نعيش في المنطقة الممتدة من الماء الى الماء أمام خطاب أحادي يتأسس على مفاهيم من قبيل: الأمة والقومية والهوية العربية... وهي مفاهيم مجردة لا يمكن أن تجد أبدا طريقها للتحقق لسبب بسيط هو أن ما يبنى على باطل فهو باطل. إذ ما زال القوميون العرب يستلهمون أفكارهم من منطق يحلم ببناء «أمة عربية» موحدة من المحيط إلى الخليج، وذلك من منطلق لغوي ضيق يختزل الجميع في بوتقة واحدة لا تعير أي اهتمام للاختلاف والتعدد العرقي الذي يميز هذه المنطقة. ولأن هؤلاء القوميين يفكرون بعقلية ماضوية، باتوا لا يرون في المجال الجغرافي الذي يقع بين المحيط والخليج سوى أمة واحدة يسمونها عربية دون أي اعتبار للمجتمعات البشرية التي تمتلك الحق التاريخي والجغرافي في هذه المنطقة كالأمازيغ والأكراد والنوبيين وغيرهم.ومن هذا المنطلق يظل الهاجس الحقيقي للخطاب القومي العربي هو طمس الحقائق التاريخية وتذويب الجميع في العرق العربي، وهو ما يجعل منا- نحن المغاربة- عربا من الدرجة الثانية، لأن الدارجة المغربية التي تعبر عن التعددية والتنوع اللغوي في هذا البلد لا تجد آذانا تستوعب معانيها في بلاد نجد والشام ومصر. ويكفي أن يتتبع القارئ الكريم الفضائيات العربية ليستنتج أن المغرب لا وجود له في قاموسها بتاتا، فهل شاهد أحدنا يوما أغنية أو شريطا سينمائيا بالعامية المغربية على تلك القنوات ؟؟. هذا في الوقت الذي تشنف القناتان المغربيتان أسماعنا على مدار الساعة بأغاني وأفلام ومسلسلات مصرية وخليجية ولبنانية تتنافس في الابتذال والتفاهة.
إن الخلفية التي تؤطر تسمية الشمال الإفريقي ب»المغرب العربي»، تنم عن فكر منغلق ومترفع واستئصالي،وهو فكر لا يميز بين المستويين العرقي واللغوي في التصنيف، ذلك أن حضور اللغة العربية في هذه المنطقة لا يجعل من أبنائها عربا بالضرورة، وإلا اعتبرت كل الشعوب التي تتكلم الفرنسية مثلا «أمة فرنسية» واحدة وليست مجرد شعوب «فرانكوفونية»... وقياسا على ذلك يمكن القول إن الشمال الإفريقي منطقة «عربفونية» (نسبة إلى اللسان)، ولكنها ليست عربية. وبهذا الاعتبار فإنه من الأجدر أن تكون التسمية الصحيحة لمجالنا الجغرافي هي «المغرب الكبير». وواضح جدا أن هذه التسمية تحمل دلالات مختلفة تجعل من الإنسان المغاربي مركز اهتمامها، بغض النظر عن أي تصنيف لغوي أو ديني ضيق.وهو مطلب ما فتئت الحركة الأمازيغية تناضل من أجل تحقيقه انسجاما مع إيمانها بأن هذه المنطقة الإستراتيجية مؤهلة لتشكل محورا للتعايش والانسجام بين مختلف الأعراق، دون أن يغبن أي أحد في انتمائه وجذوره، أو يصادر من طرف جهة معينة.
إن المشكل الحقيقي الذي يحول دون التقدم المأمول في نضالات الحركة الأمازيغية ببلادنا، هو غياب نقاش حقيقي وجاد بين الفاعلين الثقافيين حول مسألة «الهوية». إذ يبدو اليوم أن المكتسبات المزعومة للحركة الأمازيغية في التعليم والإعلام، تسئ إلى واقعنا أكثر مما تخدمه. حيث يدرك الجميع أن ما يروج له في هذين المجالين ليس إلا جعجعة بدون طحين. وبهذا المعنى فإن المطالبة بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية في المغرب، لم يعد مجديا (حتى ولو تحقق فعليا)، لأنه أصبح من الواضح أن الذين اختاروا أن يسطروا للمغرب هويته ضدا على قواعد التاريخ والجغرافيا، قد حسموا أمرهم وباتوا ينظرون إلى ثقافة ثلاثين مليون من المغاربة،على أنها شأن أقلية. وهكذا أصبح الإنسان المغربي غريبا في بلده، فهو عربي لأن لغته الرسمية هي العربية.
سؤال الهوية إذن هو المشروع الذي ينبغي أن يسترعي باهتماماتنا في المرحلة المقبلة، وذلك بعيدا عن الكليشيهات الجاهزة التي تربط الهوية باللغة بشكل تعسفي لا يقبله المنطق السليم. فما يحكم المجال الهوياتي للجماعات البشرية، كما هو متعارف عليه في الدراسات السوسيولوجية والانتربولوجية المتخصصة، هو النطاق الجغرافي. و حيث إن التواجد الأمازيغي في منطقة شمال إفريقيا على العموم عريق و راسخ في التاريخ، فإنه من حق المغاربة جميعا أن يكونوا أمازيغيي الهوية بحكم المنطق التاريخي لا بسبب اللسان. وبهذا المعنى فإن الموقف السليم الذي ينبغي اتخاذه الآن- في تصوري الخاص- هو العمل على نشر الوعي بالانتماء الأمازيغي عند كل المغاربة دون أن يكون اللسان محددا لهذا الانتماء، فالأمازيغية ليست حكرا على طرف دون آخر. إنها هويتنا جميعا وبدون استثناء. وبهذا المعنى وحده يمكن الحديث عن الأمازيغية بوصفها شأنا وطنيا. ولعل النضال على هذا المستوى هو المفتاح الأخير والضروري الذي بات في متناولنا للتعامل مع العقلية «الشرقانية»التي يبدو أنها مستعصية على الرضوخ لصوت الحق وربط المغاربة بانتمائهم الحقيقي. محمد مغوتي، أكنول . المغرب.
ملاحظة : هذا المقال سبق أن نشرته في جريدة " ثاويزا " المغربية. العدد :130. فبراير 2008. وأنشره هنا مع بعض التصرف.
التعليقات (0)