مواضيع اليوم

كلمات في الخلافات والانقسامات .. وانخفاض سقف التوقعات!!

قد أكون لغتي، وقد لا أكون في هذا العنوان المصنوع الموجوع المسجوع.. وقد أكتبُ أدبًا هنا وهناك، وقد لا أكتب لهذا السبب أو ذاك، وفي هذه المناسبة أو تلك.. وقد تسمح الظروف لهذا الذي أكتبه أن يرى النور، وقد لا تسمح، آملاً أن تسمح.. وقد يُتاح لهذه الأمنيات والتمنيات والإشارات والشعارات التي تحفِلُ بها هذه الكلمات والمقالات والكتابات وأحاديث الذكريات أن تتحقق، وقد لا يُتاح، راجيًا وسائلاً المولى أن يُتاح.. ولكنني مع هذا كله أشعر "بملء الثقة" أن من حقي أن أكتب، وأن من حقي أن أخاطب العقول، كل العقول، والعواطف والمشاعر والأحاسيس، وأن من حقي أن أتوجه إلى كل أصحاب الحسِّ الوطني المرهف الشفاف، والضمائر الحية اليقظة النظيفة، والنفوس الكبيرة الملتزمة من مثقفين ومثقفات، وكتّاب وكاتبات، وصحافيّين، وإعلاميين وإعلاميات، ومحررين، وسياسيين شرفاء وشريفات، يحملن في قلوبهنَّ الكبيرةِ حبًّا كبيرًا لهذا الوطن، وإنسان هذا الوطن، وقضايا هذا الوطن، مخاطبًا كل هؤلاء بكل الصدق أن يكونوا لهذا الوطن، ولكل قضاياه، ولإنسان هذا الوطن الممزق والمضيَّع والمكبَّل، وأن يعملوا جاهدين بكل العزم والحزم والإصرار من أجل وضع حدٍّ لكل هذه الخلافات، ولكل هذه الصراعاتِ والانقسامات والانشقاقات، ولكل ما من شأنه أن يؤدي بالتالي إلى انخفاض سقف التوقعات، وإلى مزيد من التفكك والتمزق والاختلال والاعتلال والاضمحلال والانهيارات... صحيح أن الخلاف في الرأي في معظم الأحوال علامة صحة.. وصحيح أن الناسَ كل الناسِ في هذه الدنيا يختلفون ويتفقون، وقد لا يتفقون.. وصحيح أن الانقسام بشقيه هو وسيلة التكاثر في الخلية الحيَّة، ووسيلة تجدد الحياة وتدفقها.. وصحيح أن الانشقاق في كثير من الأحيان قد يعني الخروجَ على استبداد مستبد، وتحكم متحكم، وطغيان طاغية، وقد يعني وضع أرجلِ السابلة على بداية الطريق نحو الحرية والنور والعدل والعدالة وتحقيق الأهداف... ولكن صحيح أيضًا أننا عانينا من كل ألوان الخلافات والانقسامات والانشقاقات مذ كنا، بل مذ كانت هذه الأمة في تلك الحقبة المتقدمة من التاريخ، ومذ كانت هذه القضية، وتلك النكبة التي لا زال الناس في هذه الديار يتجرعون مرارتها، ولا زالت تلقي بظلالها، وتنوء بكلكلها على صدور الناس هنا على أرض الوطن، وهناك في كل منافي هذا الشعب، وديار غربته واغترابه.. وصحيح أيضًا أننا لم نعد بحاجة لمزيد من هذه الخلافات التي كرهناها، ولفظناها بالتالي لفظَ النوى، حتى لو كانت علامة صحة، لأننا بحاجة إلى وحدة الكلمة، ووحدة الصف، ووحدة الهدف، ووحدة التوجه والمشاعر والأفكار والرؤى، ولأننا _يقينًا_ بحاجة لمزيد من الإصرار على تحقيق الأهداف والطموحات التي قد لا تعني في حدها الأدنى أقل من عودة كريمة ظافرة إلى البيت والدار والجار والوطن، وحياة حرة كريمة يعيش معها كل أهل هذه الديار، وغير أهل هذه الديار بأمن وأمان ومحبة وتسامحٍ ووئامٍ وسلام.
