كفاح محمود من الاعدام الى شاشات الإعلام!
حوار صريح أجراه رياض الفرطوسي من كوردستان
كفاح محمود كريم .. رجل ضد التيار
ربما يختلط الليل
بأول القطر
والهمسات أنغاما
بين العاشقين
والكلمات غناء
يتسلل إليها أول الضوء
فتصير الشفاه قوس قزح
كفاح محمود كريم... واسماء كثر : كفاح ابو العلا، كفاح السنجاري، كفاح الشمس، واحبهم اليه اولهم...
بدا عاشقا وصائدا للجمال عند تخوم جبل سنجار المثير للهواجس والانبهار, لكنه كان مأخوذا بالمعرفة والابداع وشغوفا ومولعا بحبه للشعر والفن والادب، فالطبيعة من حوله تستفز كل عوالمه وهواجسه، انطلق بروح عذبه في الكتابة لكنه ايضا حاول ان يرسم مشاهداته الشعرية ويحي فيها استجاباته الداخلية, كتب مقالات مفتوحة على صميم الجرح العراقي منذ كان معارضا وسجينا في زمن انهيار الاخلاق والمبادي والقيم لكنه ظل وفيا لقضيته ولم يك هشا رغم انه سيق الى الموت والمحارق !
كفاح محمود من الاعدام الى شاشات الاعلام
أستاذ كفاح هل تتحدث لنا عن كفاح محمود من وجهة نظره هو ؟
ربما ادع هذه المهمة لقاص وصحافي عراقي كبير قابلني في مطلع التسعينات، وأجرى حوارا مطولا وفي نهايته: سألته كيف رأيت كفاح؟
قال: انسان مشاكس يصنع بمشاكساته انماطا مثيرة من الفن والأدب والإعلام والسياسة، ضحكتُ فرد قائلا إذن هذا أنت!
ألا تعتبر هذا نوع من الغرور مثلا
انا لم اقل شيئا، هم يقولون؟
اسأل النقاد ولو كان عبدالوهاب النعيمي معنا لقال اشياء اخرى!
لقد عايشني حتى كاد ان يعتقل او تتم تصفيته فابتعد عن الموصل قليلا الى ملاذ آمن حتى وافته المنية!
هل تستطيع ا ن تتحدث لنا عن طفولتك او لنقل المراحل المهمة في حياتك وما هي الجوانب المعتمة او المضيئة في هذه التجربة ؟
بإيجاز يوفر لنا الوقت ويمنع عن القراء الملل
لم يك هناك شيئا غير اعتيادي عن اي نشأة لعراقي من جيلنا الخمسيني، سوى جبل اشم كنت وما زلت مغرما بهامته منذ ولدت عند حافاته، ومحطة شهدتها كما الان وكنا ما نزال صبية في مطلع الستينات من ارهاب وخوف انتجته ( عروس الثورات ) البعثية
ما زلت اذكر اعتقال عمي فجر الثاني عشر من شباط 1963م كان فجرا اسودا، من هنا بدأت الذاكرة تخزن تاريخنا الشخصي وتاريخ بلادنا المعاصر
نعم انها ربما ذاكرة اختلط فيها الرصاص مع الكحل مع الموت مع التشرد مع الحب , كيف بدءت تتشكل عندك الرؤى السياسية وقت ذاك وعلى اي منحى اخذت تميل ؟
ربما ايضا واحدة من تلك المشاكسات هي الرسم والخط العربي الذي بدأت افرغ فيه انفعالاتي وخوفي ( عمري هنا لم يتجاوز 14 سنة ) الناتجين من ذلك الفجر الاسود 12 شباط 63 ، ربما هروبا الى عالم اكثر امنا وحرية؟
قبل نهاية الثانوية كانت هناك بذور ماركسية زرعها احد المدرسين ومضى هو الاخر منفيا، حينما بدأت تنمو تلك البذور ادركنا حقائق كثيرة، ربما اجملها شمس كوردستان التي اشرقت مطلع السبعينات من القرن الماضي، ومنها بدأ المشوار..
أستاذ كفاح في مشاورك هذا وعلى مستوى الابداع نجد انك ذهبت في الادب كما في التشكيل كما في السياسة الا تعتقد ان التخصص مصدر من مصادر الابداع ؟ والحال انك استطعت ان تبدع في كل تللك التخصصات وهذا ما لا نلاحظه الا في عدد قليل من المثقفين ؟
هي بالتالي عوالم لفضاء واحد هو الابداع، وهي ايضا ذات البذور وان اختلفت البيئات والعناوين، المهم في جميعها هو الصدق في التعبير والاصالة والقناعة التامة حد الايمان بالموضوع
الاختصاص ربما يكون اكثر الحاحا وانت تعالج مريضا او تدرس طلبة او ما شابه ذلك، لكنني ارى ان كل حقول الابداع تنمو من ذات البذور وان اختلفت البيئات كما قلت لك!
