بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
قال الله -تبارك وتعالى- في مُحكـَم كتابه العزيز: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ( [آل عمران : 110]
اقتران المُؤتمَر الموسوم (الأزمات الراهنة في العالم الإسلاميّ) بولادة الرسول الأكرم حامل لواء السلم، والمَحبّة، والطمأنينة، والأمان.. هذا الرسول العظيم الذي أقام دولة العدل، والحُرّيّة، والمُساوَاة التي اتسعت لكلِّ العالم، وامتدَّت إلى أعمق الزمان؛ وبهذه المُناسَبة التي اقترنت بميلاد حفيده الإمام جعفر بن مُحمَّد الصادق -صلوات الله وسلامه عليه- الإمام الذي أرسى قواعد المدرسة الفقهيّة الإسلاميّة المُتسِعة لكلِّ مجالات الحياة أقامها على أسس النصِّ القرآنيِّ المُحكـَم، والنصِّ الحديثيِّ المُعتبَر، وعلى العقل، والإجماع.
أسبوع الوحدة الإسلاميّة كان له أن يُعبِّر عن الوحدة بكلِّ معانيها، والحديث عن الأمّة الإسلاميّة حديث عن أمّة كرَّمها الله -تبارك وتعالى- بالوسطيّة:
)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( [البقرة : 143]
وسطيّة تـُوازِن بين العقل والعاطفة، ووسطيّة تـُنمِّي قدرات الفرد، وتحفظ حقَّ المجموع، ووسطيّة لا تقف حائرة بين الغيب والشهادة، ووسطيّة تـُوفـِّق بين الدنيا والآخرة. لا يعني أن تعمل لآخرتك أن تهجر دنياك، ولا يعني أن تعمل لدنياك أن تـُفارق، وتـُخاصِم آخرتك، وكرَّمها الله -تبارك وتعالى- بعد الوسطيّة بالشهادة:
رَبَط بين دورها بالشهادة على بقـيّة الأمم من خلال شهادة رسول الله على هذه الأمّة ليهبها هذان الركنان الاثنان العظيمان كمالاً في الرسالة، وكمالاً في الرسول: )مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( [الحشر : 7]
وهكذا تنطلق الأمّة من موقع دورها في الشهادة، ومن موقع وسطيَّـتها؛ لتكون رقيبة على الأمم.. الأزمات التي تتمظهر بشكلها الخارجيِّ تتمظهر بخمس أزمات: سياسيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة، وأمنيّة، وتنظيريّة، وهي تـُعبِّر بالعمق عن أزمتين، وإن تمظهرت بخمس أزمات لكنها تنطوي في العمق على أزمتين أساسيَّـتين: (أزمة الإرادة، وأزمة النظريّة).
أزمة الإرادة: إنَّ الأمّة عندما تموت إرادتها يموت كلُّ شيء فيها. الإرادة التي وهبها الله -تبارك وتعالى- للأمّة، وطلب من الإنسان الفرد، ومن الإنسان المُجتمَع أن ينطلق منها لعمارة الأرض:
)إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم( [الرعد : 11]
الأمّة التي تنطلق من عمق إرادتها تبثُّ الحياة في أوساطها، وتنتقل إلى بقـيّة الأمم. ما من شيء يقف أمام الإرادة. وصدق رسول الله عندما قال: ((لو تعلـَّقت هِمّة أحدكم بالثريا لنالها))..
هذه الإرادة التي جعلت من أمّة الإسلام وهي في أشواطها الأولى تعبُرُ إلى الأمم الأخرى، وتستقطب خِيَرة رجالها؛ ليقفوا في الصُفـُوف المُتقدِّمة إلى جنب رسول الله.. من الحبشة بلال، ومن الروم صُهَيْب، ومن بلاد فارس سلمان، وهكذا بدأ ركب الأمّة يمتدُّ، ويتغلغل في قلوب أبناء الإنسانيّة.. في قلوب خِيَرة أبنائها.
لم يعُد العرب الذين انطلق الإسلام من رُبُوع بلدانهم اليوم إلا أقلـيّة في العالم الإسلاميِّ.. العرب اليوم أقلـيّة بالنسبة إلى مُجتمَعات العالم الإسلاميِّ، وقد لا يعدلون إلا 20% 350 مليون عربيّ مُسلِم، فيما يكون المجموع الكليُّ للمُسلِمين ملياراً ونصف المليار من المُسلِمين.
