الاثنين 22شباط 2010، سقط مشروع قانون خفض سن الاقتراع في جلسة مجلس النواب مع امتناع 66 نائباً عن التصويت، هم نواب "المستقبل" و"القوات اللبنانية" وتكتل "التغيير والاصلاح "، فيما صوّت 34 نائبا الى جانب المشروع، هم نواب "حزب ولاية الفقيه" و"حركة امل" والبعثيين والقوميين والاشتراكيين.
وفور صدور نتيجة التصويت، التي كانت معروفة مسبقا وتصدّرت عناوين الصحف صباح ذلك اليوم، بدأت تتعالى اصوات نشاز تزايد على الممتنعين عن التصويت في احترام حق الشباب الوطني والمدني والسياسي الطبيعي بالاقتراع في الانتخابات البلدية والنيابية، وتتهمهم بأنهم "ضد الفتوّة والشباب"، لانهم "تنكّروا لوعودهم الانتخابية في خفض سن الاقتراع"، و"غدروا بالشباب الذي يشكّل عصب مهرجاناتهم وتظاهراتهم، فصوتوا ضده وضد انفسهم"! وذهب بعض المبالغين الى حد وصف تلك الجلسة الشهيرة بـ"حفلة الاعدام السياسي لأبناء الـ18،على ايدي الذين اوصلوهم الى الندوة البرلمانية"، معتبرين ان بعض النواب ممن امتنعوا عن التصويت "خجل من النظر في عيون أولاده وبناته عندما عادوا الى منازلهم"! وناشدوا الممتنعين ان " يتراجعوا ويقولوا الحق ويعملوا له ويحققوه بعيداً عن الانانية والشخصانية، خصوصا ان لبنان يقوى بشبابه وجميع اللبنانيين اخوة"!!
ومن ابرز مواقف هؤلاء "الغيارى" على حقوق الشباب، قول احد النواب المصوتين الى جانب المشروع: "كنا نتمنى أن نعلن اليوم أن زملاءنا والحكومة كانوا على موقفهم لإعطاء الشباب حقهم، ولكن بكل أسف أقول للشباب اللبناني بين سن الـ 18 و21: ان الكثير من الشعارات ومن المواقف قد سقطت في هذا المجلس النيابي من خلال موقف الرفض"... مشيراً الى ان "النظام الطائفي في لبنان أثبت أنه عصي على أي اصلاح"!!
فجأة دبّت الغيرة على الشباب اللبناني في نفوس هؤلاء "الابطال الاوفياء" الذين صوتوا الى جانب المشروع، وبدأوا يفاخرون بحرصهم على التطوّر وإعطاء الشباب حقوقهم، ويمنّنون الجميع بموقفهم "الشهم" في مجلس النواب، ظنا منهم ان الشباب في لبنان لا يدركون اسباب امتناع الممتنعين عن اقرار مشروع قانون خفض سن الاقتراع منفردا في تلك الجلسة، او انهم يجهلون الدوافع الحقيقية وراء حماسة المؤيدين والغايات التي ترسم سياساتهم. فيكفي لادراك مدى اخلاص هؤلاء الذين عرضوا على الاعلام عضلات غيْرتهم، ان صاحب التصريح الاخير الذي عزّى فيه الشباب وذم النظام الطائفي، ينتمي الى حزب طائفي حتى العظم، بل متطرف في الطائفية ومتوغل في متاهاتها، والدافع الاساسي وراء غيرته المصطنعة هو ان مشروع القانون يصب في صالح حزبه الذي يحتكر تمثيل الطائفة وقرارها، وكفى بذلك استخفافا بعقول الشباب اللبناني ومتاجرة بحقوقه ومشاعره.
الكل يعلم ان النظام السياسي في لبنان ليس قائما على أحزاب سياسية ديمقراطية صحيحة يجمع كل حزب منها مئات من جميع الطوائف اللبنانية بهدف تقديم الافضل لمصلحة الوطن، بل غالبية احزاب لبنان ذات طابع طائفي واحد، وابرزها على الساحة "حزب ولاية الفقيه"؛ فهو حزب طائفي بامتياز، استطاع احتكار تمثيل طائفته والاستئثار بقرارها، بفضل تلقيه دعما ماليا وعسكريا من دول لها مصالحها الخاصة التي تتعارض ومصلحة لبنان، ولذا نرى ذلك الحزب يقدّم مصالح داعميه على المصلحة الوطنية العليا. وبما ان ذلك الحزب بات يمثّل رغبا ورهبا الطائفة الاكثر عددا في لبنان، لا غاية له في هذه الايام الا احراج المجموعات اللبنانية الاخرى من خلال اصراره على تطبيق مشاريع حساسة تفوح منها رائحة الاستنسابية والانتقائية، طمعا بانتزاع مكاسب فئوية وشخصية وطائفية، ولو ادى ذلك الى اثارة المخاوف وتمزيق النسيج الوطني. واخطر ما يصر هذا الحزب على تطبيقه، هما مشروعان:
المشروع الاول: هو "انشاء الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية"، الذي يتلطون في طرحه خلف اتفاق الطائف الذي نص عليه في احد بنوده، متجاهلين باستنسابيتهم المغرضة البند الأول الاساسي في الدستور الذي ينص على استعادة الدولة لدورها وسلطتها وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وحل الميليشيات وتسليم السلاح الى الدولة اللبنانية. وان امتلاك ذلك الحزب المسلح مشروعا دينيا يفاخر به وبامتداده الاقليمي، يؤكّد لنا ان مطالبته بتأليف تلك الهيئة ليست لوقف التعداد الطائفي وتعزيز الديموقراطية، وانما الهدف منها اقصاء الطوائف الأقل عددا عن الساحة السياسية، لانه اذا الغيت الطائفية من النصوص وبقيت في النفوس، فهذا يعني أن كل شخص سيصوّت لطائفته، وعندها ستهيمن الطائفة التي تضم العدد الاكبر، اي الطائفة الشيعية التي ينتمي اليها ذلك الحزب.