    ولئن كان من حقي أن أكتب، ولئن كان من حق غيري أن يكتب، ولئن كان من حق ما أكتبه أن يرى النور، وأن يطلَّ على الأحقاب والعصور، وعلى الأحباب وغير الأحباب من أقصر الطرق وأوسع الأبواب، بعيدًا عن المناكفات والمنغصات والمماحكات والتقنينات والتحزبات والتشيعات، وكافة أنواع الحجج والاعتبارات التي تخفي وراءها ما تخفيه، وما أربأ بنفسي عن التصريح به، والخوض فيه.. ولئن كان الوطن قصيدة فهذه قصيدتي، ولئن كان الوطن أغنية فهذه أغنيتي، ولئن كان شهادةً فهذه شهادتي مشفوعة بالقسَم، وهذا مصدر فخري وافتخاري وتألقي وتدفقي وتأججي وتوهجي.. وإذا كان هنالك من يرى أن الوطن حقيبة فإنني – يقينًا - لا أرى ذلك، بل إنني أرفض ذلك كل الرفض، إلا أن يكون هذا الوطن الغالي المنسوج على غير مثال حقيبةً مدرسية تصنعُ الأجيال، وتربيها على حبِّه، وترسم لها طريق استعادته وإسعاده والذودِ عن حِماهُ وحياضه، وترسمُ لها أيضًا طريقة بنائه قويًّا مستقرًّا سيّدًا حرًّا عزيزًا مستقلاًّ كريم الجانب، موفور الكرامة، مخوف الجناب، حرامَ الحِمى، (حتى لو لم يمنحوا المعلم حصانة السفير، وراتب الأمير والمستشار والوزير)، أيها الغالي، فهو في كل حالاته وأحواله، ورغم كل آهاته وأعبائه وأوجاعه يعطي ولا يبخل، فالبخل ليس من شيم الكرام، وهذا المعلم مذ كان كريمٌ شهمٌ معطاءٌ ملتزم بهذا الوطن، وإنسان هذا الوطن رغم النوائب والمصائب والمصاعب والمحن!!؟.
    عجبتُ لكل هؤلاء الذين لا يروْنَ في الوطن أكثر من حقيبة مسافر مغادر، أو حقيبة امرأة! ولمن لا يرون فيه أكثر من حقيبة لغسيل الأموال، وتهريب الموبايل وغير الموبايل، ولمن لا يرون فيه أيضًا أكثر من حقيبة وزير بلا وزارة، أو بوزارة، فالأمر سيّان إذا كانت كل هذه الحقائب شكليَّة، وإذا كانت مجرد رشاوى يقدمها هؤلاء لأولئك، وحوافز ومغريات لاستمرار هذا النهج، وهذا الحِوار الذي لم يسبق لنا أن سلكناه، ولم يسبق له أن حقق لأمة شيئًا من طموح، أو صان لشعب شيئًا من كرامة، أو أعاد له شيئًا من حق، ولم يسبق له أن كان طريقًا لإحقاق حق، أو إزهاق باطل، أو تحقيق حلم في عيش هانئ هادئ أو استقلال... ولئن كانت أوروبا قد عرفت هذا النهج وسيلة للخلاص مما أوقعتها فيه الحرب العالمية الثانية، ولئن تمكّنت أوروبا بفضله من الخروج من أزماتها، وإعادة ترتيب البيت الأوروبي من الداخل بعد أن عصفت به تلك الحرب على مدى ست سنوات، فإنه _يقينًا_ ليس الطريق إلى الحل في هذه الديار، لأن المشكلات هناك ليست هي المشكلات هنا، ولأن النازية هناك قد هُزِمت في نهاية تلك الحرب، وما كان على الأوروبيين بعد ذلك إلا أن يعملوا من أجل الخلاص من كل آثارها المدمرة، ومن كل جناياتها على أوروبا والأوروبيين، وعلى كثير من الناس في هذا العالم، وإن كان الأوروبيون قد وقعوا في شر أعمالهم، وإن كان الغرب بشقيه أيضًا قد وقع في هذه الأزمات المالية التي لا أعتقد أنه سيخرج منها بهذه السهولة التي يتصورها بعض البسطاء.