هذه الأمّة المُبارَكة التي اتسعت، وامتدَّت ليس فقط فيها البركة من حيث الكمّ السكانيُّ الديمغرافيُّ، بل بركة بثرواتها المُتعدِّدة.. ثرواتها المائيّة.. ثرواتها النفطيّة.. موقعها الاستراتيجيِّ.. بكلِّ شيء حباها الله -تبارك وتعالى- على بقيّة الأمم، وقبل هذا وذاك في طاقتها المعنويّة الهائلة. صدق (غوستاف لوبون) في موسوعته الحضاريّة المعروفة عندما قال: (لقد حسم المُسلِمون أمرهم عندما فسَّروا الحياة بعد الموت)، وهبهم هذا التفسير طاقة هائلة في الذود عن حياض الجانب المعنويِّ لكلِّ القِيَم).
إخواني الأعزاء.. إخوانكم في العراق يتصدَّون اليوم على أكثر من جبهة: جبهة الإرهاب حيث يأتي الإرهابيّون من دول شتى. العام الماضي في مثل هذا الشهر كانت الدول التي ينتسب إليها هؤلاء رُبَّما لم يزِد عن 82 دولة، واليوم تجاوز العدد 100 دولة؛ وعلى الرغم من زيادة الدول التي ينتمي هؤلاء الأشرار إلا أنَّ السياق الميدانيَّ على الأرض الذي يُديره العراقـيُّون الأشراف، والمُواطِنون الأبرار الذين باعوا دنياهم بدينهم يتراجع هؤلاء الإرهابيُّون أمام ضرباتهم المُوجـِعة بعد أن كانوا يُسيطرون على قرابة 40% من الأرض العراقـيّة اليوم يتقهقرون إلى الخلف، ولم يبقَ أمامهم إلا 19% والأمل بالله -تبارك وتعالى- كبير، ومُطلق في أن يهزموا هؤلاء شرَّ هزيمة.. يُسجِّل أبناؤنا الأبطال من أبناء القوات المُسلـَّحة العراقـيّة، والحشد الشعبيّ، والبيشمركة، وأبناء العشائر أروع آيات البطولة، والاستبسال، والتضحية، ويخطون تاريخاً جديداً ليس للعراق وحسب؛ لأننا لا نـُقاتِل دفاعاً عن أرضنا، وسيادتنا، وشعبنا فقط، بل نـُقاتِل نيابة عن كلِّ بلدانكم، وكلِّ ثرواتكم، ونـُقاتِل عن كرامتكم.. المعركة واحدة وإن تعدَّدت ميادينها.
العراقيون يبذلون أغلى عنصر في المُواجَهة، وهو الدم.. الإدارة الحقيقـيّة في المعركة البرّية يقوم بها العراقيون وحدهم فقط، أمّا المُساعَدات التي تأتي من هنا وهناك فلا تأتي في المُعادَلة البرّيّة في المُواجَهة.. أخذ العراقيون على عاتقهم أن يُديروا دفـَّة المعركة.
أبناء الحشد الشعبيِّ يُسطـِّرون بطولات رائعة في المُواجَهة يتوقون للاستشهاد، ويُلحِقون الهزائم تلو الهزائم بالدواعش الأشرار الذين لم يتركوا طريقاً شرِّيراً إلا سلكوه، واستعانوا بكلِّ السُبُل الوحشيّة من أجل أن يبقوا على أرض العراق، ويُدنـِّسوا أرضه.
معركة الإرهاب واحدة لا تتجزَّأ.. الإرهاب العالميّ المُعاصِر بدأ منذ 2001 في نيويورك وواشنطن أهدافه قتل الإنسانـيّة. إذا كانت الحرب العالميّة الأولى قد اقتصرت بغالبيتها على أهداف عسكرية، وإذا كانت الحرب العالميّة الثانية قد اقتسمتها أهداف عسكريّة ومَدَنيّة، فالحرب العالميّة الثالثة التي نعيشها اليوم حرب الإرهاب اقتصرت على الأهداف المَدَنيّة. كلُّ أهدافها مَدَنيّة، يستهدفون الأسواق، والمحلات العامّة، والحدائق، ورياض الأطفال، والمدارس، ويستخدمون الطائرات بالنقل يقضُّون مضجع الآمنين، ويتفننون في إنزال العذابات، والمَواجـِع على المُواطِنين.
