن نبتسم حيثما اقتضى الوضع أن نبتسم، ونضحك حيثما يقتضي الوضع أن نضحك، ونسعد، وندخل السرور في قلوب الآخرين.
لا يوجد في الإسلام، ولا في قيمنا ومفاهيمنا ما يمنع، ثم ما الذي يمنع أن ننشر لواء السعادة في كل مكان، لكن يجب أن يكون ذلك تعبيراً عن وعي يستلزم أن نساهم في بناء مجتمعنا.. المؤسسات تنتظركم، وقد تفشّت فيها مختلف أنواع الأمراض (المحاباة، والتمييز، والتعيين بالواسطة، وتزوير الشهادات، وأخذ رواتب فاحشة، وابتزاز المواطن بالرشوة).. كل ذلك تراكم من الحقبة الصدامية، ولا نعفي البعدية الصدامية حتى بعد صدام نشأت أمراض جديدة في هذه السنوات، كذلك أصبح السارق والمرتشي لا يستحي من أن يأخذ الرشوة، بل وصلت الصلافة ببعض الموظفين أن يتحدث بصراحة، ويأخذ مباشرة من المواطن.
من لهؤلاء سواكم؟
نتمنى أن تتقدّم هموم الوطن على الهموم الشخصية.. من حق أيّ واحد منكم أن يفكر بحاضره ومستقبله وشؤونه الشخصية والعائلية، لكن أن نختزل كل همومنا بالهموم الشخصية فهذا سيجعل الشاب رقماً رياضياً.
انظروا جيداً إلى ثورات العراق التي حصلت منذ عام 1920، وانتفاضة رجب، وثورة شعبان شباب وشابات ملأوا الدنيا صراخاً، ونزلوا إلى الشوارع، ودُفِن 350 ألف شخص أحياءً.
الآن بدلاً من أن نحفر الأرض، وننقـّب عن النفط نستخرج جثثاً كثيرة من الشهداء، قد دُفِنوا وهم أحياء بطريقة يندى لها الجبين حياءً.. لا ينبغي أن ننسى أن أولئك القلة من الشباب، بل الكثرة من الشباب والشباب النوعي قد أودعوكم أمانة، ونحن عندما نخاطب الشباب ليس حلقة مفقودة العلاقة بسلسلة الحلقات التي سبقتها، والتي تأتي بعدها الحلقات التي سبقتكم.
خذوا من ثقافتهم، ومن تضحياتهم، ومن بطولاتهم، ومن الأمانة التي جعلوها في أعناقكم، ويجب أن نستثمر الوقت، ونخطط لاستغلاله، لا تفكيك بين حركتكم في البيت وفي المجتمع وفي المؤسسة وفي السياسة وفي الجامعة كلها حركات متوافقة ومتكاملة لا تناقض بين أن تخطط لمستقبلك في مشروع زواج، لكن ينبغي أن يكون الزواج زواجاً نوعياً متكاملاً زواجاً يلبّي الحاجة العاطفية والحاجة الإنسانية والحاجة المجتمعية، ويحوّل البيت إلى معمل لإنتاج الأبطال المثقفين المختصين.
كل بطل اليوم يتحرك رجلاً أم امرأة خلفه قاعدة عريضة، وعليكم أن لا تنسوا أن رسالة الطالب هي أوسع كل الرسالات التي حملها المختصون.
أما أنتم المنبع الذي يرفد كل الاختصاصات من دون استثناء، والعمل السياسي في الوقت الذي نحترم كل الانتماءات، ونحترم كل التنظيمات، ونحترم كل التوجّهات، لكننا نريد أن تتقدم الوطنية العراقية، والهمّ العراقيّ على كل الاهتمامات الجانبية.
أن يكون الإنسان ابن هذا المذهب أو ذاك المذهب، أو من هذه القومية أو تلك فهذا شأنه أما العراق فينتظر أبناءه، وينتظر بناته أن يشمّروا عن ساعد الجد، ويبنوا العراق الجديد.
إننا نعيش وإياكم في رحاب هذا الشهر المبارك (شهر رمضان)، شهر العطاء، وشهر الزمن النوعيّ، كل زمن هو زمن غير أن زمناً يختلف عن زمن آخر، وكل مكان هو مكان إنما بعض الأحيان مكان يختلف عن مكان آخر، وكل إنسان هو إنسان غير أنه بعض الأحيان هو إنسان يختلف عن إنسان هذه مفاهيم قرآنية:
((سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى الأقصى الذي باركنا حوله))
((إنا أنزلناه في ليلة مباركة))
النبي عيسى (ع) يصف نفسه:
((وجعلني مباركاً أينما كنت))
ماذا تعني البَرَكة؟
البركة تعني مضاعفة الإنتاج، والإنتاج النوعي.
لا ينبغي أن يفوتكم هذا الشهر إلا أن تتزوّدوا منه إيماناً وصبراً وعودة إلى الذات ومحاسبة النفس والانطلاق في آفاق المجتمع المختلفة.
هذا الشهر المبارك يزوّدكم بالكثير من المضامين التي إن أحسنا أخذها، فستتحوّل الحياة من حولنا إلى حياة تنبض بالمحبة بدلاً من الكراهية والحقد، وبالبناء بدلاً من الهدم، والإصلاح بدلاً الفساد..
نسأل الله أن يجعل هذا الشهر المبارك مدعاة لكثير من العطاء لنا جميعاً، وأن يوفقكم في مضامير التصدّي في كل اختصاصاتكم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)