مواضيع اليوم

كجراي الذي قتلناه وسرنا في جنازته - الحلقة الرابعة

 هنا نواصل النشر وننقل لكم الفصل الثالث تحت عنوان .. كجراي الصمت والغبينة

(1)
الشاعر كجراى يستحق إعادة إنتاج سيرة حياته بعد الموت ، فما نعرفه عن سيرته وأشعاره بمثابة برق في الظلام أو شعاع يأخذ شكل الكلمات . فبين ميلاده ووفاته عمر فيه الكثير من الأسرار والغموض والكبرياء .
لقد أثرى عبر مشواره الراكز على قاعدة الشعر العربي القديم تجربة الشعر العربي الحديث .
(2)
تجربة الصمت :
تحتل مفردة " الصمت " مكانة بارزة في تجربته الشعرية ، ففي ديوانه " الصمت والرماد " وردت كلمة الصمت أكثر من سبع مرات منها :
صمت له لون السديم ونكهة الأبد القديم
الصمت أجدى ليتنا كنا نعيش بلا قلوب أو شفاه
صمتها المطبق أنات ضمير متعبة
أما في ديوانه " الليل عبر غابة النيون " تزيد كلمة الصمت عن خمس وثلاثين مرة منها :
دعني مع الصمت الذي يومض كالفيروز في مرافئ النجوم
يخجلنى إمتداد الصمت ، لون الصمت ، عرى الصمت في جدب المسافات
ها أنت لا تعرف غير مقطعين للفراق والأسى حول جدار الصمت أو بوابة المسا "
إن دلالة كلمة الصمت ، مرتبطة بالسياقات التي توجد فيها " كما يقول د / رمضان بسطاو يسى ( يقترب الإنسان في تجربة الصمت من المقدس – وأنه حالة لا تقوم على نفى هموم الشخص بل إستيعابها ضمن الحياة ، فالصمت هو الينبوع لكل الأعمال التي تعبر عن وحدة الذات التي تعبر عن ذروة روحية أو قمة التواصل مع الغير ، وهو أيضاً رسالة عميقة لا يمكن التعبير عنها بالكلمات وبالتالي هو الملاذ الأخير في كثير من المواقف )
(3 )
عاش الشاعر كجراى سنوات مثقلة بعيون المخبرين والتوقيف من قبل المؤسسات العقابية وكان عزاؤه لأكثر من نصف قرن ذلك الصف الذي لا ينتهي من الأصدقاء الذين نمت صداقتهم كشجرة أحبوه وأحبهم . بعضهم تقبل العزاء في كجراى ثم رحل في أثره ، منهم الأديب والصحفي أحمد فتح الرحمن كان واحداً من الذين تخرجوا من مدرسة صحيفة الأخبار لصاحبها الراحل رحمي محمد سليمان والتي قال عنها الشاعر أبو أمنة حامد ( ما وجدته في مدرسة رحمي لم أجده في كلية الأعلام بالقاهرة ) ثم صديقه الذي رحل بعده الأستاذ / أحمد إبراهيم إسماعيل الذي كان يتمتع بذاكرة شاملة في الأدب والسياسة والرياضة ومشهود له بسرعة البديهة وحضور الطرفة ثم رحل في أبريل 2005م صديقه وعضو جماعة اولوس النشط الأستاذ البدري حسين

