ابتدأت مأساتي عندما كنت طالبا في الثانوية . ولم يكن يوجد مطعما في المدرسة ،فقد كنا نحمل غدائنا في كيس من الورق ونجتمع في فترة الغداء تحت شجرة في حديقة المدرسة ونأكل سويا، وكان أحد زملائنا يحضر مع طعامه في معظم ألأيام البطاطا ، فيوما مشوية ويوما مسلوقة وبوما مقلية وكان ذلك في آخر الموسم حيث تكون البطاطا قليلة في السوق أو حتى غير متوفرة ، سألته يوما من أين يأتي بالبطاطا فعرض علي أن يشتري كيسا من البطاطا من بلدهم .
عندما رجعت إلى البيت في المساء قلت لزوجة أبي أن زميلا لي سيشتري لي كيسا من البطاطا وأن ثمنه دينار واحد وأن وزنه يزيد عن الخمسين كيلو غراما .
أجرت زوجة أبي الحريصة جدا حسبة سريعة في نفسها امتدت ليس أقل من ساعة من الزمن . وتأكدت من الوزن والحالة الصحية للبطاطا وطريقة نقل الكيس وأجرة نقله ، وبعد أن وجدت أن الكيس صفقة رابحة نقدتني الدينار ووافقت على إحضار كيس البطاطا ،
حكت زوجة أبي للجارات أننا سنحضر كيس بطاطا واتفقت زوجة أبي الحريصة جدا على قسمة كيس البطاطا مع إحدى الجارات كل واحدة النصف . على أن تتحمل الجارة نص أجرة الكيس وكذلك نصف أجرة سفلي في هذا اليوم إلى المدينة وكذلك نصف ما يلحق بالكيس من خدمات.
أحضر صاحبي الكيس إلى مجمع سيارات قريتهم وتعاونت أنا وهو على توصيله إلى سيارة قريتنا ومنها إلى البيت حيث فتحت زوجة أبي الكيس وفحصت الحبات حبة حبة ولم يظهر به اية عيوب ، نادت زوجة أبي الجارة وقمن بقسمة الكيس ، حيث أخذت زوجة أبي حصتنا من البطاطا وبحرص شديد خزنتها في خزانة في الحائط ، وصارت تخرج بين حين وآخر حبتين أو ثلاث وتطبخها مع إحدى ألأكلات وحدثت المأساة ، فقد انشغلت زوجة أبي ولمدة أسبوع كامل بين بيت إحدى أخواتها وبيتنا ولم تتفقد البطاطا وعندما هدأت ألأمور تفقدت زوجة أبي البطاطا لتجدان معظمها قد تلف وأخرجت بعض البراعم نتيجة للرطوبة وسوء التخزين ، جن جنون زوجة أبي وأخرجت جميع البطاطا الباقية وبطبعها الحريص جدا قطعت ألأجزاء التالفة ثم أخذت ألأجزاء الصالحة ورشتها بالماء ووضعت عليها بعض التراب ،وبعد مدة ظهرت عليها البراعم وقد كانت طلبت منا أنا وإخوتي أن ننكش ارض الحديقة عدة مرات وأحضرت سمادا طبيعيا من عند جيراننا، سمدت ألأرض به ثم قمنا بطمره وفي اليوم الموعود زرعنا البطاطا .
حملتني زوجة أبي سبب تلف البطاطا وقالت لولا أن كانت البطاطا رطبة في ألأصل لما تلفت ، وأنه ، وأنه...... ومن يومها أصبح إحضار كيس البطاطا تاريخ لا يدانيه لا تاريخ ميلادي ولا تاريخ هجري، فلانة ولدت بكرها بعد احضار كيس البطاطا بأسبوع، وفلان اشترى ثوره قبل إحضار كيس البطاطا بثلاثة أشهر ، ونزل الثلج في السنة التي أحضرنا فيها كيس البطاطا ، وجاء ألاحتلال بعد كيس البطاطا بسنتين . وبنت جارتنا تزوجت بعد كيس البطاطا بخمس سنوات حيث كان عمرها يوم إحضار كيس البطاطا أربعة عسر سنة، تقد أصبح كيس البطاطا لعنة علي ، كانت زوجة أبي تذكرني بهذه المأساة إذا فرحت وإذا ارتحت وإذا فكرت . حتى صار كيس البطاطا يأتيني في المنام على شكل كوابيس فمرة أرى نفسي أقف على جبل من البطاطا وجميع البطاطا تتحرك وتتدحرج تحت رجلي ، ومرة ارى ثمرة بطاطا بحجم صخرة كبيرة تتدحرج نحوي ، فأصحو من النوم وأنا أصيح ، وإذا جلست لوحدي أتخيل أن الجبل الذي أمامي عبارة عن حبة بطاطا كبيرة وأن ألأشجار التي عليه براعم .
