لايام صعبة..كان العالم يراقب ويتابع بقلق واهتمام محتبس الانفاس التطورات الامنية والسياسية الخطيرة على الارض في مصر مركزا ومحتسبا التعاطي او التصرف او الرد الذي سيصدر عن الرئيس حسني مبارك تجاه الانتفاضة الشعبية العارمة التي اشتعلت في وجه نظامه المحتضر والتي تسببت بها سياساته الخاطئة تجاه شعبه ووطنه وقضايا امته..
تكهنات كثيرة طرحت..قراءات وتوقعات قيلت..تصريحات..تأكيدات من هنا..ونفي من هناك..ولكن الكل كان يسأل عن ماذا يدور في عقل الرئيس..وماذا يدبر الرئيس..وما الذي سيقوم به..وما الذي سيأتي به الرئيس..
وجاء الرئيس..وتكلم..وافاض واطنب..وخطب..وتوعد..ووعد..وكذلك ..أثارت كلماته.. ووعده ووعيده..سيل من التحليلات والتصورات لما يمكن ان تكون عليه شكل المرحلة الانتقالية التي تتطابق مع تصورات الرئيس..
ولكن اكثر المحللين..او المختصين..او العرافين والمنجمين وقارئي الطالع..ما كان يتوقع ان يكون الرد او الثورة المضادة التي ستتفتق عنها عبقرية الرئيس..بكل خبراته الامنية والعسكرية الستراتيجية..ونياشينه وطلعاته الجوية..هو هذا الهجوم البلطجي الشوارعي المدبر من قبل النظام بطريقة قد تثير التساؤل عن مدى الصلاحية الاخلاقية التي تؤهله للاستمرار في الحكم.. والذي قد يكون اضاع من خلاله فرصة الخروج المشرف والمسؤول من السلطة..والظهور في مظهر الحريص على وحدة شعبه وسلامة وامن مواطنيه..
فعلى طريقة الكرسي في الكلوب ..كان تدشين الرئيس مبارك للفترة التي وصفها بانها ستكون فترة احلال الامن وتثبيت السلام واطلاق الحوار الوطني وتأمين الانتقال السلمي للسلطة..وكان هذا الجوق العجيب من البلطجية والمجرمين المحملين على دبيب الحمير والبغال والجمال والخيول ..هي الاوامر التي اصدرها الرئيس للداخلية للقيام بواجبها نحو حفظ الامن.. وتكليف جهاز الشرطة بالاضطلاع بخدمة الشعب باحترام كامل لحرياتهم وكرامتهم..
سويعات فقط ..كانت هي الفاصلة مابين الفوضى التى حاول ان يجعلها الرئيس مبارك الخيار الثاني للمصريين ..إذا تخلوا عن حكمه الاستبدادى..وبين اشتعال فتيل أعمال الشغب وسط القاهرة والإسكندرية وبعض المدن الأخرى من قبل قطعان من الغوغاء والارزقية مكون من خليط من رجال الامن المتنكرين بالملابس المدنيه مع مجموعه ما يطلق عليهم مسجلي خطر من عتاة اصحاب السوابق الاجراميه الذي يبدو انه تم اطلاقهم خصيصا من السجون المصريه لهذه الغاية..
مجاميع عبرت عن تأييدها للرئيس مبارك عن طريق اسلوبين متناقضين من التعبير..الاول عن طريق تنظيم تظاهرات احتفالية راقصة هازجة محملة بصور الرئيس التي تعود الى سبعينيات القرن الماضي..والتي تواجدت بالصدفة امام كاميرات الاعلام الرسمي المصري بالذات..وهذا ما لا اعتراض عليه..والاسلوب الثاني عن طريق مهاجمة المظاهرات السلمية المنددة بالحكومة بإلقاء الحجارة وباستخدام السكاكين وزجاجات المولوتوف..وهذا ما يطرح علامات استفهام بحجم الحدث عن الكيفية التي كانت تحكم بها مصر..
هذا الهجوم الذي يثير الحيرة والاستغراب عن الطريقة التي كانت تدار فيها الامور ..وما هي نوعية السلطة ..او النخبة السياسية..او الاقتصادية..التي تحتفظ بهكذا نوع من العلاقات التي اتاحت لها تنظيم مثل هذه الصولة "الجهادية المباركة"..وكيف يمكن ان نستوعب ارتباط نظام يعلي من شعار المواطنة والاستقرار وينادي بان الشرطة في خدمة الشعب.. مع احتفاظه بشبكة من العشرة الطويلة-وقد تكون الايادي البيضاء- مع كل هذا الحجم.. وهذا النوع.. وهذا السقط.. من البلطجية..
البلطجية..تلك الكلمة التي ستدين للنظام الى الابد بانه هو من ادخلها قواميس اللغة في العالم..وسترتبط باسم غلمانه وقواته ومرتزقيه الى الابد واركان حكمه..
هذا الهجوم يدل على تخلي النظام عن أي قدر من الحس السليم بطبيعة الاشياء..ويدفع بالبلاد الى ابعد ما يمكن من اللامعقولية..ويسقط تماما أهلية النظام وشرعيته وتمثيله للشعب المصري البطل..هجوم يدل على ان النظام في مصر هو أسوأ ما فيها..وان كل مشاكل مصر..وكل ما يندي جبين مصر..وكل ما يخدش حياء وسمعة مصر..وكل ما يهين شرف مصر..هو هذا النظام..
لقد أبان الشعب المصري البطل وجه بلده الناصع الوضاء الحضاري السلمي الشجاع الى العالم..وأبان النظام وجهه ..
لقد دق المصريون بايديهم يد القدر..واجابتهم السماء..وارادة الخير الكامنة في عمق حضارتهم السامية.. نصرا وعزا وجنودا مجندة..وجاءهم النظام بالبلطجية من كل فج عميق..
قال الشعب كلمته..وقالها النظام..
اللهم افتح بينهم..اللهم احكم بينهم بالحق..اللهم العن الأمهم خلقا..واقذرهم خلقا..واسودهم وجها..وأخسهم اصلا..وابعدهم عن خلق الانسان..
التعليقات (0)