على لا يؤثر ذلك في موضوعة المواهب، وتلك بتقديري مسائل فسلجية ليس الا، ربما لانني لا اجد تعليلا لحد الان لماذا لا يكون مذيع شهير ذي صوت رخيم مطرب متميز في ذات الوقت؟
أعود الى مرحلة تشكيل وعيك السياسي في مراحل التنقل بين كردستان والحلة هل ثمة استمزاج في الرؤيه ساهمت فيه الظروف التي فرضت عليك، بمعنى اصح هل اثر المناخ العربي على مزاجك الثقافي والسياسي والخ
بداية مرحلة تشكيل هذا الوعي هو النهوض القومي والوطني الذي بدأ بعد اتفاقية آذار 1970م بين الحركة التحررية الكوردستانية والحكومة العراقية، وكان حقيقة هو الانطلاق الى كثير من العوالم الابداعية سواء في الادب او الفن او الاعلام، ومما ساعدني انذاك هو ثقافتي العربية وطبيعة الدراسة ايضا كانت باللغة العربية منذ الابتدائية. اما موضوعة السياسة فهي بتقديري ليس بمفهومها المهني البحت، لقد تعرضنا في معظم مدن وبلدات كوردستان بعد اتفاقية الجزائر 75 لعملية ابداة منظمة ، وكان نصيبي فيها النفي الى الحلة ووالدي الى اربيل؟.
بعد عدة اشهر من النفي الى الحلة شعرت انها واهليها البابليين العتقاء منحوني الانتماء، وشعرت بانني واحد من ابنائها الحميميين، عليك ان تتصور انت والقارئ كيف تبلور هذا الشعور من لدن انسان منفي بسبب عرقه وفكره المختلف؟
حقا الحلة واحدة من اجمل بوابات العراق على الثقافة والشعر والفن والمسرح والابداع عموما! انها الحضارة والانسان اختزالا!
طيب وأنت تتحدث عن بابل هذه المدينة الازلية والتاريخية عمقا وحضاره ماذا اعطتك ايضا وماذا اخذت منك ؟
اعطتني ( كفاح السنجاري ) الشاعر والفنان والاعلامي، منحتني حب عشتار، وكأي أم معطاء لم تأخذ مني غير نبضات فؤادي وذاكرة متوهجة بحروف بابل الجميلة!
فيها أدركت ان الصراع في كوردستان ليس مع الشعب العراقي، وليس مع العرب تحديدا؟
لقد رأيت في سهل الحلة وبساتينها وبيوتها وشيوخها ونسائها وشبابها من يعشق كوردستان مثل عشق البيشمه ركه لها!
أدركت ان الحضارة في سهل ما بين النهرين ارقى واسمى مما تفعله عصابات لا تمثل الا قيح هذه الارض، جاءت في غفلة من الزمن السيئ لتشوه اعرق الاقاليم؟
بعد هذه النكبات والويلات والمحن والتنقل وبين سلطة قاسية وردح على ايقاع رجال السلطة كيف استطعت ان تصر على ذاتك وقناعاتك ونفسك والحال انك اصبحت امام معركة مفتوحة
كان صراعا مريرا لكنه لم يك من اجل سلطة او مال، بمعنى لم يخضع للمساومة لانه قضية حياة او موت؟
بقيت منفيا في بابل حتى ما بعد منتصف الثمانينات، حينما سمحوا لي بالعودة الى مدينتي، وهناك انكفأت لعدة سنوات حتى عدت ثانية الى الصراع الذي انتهى بمحاولتهم إعدامي فسقطوا هم ونهضت انا ومدينتي أحرارا أعزاء..