ذهب الشتاء وظهرت نبتات البطاطا حيث أحاطتها زوجة أبي بكل عناية ، فكانت تطلب منا أنا وإخوتي أن نزيل العشب من بينها ثم نقوم بالنكش بينها وحولها ودفن سيقانها وأحضرت سمادا إضافيا ، ونمت الشتلات بشكل سريع، وصارت زوجة أبي لا شغل لها إلا مراقبة الشتلات، وفي أحد ألأيام كانت زوجة أبي تقف في الحديقة وفجأة سمعنا منها صرخة شديدة، ركضنا نحوها، كانت تشير إلى إحدى الشتلات ، كان جذع النبتة يهتز ويتحرك إلى أسفل وكأن شيئا يسحبه، لقد كان حيوان ( الخلد ) لقد اكتشف مزرعة زوجة أبي ولا سبيل لوقفه، صارت زوجة أبي تطلب من إخوتي أن يقفوا طول النهار ويراقبوا ، فإذا رأوا أية حركة في جذع إحدى الشتلات صاحوا بصوت واحد ، فتركض زوجة أبي في الحالة التي هي عليها ،أحيانا تكون في المطبخ فتركض حاملة السكين أو المغرفة ، فكأن اللئيم تسمع صوت ركضها فيكف عن السحب ، فتصيح بإخوتي أنه لا يوجد شيء فيشيرون إلى الشتلة التي كانت تتحرك فتذهب إليها وتشدها إلى أعلى فيخرج ساق النبتة بيدها فيصفر لونها ونحس أن دقات قلبها تتسارع ونسمع صوت لهاثها ، فيحضر لها احد إخوتي كوبا من الماء فتجلس على ألأرض حتى يعود لها لونها ولا يحصل لها شيء .
أخذت الشتلات تتناقص أمام هجوم الخلد، ولم تترك زوجة أبي وسيلة لقتل الخلد أو إبعاده ولكنها لم تفلح. كان اللئيم وكأنه يشم ريحها أو يعرف وقع خطواتها، حتى أنها صارت تقول أنها تسمع صوت قضم البطاطا وهي نائمة في الليل ، وأخيرا اكتشفنا أنها على حق ، كان اللئيم قد حفر نفقا تحت البيت ليقضي فيه الشتاء وكان وكره يقع تحت غرفة نوم زوجة أبي وتحت فراشها تماما وكانت تسمع فعلا في الليل صوت قضم البطاطا ، وكأن اللئيم أراد أن يسخر منها ، ويوم الحصاد وجدنا أن حشرة الحفار قد أتلفت الكثير من الثمر، وعملت حفرا سوداء عميقة في الدرنات .
وكبرت أنا وكبرت معي مأساة كيس البطاطا وأرادت زوجة أبي أن تزوجني .اخترت فتاة من قريتنا كنت أميل إليها ولم يرض ذلك زوجة أبي فقد كانت ترسم على شيء آخر. وخشيت زوجة أبي أن يتم زواجي بمن اخترت , فأشاعت في القرية أني لا أصلح لشيء حتى أني لم أستطع شراء كيس بطاطا ولم يوافق أهل العروس وخطبت فتاة أخرى وأشاعت زوجة أبي مرة أخرى وأخرى وفي كل مرة تفشل الخطبة ثم رضخت لرغبة زوجة أبي وخطبت لي قريبة لها وقد كانت العروس بحق تشبه كيس بطاطا ولا يخالفها عنه إلا وجود نتوئين لها من الأمام، وتزوجت ويوم العرس تصادف أن كانت البطاطا كثيرة في السوق فكانت الوجبة الرئيسية من البطاطا والتي أحضرت زوجة أبي منها كيسين، استعملت احدهما في تحضير وجبة العرس ،وصار الثاني طعاما لي وللعروس ،حتى أن زوجتي قالت لي كأنكم لا تعرفون من الأكل إلا البطاطا وكنت اطلب منها الصبر وبالفعل كانت زوجة طيبة ومطيعة .
وبدأت المشاكل كانت زوجة أبي لا تزال تعيرني بكيس البطاطا وكانت زوجتي في أول الأمر تثور ثورة مكبوتة عند ذكر كيس البطاطا ولكن مع تكرار الأمر صارت زوجتي تصاب بثورة كأنها نوع من الهستيريا عند ذكر كيس البطاطا وتطور الأمر مع زوجتي حتى أنها باتت تثور وتتشنج عند ذكر البطاطا أو رؤيتها، وكان زوجة أبي باتت تعرف ذلك وأنا أهدئ زوجتي ولا احضر البطاطا عندنا إلى البيت.
وحملت زوجتي وكنت اتحاشى ذكر البطاطا أمامها ،ولكن زوجة أبي صارت لا تترك فرصة إلا وتثير زوجتي بها فباتت لا تطبخ إلا البطاطا ولا تشوي وتتسلى إلا على البطاطا حتى أن بطن زوجتي بعد تقدم حملها أصبح مثل حبة بطاطا ،وحان وقت الولادة وتعسرت ولادة زوجتي والتي حملناها إلى اقرب مشفى وكانت ولادة عسيرة أتعبت زوجتي جدا، وبعد جهد تم إنقاذها وإنقاذ المولود على رأي احد الأطباء الذين اشرفوا على الولادة وقد طلب الطبيب مني ومن الممرضات أن نلتزم الهدوء في معاملة زوجتي وان لا تتعرض لأي صدمة نفسية وكان المولود طفلة جميلة بل جميلة جدا على رأي الممرضات لأنهن يعرفن شكل المواليد الجدد أكثر مني .
وجاءت زوجة أبي كانت تحمل لزوجتي طعاما أحضرته من البيت معظمه من البطاطا، أخذت الممرضات الطعام منها ومنعنها من إدخاله لزوجتي ودخلت زوجة أبي لغرفة زوجتي وكانت زوجتي تعبة جدا وتتكلم بصعوبة وبعد أن سألتها زوجة أبي عن حالها قالت لها: أنها كانت تحضر لها معها طعاما من البطاطا ،أخذته الممرضات وكان زوجتي لم تسمع شيئا كشفت زوجة أبي عن وجه الطفلة المولودة كانت تنام كملاك ، شهقت زوجة أبي عندما رأتها وقالت لي: أن ابنتك بيضاء مثل حبة البطاطا ، رفعت زوجتي المريضة رأسها ونظرت إلى الطفلة وتنهدت ثم شهقت وأسبلت عيناها .
التعليقات (0)