اما المشروع الثاني الذي يصر "حزب ولاية الفقيه" على اقراره، فهو خفض سن الاقتراع الى سن الـ18، الذي يبدو للوهلة الاولى خطوة اصلاحية حضارية، لكن عندما نعلم انهم يرغبون في اقراره بمعزل عن المشروع الذي يمنح المغتربين حق الاقتراع، ندرك انهم لا يزالون يعزفون على الوتر الطائفي والحسابات المذهبية الضيّقة، التي يتخذونها وسيلة للسيطرة على الحكم في لبنان والاستئثار بالسلطة.
اذ تشير الاحصاءات الى ان مجموع الناخبين المسلمين بين 18 و21 سنة هو 180,383ناخبا، أي ما نسبته 75,57% من مجموع اللبنانيين الناخبين من هذه الاعمار البالغ عددهم 238,683. يشكّل السنّة منهم 80,519 ناخبا، اي ما نسبته 33,73%، يقابلهم 85,595 من الشيعة، اي ما نسبته 35,86%. وفي المقابل، فان مجموع الناخبين المسيحيين في تلك الفئة العمرية نفسها، يبلغ وفقا للقوائم الانتخابية لسنة 2010 الحالية: 57,995 اي ما نسبته 24,30%.
وبالتالي، فإن اقرار مشروع قانون خفض سن الاقتراع بمعزل عن اعطاء حق الاقتراع للمغتربين اللبنانيين الذين يقدر عدد الناخبين منهم بما يقارب 600 ألف ناخب من بينهم نسبة كبيرة من المسيحيين المقيمين في الخارج، انما يعني المس بالصيغة اللبنانية التي يحميها اليوم التوازن الطائفي، وذلك عبر ضرب فريق طائفي معيّن يتألّف من المسيحيين على المدى القريب والسنّة على المدى البعيد، فضلا عن اقصاء فريق المغتربين عن المشاركة في الحياة السياسية لوطنهم والمشاركة في تحديد مستقبله، وما ذلك الا بسبب جموح ذلك الثنائي الشيعي و"حزب ولاية الفقيه" تحديدا نحو توسل الطائفية واكثريته العددية لتنفيذ مشاريع تتناقض مع التعددية والتنوع اللذين يتميز بهما النظام اللبناني.
ومن هنا، كان لا بد من اسقاط مشروع خفض سن الاقتراع في تلك الجلسة الشهيرة صونا للطوائف اللبنانية من ان تستبد بحكمها احداها، وحماية للنظام القائم في ظل هذا التنوّع اللبناني للطوائف الـ18، وحفاظا على ميثاق العيش المشترك والمناصفة الاسلامية-المسيحية، لأن اي مستقبل بغياب هذا التوازن معناه الدخول في ديكتاتورية الاكثرية اي حكم الشيعة، او التسريع فيه على الاقل.
ولا يقال ردا على ذلك: ان النواب الممتنعين عن التصويت اخطأوا بقرارهم، لأن الميزان الديموغرافي سيبقى يميل لمصلحة الطائفة الشيعية سواء جرى اقرار مشروع خفض سن الاقتراع تلازما وتزامنا مع مشروع اعطاء المغتربين حق الانتخاب، ام بدونه، او ان اصحاب الفئة العمرية ما بين 18و21 سنة سيتنخبون جميعهم بعد 3سنوات سواء اعطوا حق الاقتراع اليوم ام حرموا منه، فذلك منطق يفتقر الى الصواب وبعد النظر، لانه اذا قال لنا الاطباء مثلا ان المريض مصاب بمرض مميت ولا يتوقع له ان يعيش اكثر من سنة على ابعد تقدير، هل نقول لهم: لا داعي اذا لمحاولة علاجه فلنقتله الآن؟!
باختصار نقول: كان من الممكن فهم طرح مشروعي الغاء الطائفية السياسية وخفض سن الاقتراع منفردا عن اقتراع المغتربين، لو صدر عن جهات غير طائفية، اما صدوره عن الاحزاب الاكثر حشدا للمنتمين الى طائفة عبّأت اعضاءها تعبئة كاملة او شبه كاملة خدمة لمشروعها العابر للحدود، الى جانب نموها الديموغرافي الذي يفوق ديموغرافيا سائر الطوائف، فهذا يثير شبهة من الصعب تبديدها، توحي باتخاذهم تلك المشاريع وسيلة للسيطرة على الحكم، تبدأ باستباحة الحقوق والحريات لسائر الطوائف، وتنتهي بالانكفاء على النفس وتصفية المعارضين ضمن الطائفة السيّدة. ولنا في تصرفات النظام الايراني بعد الثورة الخمينية اوضح نموذج على ذلك.
لقد تاجروا بما يسمونه "مقاومة"، وبالقضية الفلسطينية، وزايدوا على الآخرين في عداوة اسرائيل وخونوهم، تاجروا بالتوطين، وباتفاق الطائف عند مطالبتهم بالغاء الطائفية السياسية، واليوم يتاجرون بالشباب اللبناني في خفض سن الاقتراع...فكفى مزايدة ايها التجار، كفى، كفى.
عبدو شامي
التعليقات (0)