منذ أن ارتحلوا من الشام بعد أن ألحقوا بها الأضرار انتقلوا إلى العراق، وقد قلنا أكثر من مرّة: لا معنى لفتح سجالات مع الأنظمة والحكومات، بل لابُدَّ من التركيز على مُواجَهة الخطر المُشترَك وهو الإرهاب المُتجسِّد بداعش؛ عندما تـُفتـَح المعارك مع النظام السوريِّ، والأنظمة الأخرى يكون المُستفيد الأوَّل والأخير هو الإرهاب، وها هو نشأ، وترعرع، وفرَّخ، وانتقل من جيل القاعدة إلى أن وصل إلى جيل داعش.
الشُعُوب هي التي تحسم أمر الحكومات. الذي حَسَمَ أمر النظام التونسيّ، والمصريّ، والليبيّ، واليمنيّ هو الشُعُوب. عندما ترضى الشُعُوب تبقى تلك الأنظمة، وعندما ترفض الشُعُوب سترحل تلك الأنظمة. مضت قرابة الخمس سنوات على المعركة في الشام، وبعض الدول تتمسَّك بضرورة تغيير النظام. ماذا كانت النتيجة؟ أن يعيش الشعب السوريّ بين مطرقة القوات المُسلـَّحة التي تـُدافِع عن سورية وسندان القوة الإرهابيّة الشرسة التي تـُلحِق به أشدَّ الأضرار.
حان الوقت لأن يقف العالم اليوم وقفة واحدة في مُقابل داعش.. أينما حلَّ الإرهاب، وإلى أيِّ مكان ارتحل لا خيار في المُواجَهة ضدَّ الإرهاب إلا هذا الخيار.. نعيش في العراق مُواجَهة على أكثر من تحدٍّ، وأكثر من أزمة: نعيش مُواجَهة أزمة غير ملحوظة. لديكم الأزمة المالـيّة لأسباب ليست عراقـيّة لأسباب لديها علاقة بأسعار النفط عالميّاً، ونشرت هذه الأزمة ظلها على مرافق الدولة. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنَّ العراق استثنى القوات المُسلـَّحة العراقـيّة من الترشيق، ومن تخفيف الجانب الماليِّ عليهم لأنـَّهم يحملون أرواحهم على راحة كفهم؛ عندئذٍ تـُدركون ما يعني ذلك، وما يُكلـِّف العراق.
من غير المروءة أن يذهب المُقاتِل العراقيُّ الذي ينطلق إلى الجبهة المُواجَهة، ولا يُؤمَّن له شيء، وعندما يتوسَّم، ويتقلد شرف الشهادة لا يُعطى أهله، وزوجته، وأيتامه، وثكالاه من الآباه والأمهات حقهم المشروع، فتتفاقم الأزمة.
يُواجه العراق كذلك أزمة إعلاميّة.. الإعلام الذي باع ضميره من أجل إرادات دولـيّة مشبوهة.. الإعلام الذي أصفه بأنه أقرب إلى مَهمّة الأنبياء والرُسُل:
)إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيْرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيْرًا( [الأحزاب : 45-46]
الإعلام -للأسف الشديد- يقلب الحقائق اليوم. ما التقيتُ قاصداً العراق إلا وقال لي: ما رأيتـُه على الأرض غير ما سمعته من الإعلام؛ لذا أدعوهم دائماً أن يقدِموا إلى العراق ليروا بأمِّ أعينهم حقيقة ما يجري على الأرض العراقـيّة.
هناك أزمة ليست مرئـيّة إلا لدى العراقـيِّين، وهي: أزمة المياه، حرب المياه، نقصان المياه؛ ممّا دفعنا لأن نـُكاشِف، ونـُفاتِح السادة المسؤولين في تركيا، وكانوا يعزون هذا السبب إلى تقصير الشركات التي تـُنظـِّم توزيع المياه من تركيا بلد المنبع إلى العراق بلد الاجتياز، ووعدوا، وأوفوا -ولو عانينا كذلك- إذ لم يكن المنسوب بالشكل المطلوب، كما لم تكن أرض الشام خالية من اختطاف المياه في سدّ طبقة من قبل داعش.
العراق اليوم يُواجه أزمات مُتعدِّدة، وعلى الرغم من كل تلك الأزمات توافر على مجموعة من العناصر تصلح أن تكون بواكير حضارة يُمكِن أن تختمر مع بعضها لتتمخـّض عن ولادة عالميّة جديدة.