    وعجبتُ لكل هؤلاء الذين لا يرون في هذه القضية أكثر من وسيلة للثراء، وتحقيق المكاسب والمكتسبات الشخصية، وأكثر من وسيلة لممارسة السطوة وإرضاء الغرور، وممارسة الحكم والتحكم بالناس في الوقت الذي لا يملكون فيه لأنفسهم من أولئك "السادة" ضرًّا ولا نفعًا، وفي الوقت الذي لا يستطيعون فيه مخالفة أولئك السادة في أقل القليل، حتى لو كان ذلك من باب ذرِّ الرماد في العيون، وحتى لو كان ذلك من خلال الهامش الذي يقول فيه قائلهم للناس: "نحن نمون"!! عجبتُ لهم كيف يسلكون مع "السيد" هذا السلوك الذي لا يملكون معه إلا الموافقة على كل ما يقول، وعلى كل ما يفعل، وعلى كل ما يصدر عنه من خطط ومخططات، وإن حصل غير ذلك فإلى حين، ثم يعودون سيرتهم الأولى، وحتى في خلال حردِهم وعتبهم وجهرهم بالشكوى من قساوة هذا "السيد" وقسوة قلبه، فإنهم لا يخرجون على شيء من أوامره ونواهيه، ولا يجترئون على ارتكاب أدنى مخالفة لتعليماته ووصاياه، وأضوائه الحمراء والصفراء والبرتقالية أيضًا.
    عجبتُ لكل هؤلاء وهم يفرّغون الناس من محتواهم، ويجردونهم من مضامينهم، ويستبدلون أفكارهم ومقومات شخصيتهم وثقافتهم بأخرى لا تمتُّ إلى هذه الأمة وتاريخها وجغرافيتها وقيمها ومعتقداتها وأعرافها وحقوقها الثابتة في العيش الآمن الكريم الحر بأدنى صلة.. عجبتُ لهم وهم يتنمّرون للناس، ويفرضون عليهم وصايتهم، ويتحالفون فيما بينهم على إخضاعهم وحصارهم وكبتهم وتجريدهم من أبسط حقوقهم في القول والتفكير والتعبير، وعلى حق كثير منهم في الحياة والحرية.. عجبت لهم وهم يستأثرون بكل شيء، ويبيحون لأنفسهم فعل كل شيء، ويحرمون على غيرهم كل شيء.. قد يتقاسمون مع أحبتهم ومن يسير في فلَكِهم وعلى نهجهم كل شيء، وقد يكونون أعدل الناس مع من يثني عليهم، ويجاملهم، ويتواصل معهم، لهذا السبب أو ذاك، ويطالبون دائمًا بمزيد من هذا التواصل حتى لو انتهت الأسباب التي أدت إليه، ويفرضون لأنفسهم حق التدخل في كل أمر من أمور الناس لوضع كل خيوط حياتهم في أيديهم، ولفرض الوصاية عليهم حتى يضمنوا لأنفسهم قاعدة شعبية موالية تمكنهم من الاستمرار، وتضمن لهم بالتالي البقاءَ في مناصبهم، وتمكنهم مع مرور الوقت من كتابة التاريخ كما يريدون، ومن تخليد أبطالهم كما يشاءون، كي يثبتوا أنهم الأمناء المؤتمنون، وأنهم الأوفياء الأكفياء القادرون المقتدرون على حمل التبعات والمسئوليات، وصون الكرامات، وأداء الأمانات، وتحقيق الأهداف والغايات، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بطرق عصرية حضارية يفهمها العالم المتحضر، ويقرُّها ويساعد على تحقيقها ووضعها موضع التنفيذ.. على الرغم من أن هذا العالم الذي يؤمنون به، ويتحدثون عنه، ويلتجئون إليه، ويحكّمونه فيما شجَرَ بينهم لا يعنيه إلا مصالحه، ولا يصدر في أقواله وأفعالهِ وإنفاقه وكل ممارساته إلا عن هذا التنافس القائم بين الغرب بشقيه لحكم هذا البلد أو ذاك من بلدان هذا العالم.
