أ.كريم الشاذلى الكاتب المعروف يكتب:
"أمك"
عزيزي باسم يوسف .. تحية طيبة وبعد ..
قرأت بقلب منهك مقالك المعنون بـ "امي"، والله أشهد لقد هزني هزا ..
كعادتك يا سيدي فتحت الآفاق ليبصر الناس الحقيقة التي يريدون الالتفاف حولها، جاءت وفاة "أمك" لتذكرنا أن للموت هيبة، جلال، رهبة ..
رثيت أمك فدمعت عيون بدا وكأنها نسيت أن وقع الموت قاسِ وموحش، العيون التي بكت على "أمك" مرت من أمامها آلاف الجثث فلم تحرك فيهم ساكناً، جاءت مقالتك لتقول لنا .. أن الفقد صعب .
أوتراني سأكون مبالغاً يا سيدي إن قلت لك أن مقالتكم الحزينة قد ذكرتني أن الموت يمكن أن يزور الناس وهم على فرشهم آمنين ..!.
أعذرني فمن كثرة الأحداث الماضية بدا لنا وكأن الموت لا يأتي إلا عبر فوهة البندقية .. أو حرقاً في عربة الترحيلات ..
وهذا مما يجب أن تشكر الله عليه يا عزيزي، نعم لقد بتنا في زمن يشكر المرء منا ربه إن وفق لدفن جثة ذويه دون إذلال أو تعقيد ..
لقد أحزنني يا سيدي قولك أن والدتك الطيبة ـ رحمها الله ـ قد ساءها كثيرا أن تعرض لها المحامي المشهور بالبذاءات ..قلت أنها تسائلت : هل يمكن أن يكون المرء وقحاً إلى هذا الحد !.
بل لقد تعجبت أنت أيضاً كيف لرجل أن ينتقد "السخرية البريئة" ببذاءة !.
ولقد حزنت أنا أيضا يا عزيزي ..
حزنت لأنك كذبت في مقال شفاف كهذا .. حزنت لأنك لم تذكر أنك لم تكن بريئاً، ولا نظيفاً، ولا محايداً ..
أنت أيضا يا عزيزي قصصت من كلام الناس وسخرت منهم .. سخرت من أشكالهم، وملابسهم، واستخدمت في ذلك إيحاءات بذيئة آذت أسماعنا ..
لقد ذهبت "أمك" إلى دار الحق، ذهبت يسبقها الآلاف من الشباب والشابات والأطفال والشيوخ .. ولا نملك إلا أن ندعوا لهم جميعاً بالرحمة والمغفرة .
"أنا خايفة عليك"
قلت أن هذه كانت كلمتها التي ترددها عليك مراراً وتكراراً وهي معك ..
وفي ظني أنها لن تتوقف عن قولها وهي تنظر لك من علِ ..
ذلك أن الخوف الحقيقي يكون من عادل لا يُظلم عنده أحد ..
لكننا للأسف نعرف ذلك إلا بعد فوات الآوان ..
"لم يعد للحياة طعم بعد فقد الأم" ..
هذه قولة صدق .. واضيف أنها أصعب على الأم التي فقدت ولداً كانت تعده لتتكئ عليه في زحام الحياة، أشد قسوة على أب بات يرقب الأيام ليرى ولده رجلاً ثم فجأة يُسرق منه الحلم بلا سبب .. ولا ذنب .
"لماذا يُضيعون هيبة الموت بالانشغال بأعمال دنيوية لشخص ذهب عن دنيانا"
أحزنك أن ينشغل الناس ببعض الطقوس التي يرون أنها تخفف من عذاب الميت، أعذرهم يا عزيزي وأشكر الله .. فبالأمس القريب انشغلت أمة عن وداع زهرة شبابها في خضم التجهيز لأوبريت "تسلم الأيادي" .
لقد تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم أن للموت وقع على النفس الإنسانية، مهما كان الميت بعيداً عنا، ويخالفنا في المعتقد والدين .. علمنا هذا وهو يقف متأدباً أمام جنازة رجل يهودي .. علمنا هذا وهو يزجر أصحابه الذين استكثروا عليه هذا الحزن والفقيد يهودياً بقوله "أوليست نفساً".
وصادقاً أقول أنني أدعو "لأمك" بالرحمة والمغفرة وواسع الجنان ..
المهم ألا تثقل أنت ميزانها بما يسوؤها ..
فالولد صنيعة أبويه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
التعليقات (0)