مات ملك الملوك. سقط القذافي في نهاية دراماتيكية هي درس لكل من يريد أن يعتبر. مقتل القذافي وضع حدا لمرحلة من التساؤلات حول مستقبل ليبيا. فقد كان العقيد منذ بداية رحلة الفرار التي بدأها من طرابلس بعد سقوطها في أيدي الثوار مطلوبا حيا أو ميتا، لأن الكل كان يدرك أن النهاية الفعلية لنظامه الذي عمر لأزيد من أربعين سنة تمر عبر إلقاء القبض عليه أو قتله.
قتل القذافي إذن. و إن كانت التفاصيل الحقيقية للعملية غير واضحة بعد. و ربما ستأتي الأيام المقبلة بمعلومات جديدة تميط اللثام عن كثير من الغموض الذي لف نهاية الطاغية. و في خضم الأفراح العارمة التي تعرفها مختلف المناطق الليبية بعد تأكيد مقتل القذافي، و في ظل الترحيب الدولي بهذا الحادث الذي يشكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا، لم يتوقف المراقبون كثيرا عند حيثيات ما وقع تحديدا، لكن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام خصوصا تلك التي كان يبدو فيها مصابا بجروح في وجهه، لكنه كان مايزال على قيد الحياة. هذه الصور إذن تدعونا إلى طرح علامات استفهام عن ما حدث بعدئذ. ذلك أن ظهور جثة القذافي التي اخترقها الرصاص في الوجه و البطن بعدما ألقي القبض عليه يجعل فرضية إعدامه من طرف الذين اعتقلوه واردة، أما إذا مات متأثرا بجروح سابقة فتلك مسؤولية معتقليه أيضا لأنه كان من الأجدر أن يسارعوا به إلى المستشفى.
العقيد الليبي الذي حكم بلاده بالحديد و النار و نصب نفسه فرعون هذا الزمان، يستحق نهايته على كل حال، لكن ذلك ينبغي أن لا يمنعنا من التأكيد على أنه كان من الممكن أن يعرف مصيرا آخر. فالجرائم التي اقترفها القذافي و نظامه كانت تتطلب تقديمه للمحاكمة حتى يدفع ثمن أخطائه و حتى يتم تفعيل القانون بوصفه النظام الأسمى في الدولة. لكن ظروفا ما أدت إلى مقتله بهذه الطريقة. و بذلك تطوى صفحة جديدة من صفحات الجبابرة و الديكتاتوريين الذين انتهوا بأشكال مأساوية. لكن صورة الرئيس الروماني نيكولاي تشاوسيسكو تظل الأقرب إلى الذاكرة في كل محاولة للبحث عن نهاية مشابهة. فقد ثار الرومان ذات يوم من أيام 1989 في سياق ربيع ثوري من نوع آخر سقطت معه أغلب قلاع الإشتراكية في أوربا الشرقية. حينها اقتص الشعب الروماني من حاكم مستبد أذاقه الويلات فصدر في حقه قرار بالإعدام و سط أكبر ساحات العاصمة بوخاريست. لكن نهاية القذافي تشبه أيضا و إلى حد ما مآل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، على الأقل من حيث أنهما أخرجا معا من حفرتين بئيستين تشهدان بمكر الزمان و أوهام السلطة و الجبروت، و كذلك من حيث أنهما زجا معا بأبنائهما في حرب خاسرة و إن اختلفت تفاصيلها هنا و هناك.
ليبيا التي قدمت دروسا في إصرار شعبها على التحرر و الإنعتاق، و قدمت الآلاف من الشهداء في سبيل هذا الهدف، دخلت اليوم مرحلة جديدة أكثر صعوبة و تحديا. إنها مرحلة البناء و لملمة جراح أكثر من أربعين سنة من الجنون الأخضر. ليبيا باقية و القذافي رحل. هذه هي سنة الحياة. و هذا درس جديد لمن أراد أن يتعلم أن إرادة الشعوب لا يمكن إخمادها و أن القتلة و الطغاة مصيرهم في مزبلة التاريخ. محمد مغوتي.20/10/2011.
التعليقات (0)