     من الطبيعي أن يعترض الناس على كل هذا بدعوى أنه عبث لا طائل تحته، ومن الطبيعي أن ينبري المستفيدون الذين يرون فيه فرصتهم للدفاع عنه، ومن الطبيعي أن تتعدد المواقف، وتكثر التيارات والتفسيرات والاعتبارات والاجتهادات، ومن الطبيعي أيضًا أن تكثر الخلافات والصراعات، وأن تشتد وتحتد، وأن تكثر التحالفات، وبغض النظر عن كل التفصيلات والتأويلات والتوجهات، وبصرف النظر عن الأيديولوجيات والاستراتيجيات والتكتيكات والديالكتيكيات، وبصرف النظر أيضًا عن الدوافع والنوازع ومجموعة القيم والعقائد والمبادئ والأفكار التي يصدر عنها كل أولئك المختلفون المتخاصمون المتصارعون المقتتلون المحتربون المتحاربون.. بصرف النظر عن هذا كله، وبصرف النظر عن كثير غيره مما قد يقال، وقد لا يقال، فإن نتيجة هذا كله أن تضطرب الأحوال، وتعمَّ البِطالة، وينتشر الفقر، ويكثر المحتاجون، ويجف معين المدخرات، ويبحث الناس في غمرة هذا كله عن الغذاء والدواء والكِساء فلا يكادون يظفرون بشيء منه إلا بشقّ الأنفُس.. في غمرة هذا كله يتدخل المتدخلون لحسم الأوضاع، وتبذَلُ الأموال، ويعزف الرشاش، وتقصف المدافع، وتسيل الدماء، ويحترب الأهل والإخوة، ويقتل الأخُ أخاه، والجارُ جاره، والرفيق  رفيقه، ويمثِّل هذا بجثة ذاك، ويحرق أولئك قلوب هؤلاء، ويحترق الوطن والمواطن، وتحسَمُ الأمور لصالح المخططين الذين يحركون الدمى أو تكاد، ويكاد يفرح المخططون وأدواتهم وأعوانهم من الأشرار الفجّار الدعّار، ولا أقول بنصر الله، وتكاد رياح السموم تعصف بالأوطان، تدمر البنيان، تقتل الإنسان، تهلك الحرث والنسل والغزلان، وتأتي على الأخضر واليابس أو تكاد.. عند ذلك يخرج من رحم المأساة جيل أنضجته نيران الهزائم والجرائم والخطوب، فينتصر على كل أسباب الصراع والشقاق والنفاق والحروب، وينتصب شامخًا عملاقًا فوق النزف فوق الجرح فوق الملح والبارود.. يسعى إلى وطن النجوم.. يثأر للأرض وللعِرض، ويصنع من أزهار اللوز والياسمين والبرتقال وخشب الزيتون قلائد لوطن النجوم، وما أدراك ما وطن الأحلام والآلام والآمال والنجوم؟ هل عرفتم الآن ما الذي يعنيه القائلون بقولهم إن التطرف يصنع التطرف، وإن حياة الفوضى والتسيب والاضطراب والدماء من شأنها أن تأتي بغلاة المتشددين، ومن شأنها أن تكيل الصاع صاعين للمعتدين، ولو بعد حين؟!!.
    ليس من السهل أن يصف شاعرٌ في قصيدة ضبابيَّة شيئًا من هذا الذي يحدث على كل أرض العرب، أو شيئًا من هذا الذي يحدث فوق أرض فلسطين وطنِ الأقاح والندى والصباح والجراح.. وليس من السهل على صانع الشِّعر والعِطر والسحر والظلال أن يعيش في الظل، وليس من السهل على صانع المُحال أن يختفيَ خلف الرتوش والرموش والظلال.. لقد علمْتنا يا وطن الشمسِ والحب والحرية أن نحفظك في الجفون، وخلف حبات العيون، فلن تهون يا وطن النجوم لن تهون.. لن تهون.
   لقد علمتنا أن نفتديك بالمهج والأرواح وأن نبذل في سبيلك كل غالٍ ونفيس، وأن نحب من أحبك، ونعادي من عاداك.. لقد علمتنا يا وطن الأحرار أن تجتمع القلوب والألباب والمشاعر على حبك، وأن تُجمِعَ الفئاتُ كلُّ الفئاتِ، والشرائحُ كلُّ الشرائحِ، والنخبُ كلُّ النخبِ، والمستوياتُ كلُّ المستوياتِ على صونك والذَّب عن حماك وحياضك.. لقد علمتنا يا وطن الآباء والأجداد أن من مات على ثراك فهو شهيد، وأن من أحبكَ كل الحب ثم قضى وهو يغمض اليدَ أو العينَ على حبة من ترابك فهو شهيد، وأن من رعاك وحماك وسهر على أمنك وأمانك، ومن أعلى بنيانك وصان إنسانك وكبتَ أعداءك فهو شهيد.. يا وطن النجوم والشهادة والهداية والحب.. يا وطني.. ها قد جئتُ أحمي حِماك، وأُبعِدُ المقتتلين المحتربين المتخاصمين اللاهثين خلف السراب عن ساحتك، بل عن ساحاتك، حتى لا يبقى فيها إلا من أحبكَ، وإلا من هتف من أعماق أعماق روحه للعروبة والشمسِ والحريةِ والمحبة والتسامح والسلام.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !