كلمات ليست الاخيرة في وداع العزيز سلمان فراج - د.نبيه القاسم
اليوم الثلاثاء 17 .2007.7 الساعة السادسة والنصف مساء، والمناسبة فرح قريب عزيز والأستاذ سلمان فرّاج يحدثني عن مشاريعه القريبة بعد أن ووفق له الخروج للتقاعد:
- بعد ثلاثة أيام خطوبة الصغير جليل، وبعدها بأيام رحلة العمر مع أبي الحبيب فهد أبي خضرة إلى الأندلس.
وسألني بعفويّة:
- ماذا تريد أن أحضر لك من هناك، من بلاد الأندلس؟
قلت بعفويّة مماثلة:
- لن تستطيع إحضارَ قصر غرناطة أو قصر الزهراء ، فلتكنْ الأميرة ولاّدة هديّتك إليّ.
وضحكنا. واستعدتُ أيامَ الرحلة الجميلة الأولى التي قضَيتُها بين ربوع الأندلس قبل ثلاثة عقود، وصَلف ذلك الحارس على بقايا قصر الزهراء بقوله لي ساخرا: جئتَ تبحثُ عن آثار العرب!؟
وتركتُه يُسَلّمُ على هذا الصديق ويُكلّم ذاك، فرحا لأنّه خرج للتّقاعد، وأصبح يملكُ الوقتَ كلّه ليرى الدنيا ويتفرّغَ لتحقيق كلّ حلم رغب فيه خلال سنوات عمره الماضية.
ولم تمض اربع وعشرون ساعة بعد. فاليوم الإربعاء 18.7.2007 الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وأنا في زيارة قريب صديق، الهاتف الجوال يرن وصوت يقول لي: الأستاذ سلمان فرّاج أعطاك عمرَه على أثر نوبة قلبية مفاجئة.
ولم أستوعب الخبر. واستعدتُ بسرعة مثل هذا الموقف يوم نعَوا إليّ خبرَ وفاة أستاذي وزميلي وصديقي الشاعر شكيب جهشان. وخبر وفاة صديقي يوسف عثمان ورفيق دربي الدكتور إدوار الياس وابن عمي سامي القاسم وخبر وفاة أخي الكبير أديب ووفاة المخرج مازن غطاس. كلهم فاجأتهم النوبة القلبية ولم تُجْد كلّ الإسعافات الطبيّة.
والآن يتكرّرُ المشهدُ،
ووجدتُ نفسي دون إرادة مني أردّد ما قالته فدوى طوقان:
يا موتُ يا غشوم يا غدّار
لي لديك ألفُ ثار
ألفُ ثار
أن يموت الواحد .. هذا ما لا نقاشَ فيه، وما يقبله كلّ واحد.
ولكن أن يكون الموت هكذ قاسيا، وهكذا مفاجئا، وهكذا مبكّرا، وهكذا لا يعرف الرحمة، وهكذا دون أيّ إشارة تنبيه،
فهذا ما لا يستوعبه العقل ولا يتقبّله الفؤاد.
بالأمس فقط، قبل ساعات، كان يحلم ويخطّط ويرسم.
واليوم نستعيد ما قال وما حلم وما خطّط وما رسم.
ونقول كان!!
وكان كما عرفه الكثيرون نعم الإنسان الذي شقّ طريقَه، وخدم مجتمعه، ونشط في عمله، فكان خير معلّم في ثانوية الرامة ونعم المفتش في وزارة المعارف. ونموذج المحاضر في الكلية الأكاديمية العربية للتربية.
وكم كانت رائعة تلك الطالبة التي كتبت له بعد سماعها خبر وفاته عبر موقع بانيت: "والله شهادة لأنو كان من أحسن المحاضرين في دار المعلمين" وتابعت بصدق الطالبة المقدّرة أستاذها المخلص:" بس لو كان نجّحني بالكورس، بس معليش لويش في موعد بيت".
ومثلها عشرات الطالبات والطلاب الذين عرفوه وعلّمهم، وينتشرون الآن في كل أنحاء البلاد وبقاع العالم.
يشهد الكثيرون للأستاذ سلمان فرّاج أنه كان نشيطا في الحقل التربوي وفي الميدان الثقافي. وقد كان عضوا في أكثر من تنظيم أدبي، وكان له حضوره الأدبي بعطائه المتميّز في الشعر والقصة وخاصة في كتابته للأطفال.
لقد كان أحد رموز الثقافة العربية في بلادنا، وأبدع في العديد من المجالات ، وترك المؤلفات التي تُبقي ذكره خالدا، وتراثه هاديا ومُحفّزا، لمَن يطّلع عليه، لمحبّة الحياة وبناء المستقبل والسّعي نحو العمل الدؤوب .
يصعب عليّ أن أتحدّث عن العزيز سلمان فراج بصيغة كان..
لأترك للزمن أن يفعل مفعوله. ولأسامح الكلمات على هروبها ونفورها، وأعترف بعجزي عن مطاردتها واصطيادها ..
إنها كلمات قليلة في حقّ صديق رافقته العمر الطويل .. وكما قلت في ساعة تشييعه:
"أن تقف لتقولَ كلمة في إنسان كنتَ قبل ساعات تجلس وإيّاه في مناسبة مفرحة.. ليس بالمعقول في هذا الزمن اللامعقول."
حقا ليس بالمعقول..
وليرحمك الله ..
التعليقات (0)