التنوُّعات تتحرَّك على الأرض العراقـيّة، وتتنفـَّس برئة مفتوحة. التنوُّعات في كلِّ محافظة، وفي كلِّ مدينة، وفي كلِّ قرية التقت لتقف مُتحدِّية كلَّ من يحاول أن يُسقِطها في وهدة الاحتراب، راهنوا على اللعب بين السُنـَّة والشيعة، فرأوا أنَّ المُدُنَ العراقية والقبائل العراقـيّة، بل العوائل العراقـيّة تمتزج مع بعضها سُنـّة ًوشيعة ً، وراهنوا على الخلافات الدينيّة، فوجدوا العراقـيِّين بمُختلِف خلفـيّاتهم الدينيّة يقفون مع العراق، وراهنوا على الخلافات القوميّة، ووجدوا العراقـيِّين عرباً، وأكراداً، وتركماناً، وآشوريِّين يقفون موقفاً واحداً.
شاء الله -تبارك وتعالى- لهذا البلد بلد الأئمة الأطهار، وبلد المذاهب، وبلد الأنبياء أنـَّه مثلما تربَّع على عرش التاريخ سيتواصل بالحاضر، وإن شاء الله يستمرُّ إلى المُستقـبَل. قوة العراق هي قوة لكم جميعاً.. العراق استقطب البعيدين من مُختلِف مناطق العالم؛ لذا ما اعتاد العراقـيُّون أن يتركوا عراقهم إلى الخارج.. العراقـيُّون لا يُجيدون فنَّ الهجرة، بل يُجيدون فنَّ استقطاب المُهاجـِرين.. الكثير ممَّن جاؤوا إلى العراق في سفر تحوَّل سفرهم إلى إقامة بلا رجعة. قطنوا العراق، وسكنوا فيه. ولعلَّ بعض عوائلهم تحمل ألقاب أصولهم، وانحداراتهم.
العراق اليوم يُعاني أشدَّ المُعاناة من بعض التحدِّيات لم نكن نطلب من أيِّ بلد من البلدان أن يُرسِل أبناءه إلى العراق ليُقاتِلوا بدلاً عن أبنائنا، ولم نطلب في الأجواء الاعتياديّة أن يُقدِّموا مُساعَدات للعراق.. العراق بلد غنيّ، ومُتعدِّد الثروات، لكنـَّه اليوم يمرُّ بظروف استثنائيّة؛ لذا أطلق من خلال منبركم هذا لكلِّ دول العالم أن تكون عند مُستوى مسؤولـيّاتها، وأن تقف إلى جانب العراق، ويجب أن تمدَّ أكفُّ المُساعَدة لتدعم العراق البلد الغنيَّ الذي يمرُّ بظروف استثنائيّة، فيُفقـَر وهو ليس فقيراً، وإن شاء الله يسترجع كلَّ موارده، وطاقاته حتى يحتلَّ موقعه المعروف.
الحشد الشعبيُّ اليوم يُؤدِّي دوراً مُهمّاً في إدارة مُعادَلة الصراع ضدَّ الدواعش الأشرار، لقد لبَّى نداء المرجعيّة، واستجاب لها، والتحمت كلُّ الإرادات في المُواجَهة: المرجعيّة الدينيّة، والقوى السياسيّة، والحكومة بكلِّ سلطاتها، والشعب، والمرأة في البيت التي تـُعِدُّ ابنها للمُشارَكة في الدفاع عن العراق.
القاعدة التي ينطلق فيها الرجل هي قاعدة البيت. ولو لم يكن قد انطلق من قاعدة رصينة متينة من البيت ما تأتـَّى له أن يترك البيت لمُدَّة طويلة وهو يُقاتِل.
