يسيل الحبر من ثنايا الأصابع
و تقتفي حمامة أثر الخطى التائهة
أيتيه الضباب وسط الرمال ؟
و تحتفي امرأة بمقدم العاصفه
لا يجيء صوت الصبية إلا لماما
و لا تصرخ نملة في الطريق
حين ترى قشها قد هشمته أيادي الدخان
ها قد خلع الخليج ملابسه
هو الآن شبه عار
ذاهلا لمرأى تجزئة المشهد
من الماء إلى النفق المكسور
يرونها كأغصان الحنطة
إذ تأخذها حالة الهوس فجأة
فلا تباغته امرأة أو شرود الهديل
لكن يجيء السؤال شاردا :
- ما سر ملهاة البلاد التي لا تستحي من عيون
السبايا؟
- لست أفهم، لم الآن تأتي بواخرهم
و المدائن أسلمت جفونها للنعاس
- من من الجموع الغفيرة صار وحيدا ؟ ...
و ما أراد الفتى انتشار صوت النشيد
المتوهج في الصدر و الذاكرة
عبثا تجيل النظر في وجوه العابرين
و تخرج من صمتها مدائح للطقس
ناتئ العظام، مديد القامة و لا تراه
مازحا إلا إذا رآك شاحبا
تقول و لا تبالي بالجالسين في محطة الحافلات :
جذوة الصبح انطفأت
فلم لا نشعل شمعتين لنزيل الكلام
الذي لا يلامس ضلوع
الحقائق
كيف ضاعت خطاه و المعركة ابتدأت؟
و القبر و الكفن تعانقا على حائط الليل
تصحو إذن زهرات البلد الضليل
و تذرف الدمع امرأة لا تليق
بجلسة رداءها حرير الهمس و النبيذ
فجأة يكتب الفتى على بوابة الجزيرة
سطورا تفتت تضاريس الفاجعة
فترتفع عقيرتها بالمزاح
إذ يباغتها عناق الولد الهزيل
و ترتمي قناديل الصقيع
على الجمر الغامض القسمات
من شمال الأرض إلى جنوب التلال
ترحل قوافل البدو مرورا بالقاتلين
البيض
تعرفهم الدماء المسكوبة على حدود
الجزر المثقوبة بالذكريات
تسألهم مرارا : ترى من أين تأتي
جحافل التبغ و لا تحرق تماثيل الشمال؟
نغرق في اللعب و نحتسي ماء التراجع
و الذين سخروا من سبات البلاد
نسوا أن الأرض تلعن
من يخاف الرحيل خريفا
إلى الورقات المكتوبة بدم السنديان
إن سال لعاب زوارق لندن
تفوح رائحة الذهول
و تقترب من خيط التباهي
قنينة عطر دنت من نياشين القميص
و أحنا الفتى قامته للرياح
التي قاسمتنا هزيع الليالي
و أطل من النافذة سكون القلم
و لم تزل سحابة الذعر على راحة اليد
ساكنه
الطرقات تستجدي عابريها
لكن البكاء خان الفتى حين أراد العراء
فأقفل راجعا إلى زاوية قلقة
عساه يفتح زهرة الجلنار
- عفوا نسيت سرد الحكاية
صباح خريف مضى باغتته قذيفة
فلم يعلو إلى السطح ليرى قاذفها
إنما لملم أحزانه و غاب عن الدنيا ...
ضوء عينيه تضاءل
إذ رأى شحاذا حكيما يخيط حذاء سيدة أنيقه
لا ضحك في المقهى و لا ستائر
و ما ذنب الشفاه إن أفصحت
عن ولد خارت قواه حين تعانقت يداه
و الفتى يداهمك فجأة مكسور الجناح
و بغداد فارعة الرفض و الأمنيات
الشقر اختصروا مسافة تقليم الأظافر
احدودب ظهر المدائح
حيث المدائن صارت خيوط ضوء
وامتد حبر القصائد باتجاه الجداول
ليس الخريف ما تدعيه
اصفرار الورقات
و لا البحر حارسا لخروج الأنين
من أكتاف المذابح
و لا العشب مرافئ لضياع المزاج
هذا الفتى ما أراد إزعاجهم
ليلتها ...
لكنه القلق يعلن عصيانه
فضاءات النجوم ، غاصت أقدامها
في مياه الخريف
و ضاعت خطوات الشريد
دما وزعفرانا على خلايا البوح
الفتيان الذين سألتهم صفرتهم
جروا وراء الشفق
و كانت تسيل كسائل من غمام
هل غادرت بغداد ضفائر شهرزاد
و نام على راحتيها نعاس الحدائق؟
ما أضاع الفتى طريق الهدوء
و لم يسترح الجناح
من هبوب العاصفة
و تنأى التفاصيل عن طعم الفصول
التي رمت بأقباسها على معطف النور
و مال شمالا حبل الغسيل
و فاحت رائحة العطر الفريد
من أي أرض تجيء الأنوثة ؟
و من أي ورقة تطل الحروف العصية؟
عنيفا يمر السحاب
و لا طائر في الفضاء
تناست أناملي أني نسيت في السراب يداي
و خطاي ضاعت في البقاع
و ما نسيت ذاكرتي أرق القرى المنسية
و حتى تستمر الحكاية
لا مفر من قطع اللسان
و تمرير فواصل الاحتفال
- هل عاد الشيخ إلى صباه؟
و لامس الحبر ألق العبارة
و لم يعد ثلج لندن إلى أقاصي العذوبة
لا سكون في الزاوية اليمنى من الحلبة
و لا دخان يضيء الشوارع !
تنهمر قطرات الذهول
جنوب المساءات
و تسري في مفاصل الجند
هدهدة تمادت في البكاء
و رمت بأهدابها خلف النوافذ
وابتل الولد الحافي بماء الفجيعة
بغداد .. قاب قوسين من الغصن الذي ساءل
ثلوج المباهج :
ترى ، من زوق الجدران بالهتاف
و ختم الرسائل بإيماءة
نازفة؟
لا مفر من نبش ورقات الخارطة
و ليس هنا، متسع من القصف
لينفرد الولد الهزيل بورقات الحنين
و يزال السؤال لما أراد الفتى أن يزول
الهزال
لنقل : نبيذ المدائن استحال
خريفا للطيور
دمعاتي التي سكبتها في المقاهي
نمت على أعشابها زهرات القيام
و تأت النساء اللواتي احترقن
بجمر الأصابع
الصباح الخريفي ساءلني :
هنا دمعة واحدة تسيل على خد بابل
و أطفال القرى ، حفاة على حافة الموت
و الذين رأيناهم من شرفة الضوء
عراة إلا من الصمت
تمادوا في البكاء و الرحيل
طفل كالعقيق تساءل عند مدخل المدرسة :
أيبقى الحبر وحيدا
و فصول الصحوة اندلعت
وانتشى ذراع الرصيف بخمر عتيق ؟...
تبقى الوجوه بلا ملامح
و الخرائط بلا خطوط
و المدن التي أنجبت هذيان النساء
تمشط شعر العجائز
الثكنات إذن توارت مع الرمال
حسنا
إني ارتويت من ماء سليم
و أبقيت حنجرتي سانحة للصراخ الأنيق
تكتب يدي على الورق
ما عجزت أصابعهم
من رسمه على ألواح المدارس
و التفت الفتى لأغصان السواحل هامسا :
ليس أبهى من العشب و الماء
و لا تكتب اللغة سوى نشيد المعركة
التعليقات (0)