الا زلت تؤمن بالصد والردع والتصدي ، الا زلت يساري الهوى ، ام كما تقول يساري اجتماعي ، الا زلت مع جبهة المقاومة المزعومة ، وتابع بشيء من السخرية :
ها صدام قد انتهى وتمزق العراق ، ووها هو القذافي مقبور في حفرة في مكان مجهول من الصحراء كما يليق بلص او قاطع طريق ، وها هو بشار ينتظر مصيره المحتوم ..
وضع يده على كتفي وربت بخبث وهو ينظر على طول شارع السينما وقال : والله خايف عليك من هلوساتك وافكارك المجنونة ، ثم عانقني ونحن في وسط المارة وقال : ثكلتك امك يا محمود .
لا اعرف كيف بقيت صامتا متلقيا ، لا اعرف كيف لم ابادره بكلمة او رد ، لا اعرف كيف استدرت وانسحبت ودرت ظهري له ومشيت ، حتى بلا كلمة وداع او عتاب وهو الصديق الحميم ، الذي قال لي ذات يوم ان العربي منافق بطبعه ، ولو لم يجد من ينافقه لنافق نفسه وكذب عليها ، وتشاجرت معه شجارا طويلا ، اخذ منا وقتا كثيرا لنصلح ما انهدم بيننا .
بالامس ذهبت اليه في بيته وهو اعزب لم ولن يتزوج ، فوجدته نائما على الاريكة امام التلفاز ، وكانت قناة الدنيا تبث بعض الاغاني السورية الوطنية ( وطنية بحق لانها تتغنى بسوريا الارض والانسان ولا تتغنى ببشار الاسد ) وكانت زجاجة البيرة الثالثة التي اتى عليها لم تنتهي فقد سبقه النوم اليها ، كم تعجبت من موقفه وهو المعارض لبشار والنظام والبعث وما يسمى المقاومة والتصدي ووو .. جلست على الاريكة المقابلة له ورحت اتابع الاغنية الحماسية : حماة الديار عليكم سلام .. أبت ان تذل النفوس الكرام ... بلحنها العذب الجميل ..رفعت يدي وصوتي مرددا كلمات الاغنية التي تصلح ان تكون نشيدا طنيل لاي دولة .. ولم انتبه له وهو يفرك عينهاليسرى بمنديل ورقي ( فاين ) ويمد يده الى زجاجة البيرة ( هننجر الالمانية ) وقد تقطر الندى على جدارها الخارجي .. رفع الزجاجة الى فمه وشرب جرعة واخرى ولم يعرني اهتماما وكانني غير موجود .. سحب لفافة ( مالبوربو الاحمر ) ورمى واحدة الي وهو يقول :
شرب ما بتشرب ... ودخان ما بدك بتدخن .. خذلك هالسيجارة ... ونهض ليشعل سيجارتي .. وقد قبلتها على مضض ، واشعل سيجارته والقى بنفسه على الاريكة بكل ثقله ...
بادرته بسؤال : شو غيرت رأيك .. شليفك على الدنيا .. وين صاحبيتك الجزيرة والعربية ...شو تركت الثوار وصرت مع بشار ...
نظر الي وقال :
بالامس صباحا التقيت صديق له ولد يدرس في حلب ، فقال قوات بشار قصفت جامعة حلب .. ولم اعرف كيف قلت له هذا كذب .. وهذا تلفيق ..
فرد وقال : ابني عندما اتصلت معه قال ان هذا ما حدث .
رددت وقلت ( الحوار بين صديقي وصديقه ) لماذا يقصف النظام الجامعة ... وما فائدة ذلك له في المرحلة الحالية .. وما الخطر الذي يتهدده من الجامعه ...
رد الوالد وقال : هذا يا اخي نظام دموي .. هذا نظام علوي .. هذا نظام طائفي ... ولم ينتهي من وصف النظام ...عندها شعرت بان امثال صديقي كثر .. يتناقلون الاخبار فيما بينهم ، ويزيدوا عليها وينقصوها كيفما يشاؤون ...
توقف وجرع ما بقي في زجاجة البيرة مرة واحدة ، ونهض الى الحمام ثم عرج على المطبخ وعاد بزجاجة بيرة اخرى ، سمعت صوت فتحها بالقداحة من خلفي ، وقال :
اسمع يا محمود : جلست مع نفسي كثيرا ، وتابعت الاحداث بشكل جاج ، وتفحصت الاخبار من مختلف المصادر ، ما يسحدث في سوريا امر مبالغ فيه ، الجزيرة والعربية والقنوات العربية تضخم الموضوع اكثر مما هو بالواقع ، القيادة السورية قيادة حكيمة ، دعت الى الحوار ، ومشت بطريق الاصلاح السياسي والاقتصادي ، ولكن ماذا تريد المعارضة لست اعرف ..
قلت : المعارضة تريد السلطة .. السلطة فقط .
قال يبدوا ان هذا هو الصحيح .. كنت يا محمود دائما تقول العراق وسوريا ومصر دول مسنهدفة .. فاسقطوا مصر في خندق كامب ديفيد .. ثم العراق .. والان النتيجة الحتمية والهدف الاخير فقط والوحيد اسقاط سوريا كنظام وكدولة وكفكرة .. ويبدوا ان هذا هو الكلام الصحيح ...ورفع الزجاجة الى رأسه ...
تنبهت الى السيجارة التي امامي وقد ترمدت ، وقلت له هل هذا كلامك وقناعتك ام كلام سكران .. خايف انك سكران يا ولد .
عدت الى البيت : وكانت الجزيرة لا تزال تبث كامل اكاذيبها .. وهي تتصل مع شاهد عيان مزور .. او...
التعليقات (0)