كنا ومانزال نتطلـَّع لمُؤسَّساتنا الدينيّة أن تحذو حذو النجف الأشرف. كنا نتطلع للأزهر الشريف أن يُسمِعنا صوت مُحمَّد شلتوت، ويُسمِعنا صوت الأبرار الذين تصدَّوا لإدارة هذه المُؤسَّسة المُبارَكة، وأن يصبُّوا جُهُودهم، وكلَّ إمكاناتهم من أجل البحث عن المُشترَك؛ القرآن الكريم يطلب منا أن نبحث عن المُشترَك مع أهل الكتاب:
)قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ( [آل عمران : 64]
فكيف ونحن نسمع من يُعِدُّ العُدَّة للبحث عن نقاط الاختلاف بين أبناء القرآن ليس فقط أبناء الكتاب الواحد أبناء القرآن الواحد الذي يجمع المُسلِمين في وجهتهم في الصلاة نحو الكعبة، وحول رَسُولِهم الشريف كنبيٍّ مُرسَل أعظم الرُسُل، ويجمعهم في الفرائض، ويجمعهم في كلِّ شيء.
نحن في أمسِّ الحاجة لأن نسمع صوت الأزهر الشريف الجامع لكلِّ أبناء الأمّة الإسلامية. فليمدّوا يدهم ليجدوا يداً تـُصافِح يدهم، بل نمدُّ قلوبنا لتـُصافِح قلوبهم. نتطلع في هذا الوقت للعالم الربانيِّ: (إذا انتشرت البـِدَع في أمّتي فعلى العالم أن يُظهـِر علمه؛ وإلا فعليه لعنة الله، وملائكته).
الأزهر عليه اليوم أن يُسمِعنا صوت الوحدة الحقيقـيّة التي تنبعث من القلب. الوحدة التي لا تساوم، ولا تخضع لحاكم، ولا تفزع من تهديدات الدول الكبرى.
نتطلع لهذا الحَرَم الشريف الذي عوَّدنا على أن يقف كطود شامخ إلى جانب كلِّ المرجعيّات في العالم الإسلامي..
وقف المراجع في الظروف الصعبة للدفاع عن حياض الإسلام، ومثلما أوجِّه ندائي إلى الأزهر الشريف أوجِّه إلى كلِّ المراجع، وعلماء المُسلِمين في رُبُوع العالم: هذا وقتهم اليوم العالم الإسلاميِّ بحاجة إلى كلمة تجمع:
)أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ( [إبراهيم : 24]
العالم الذي عندما يشرع، ويُبحِر بسفينة الإصلاح بشراع الكلمة الطيِّبة، والسُلـُوك النابض بالحُبِّ، والثقة، والتجسيد الحيِّ سيلتئم شمل الأمّة حوله، وسيمضي إلى الأمام.
ما لنا يُعطينا الله -تبارك وتعالى- هذه الثروات ونحن نـُحيلها إلى اقتتال ترتسم علاماته في ليبيا، وسورية، وفلسطين، والعراق، وكلِّ البلدان العربيّة.. هذه الثروات المُتعدِّدة بدلاً من أن نـُفيد منها، ونـُحوِّلها إلى طاقة ينعم بها شعبنا، وتنعم بها أمّتنا يكون هذا هو مصيرنا.
مانزال نتطلع إلى الوحدة التي زرعها رسول الله يلى الله عليه وآله: ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))..
لا يُمكِن أن نـُطبِّق الكتاب من دون العترة، ولا يُمكِن أن نـُطبِّق العترة من دون الكتاب.. مَن اعتقد خطأ أنه يكتفي بالكتاب عن العترة فقد هجر الكتاب والعترة، ومَن تمسَّك بالعترة وخالف الكتاب فقد هجر العترة والكتاب.
العترة والكتاب سِرُّ الوحدة في الأمّة الإسلاميّة.. كلُّ الأصوات التي نسمعها، وكلُّ التخرُّصات التي تنال من القرآن الكريم، أو تنال من العترة تـُوجِّه خنجراً مسموماً إلى خاصرة الأمّة الإسلاميّة أمّة المليار ونصف المليار التي تنتشر في رُبُوع العالم أرادها الله -تبارك وتعالى- أن تكون أمّة شاهدة، أمّة وسطاً أمّة مُبارَكة، ولا ينبغي أن ننظر إلى اليمين وإلى اليسار.. ليس إلا أنتم الذين تحملون لواء الوحدة، وتـُطبِّقون الوحدة.. أنتم الذين تـُرسون سفينة الوحدة على شاطئها الآمن.
أهيب بكم أن تنتهوا بهذا المُؤتمَر بنتائج مُهمّة، وتـُحدِّدوا خطوات عمليّة ليشهد عالم ما بين المُؤتمَرات العالم الإسلاميِّ خطوات عملـيّة من شانها أن تجد صدقاً في القول، ومصداقيّة في التطبيق..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)