كنت قبل قليلا تتحدث لي عن علاقة جدلية خاصه مع مدينة الحلة اختلط فيها الميثولوجي بالنفسي بالاجتماعي بالكوني وبالانساني هل فعلا شعورك وانت تعيش وسط الحله انك منفي والحال ان شعور النفي شعورا قاسيا عند اي انسان فكيف بالكاتب والاديب والسياسي ؟
قلت لك بعد اشهر فقط تلاشى الشعور بالنفي الا في لحظات مراجعة السلطات الامنية واعلامها بوجودي او طلب الاجازة للذهاب الى بغداد او الجنوب
لقد منحتني الحلة الانتماء واهليها منحوني وطنا جميلا
ما هو مفهوم الوطن بالنسبة لك
الوطن بتقديري ليست بقعة الارض وحدودها او مجموعة الاهالي وهوياتهم؟
لماذا نحب بيوتنا واهلها ونضحي دونها طوعا؟
أريد ان اصل الى ان الوطن هو الاحساس بانك محبوب ومحترم وهناك من يحرص عليك وعلى اسرتك وحياتك ومستقبلك؟
المثقفون أعطوا للوطن التضحية والمال والابناء والكفاح من اجل الحرية ولكن الوطن لفضهم ومنحهم الاغتراب والنفي وربما انت ايضا طالك ما طال الاخرين , اين تكمن المشكلة في رائيك
هو هذا ما اريد ان أقوله، لقد سحق الوطن وتلك الشعارات آلافا أو ربما عشرات الآلاف من خيرة ابناء هذا البلد الذي لم يحترم تلك التضحيات ابدا
اكرر وأصر على ان الوطن هو ذلك الكائن الذي تشعر فيه بالامان والاحترام والتقدير والتميز
هل ثمة شعور بالمواطنه للانسان العراقي , بمعنى حب حقيقي للوطن ؟ تجد من باب الامثلة من ياتي ليشتم العراق ولكن لا تجد شعور من طرف العراقي على غيرته على وطنه في حين تجد ان الكردي اذا شتمت امامه كردستان يتشيط غضبا والما , هل الكردي في رائيك اكثر شعور بالمواطنه من العراقي ام ان ثمة اسقاطات اخرى فرضتها دواعي الكره للسلطه واخذت عاتقها على الوطن كشعور
هي كل ذلك؛ في كوردستان مواطنة عالية بلورتها سنوات المقاومة والنضال ضد الدكتاتورية والاستعمار وفي بقية العراق كان هناك صراع من نوع اخر
أنت تبنيت برنامجا حواريا ناجحا هل كنت تريد ان تصل لشي ما
هناك سلطة أوهمت الناس بأنها حامية الوطن ومحررته على طول الزمن منذ تأسيس المملكة ذلك التأسيس الهش؟
تبنيت برنامجا حواريا ناجحا هل كنت تريد ان تصل لشي ما .
في لنتحاور أردت ان أشيع ثقافة قبول الاخر والتعايش معه، وان أدوات الصراع يجب ان تتغير من الكلاشنكوف الى الحوار الفكري والسياسي والاقتصادي والديني واي حقل من الحقول التي ربما تكون سببا في احتدام الصراع الاحمر؟
بين مرحلة الكفاح والاعتقال وبين الاعلام والتلفزيون هل ثمة فواصل مشتركة جعلت من كفاح محمود عنوانا مشتركا للعرب والكرد وايضا عنوانا للحوار والسلم
تأكد كما قلت لك ان الموضوع ليس عربا وكوردا، فما بين هؤلاء من نسيج لن يدركه الساسة السيئين في محاولاتهم العقيمة، وسأعطيك معلومة ربما لا يعرفها الكثير:
كنت محكوما( سياسيا ) بالاعدام في سجن بادوش غرب الموصل، وبيننا وبين التنفيذ ساعات او ايام قبل سقوط النظام، هل تعلم من ساعدني على الهروب من السجن ليلة 27/28 آذار 2003م؟
لم يكن كورديا بل كان عربيا والاخر تركمانيا، الاول قاضي والثاني ضابط امن برتبة نقيب؟
قرار الإعدام الم يشكل لك صدمة وماذا كانت تاثيراته عليك لاحقا ؟
لا انفي ذلك لكنني ضحكت كثيرا حينما ابلغوني بقرارهم البائس بالاعدام والطائرات تدمر مبانيهم فوق رؤوسهم، حتى ان احدهم قال لقد اصيب بالهستيريا؟
ضحكت كثيرا لكنني شعرت بدموعي تنهمر متذكرا وجه اصغر اولادي ( 4 سنوات ) كوني لم اشبع منه كما يقولون.
بعد اقل عشرة ايام كنت احد المسؤولين عن المدينة وطلبت حماية عوائل البعثيين الهاربين وعدم المساس بهم وباموالهم ؟
الكاتب هو ربيب التمرد الجميل والطفولي انت ككاتب ومحلل سياسي ماذا تريد ان تقول بمحور لنهاية الحوار من خلال مجلة سطور
علينا لكي نؤسس وطن جميل ان نقبل بعضنا ونحترم اختلافنا ونكون اكثر حرصا على اشاعة المحبة والعلاقات السليمة لكي نساهم في بلورة مواطنة راقية.
اشكر لك سعة صدرك وهو بلا شك كبير وواسع كسهول شهرزور الجميلة دمت عزيزا علينا
رياض الفرطوسي
رئيس تحرير مجلة سطور
التعليقات (0)