( لهم الرحمة ) وهنالك الذين نسأل الله لهم دوام الصحة ، الكاتب المسرحي والقاص مبارك حسن
أزرق والشاعر والباحث الأستاذ ميرغنى محمد ديشاب والأديب الناقد جابر حسين و ( أبو عزه ) الشاعر أحمد طه محمد الحسن الذي يحب ( الميرغنى ) والمتيم بجنة العشاق والملم بسيرة ( الأنقياء ) من رجالها .
عاش بينهم بثقة في النفس خالية من الغرور وبتواضع عامر بالتفاؤل في أشد لحظات الحياة صعوبة وشدة . لم تدفعه مرارة السنوات الطويلة أن يفكر يوماً مجرد التفكير في اهتبال الفرص وبيع دم الكرامة لم يفكر يوماً أن يكون أبو زيد السروجى ( من أبطال مقامات الحريرى ) الذي جسد فيه الراحل عبد الوهاب البياتى مأساة الشاعر أو الفنان الكاذب في قصيدته الممتازة " أبو زيد السروجى "
كان يغنى عندمـا أغـار هولاكـو
على بغـداد واستسلمت طـرواد
وعلقت في قلب " مدريد " وفى أبوابها
الأعـواد لأنـه كـان بلا ميعـاد
يظهر في كل زمـان ، راكبـاً بلغتـه
البرصـاء يتبعـه الجـراد والوبـاء .

انه لم يوظف شعره في بلاط ( الخليفة ) وهو موقف وإمتداد لموقف يذكرني بتعبير أورده المفكر توفيق الحكيم في كتابه ( عودة الوعي ) : ( إن الحاكم لا يريد من المفكر تفكيره الحر ...بل تفكيره الموالى )
( 4 )
الصمت ...و ...الليل:
في عام 1961 م صدر ديوان الصمت والرماد احتفت به حتى " الثورة " صحيفة السلطة الحاكمة آنذاك وفى عام 1987م أصدر ديوانه الثاني الذي أختار له اسم ( الليل عبر غابة النيون ) فالليل هنا أعمق من الظلمة العابرة التي تسبق ضوء الفجر لأنه فيما يبدو لا فجر له . أنه أشبه بليل الشاعرة الروسية ( أنا آخماتوفا ) زوجة زعيم ( كتاب الذروة ) الشاعر ( نموميليوف) الذي أعدمه ستالين وأرغمت آخماتوفا على الصمت والتي قالت شعراً :
"الليل يسير الليل الذي لا ينبئ بفجر "
إن عذاب هذا الليل ليس مرادفاً للسهاد ، إنه مدلول شمولى ...

 

( 5 )
كلمات من أجل نيسابور
( نيسابور مدينة عمر الخيام إبان الدولة السلجوقية في فارس سيطرة المذهب الشيعي عليها وكان الملالى لا يجبون الخيام وكان الخيام يدرك أن هناك نشئ يدبر له . لقد استدعى ليقف أمام محكمة كل قضاتها من الملالى . ( ودون إتاحة فرصة للدفاع أصدر القضاة حكمهم بحرق كل
كتب الخيام ونفيه خارج نيسابور ثم دفعوا الرعاع لمهاجمة مرصده فاحرقوه بكل ما فيه وراح الخيام يتأمل الحريق ثم استند في منفاه وهو في الثالثة والثمانين إلى أحد الجدران وصلى الصلاة الأخيرة وهو يردد في سجوده : ( الهم إنك تعلم إني عرفتك على مبلغ امكانى فاغفر لي فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك ) ثم اسلم نفسه الأخير ) .
القصيدة ( إشارة ) تتنزل منزله الكلام عن نيسابور ثانية التي استهلها الشاعر
(بآه نيسابور
قضاتها يمشون في دائرة الشيطان
يمتشقون السيف
يستثمرون مطر الحزن وغيم الصيف
يبررون الزيف
ومنطق الكارثة المريعة
يقايضون الخبز بالشريعة )
إلى أن يقول : -
( تحرسك الملائكة
يا ساحة الفيروز في اخضرارها
يا وطني تحرسك الملائكة ) .
( 6 )
لن نمل الانتظار :
وتأتى قصيدة لن نمل الانتظار التي كتبت قبل تنفيذ حكم الإعدام على شهيد الفكر والحرية الأستاذ محمود محمد طه .
( افتقدناك ضياء في أسارير الوجوه النابهة
كنت في إشراقة الفكر كبيراً
والذي أغتالك وجه من نفايات الوجوه الشائهة
قبلك إستشهد في المحنة رهط
وقرأنا سور التعذيب في وجه أبن حنبل


فليكن
هاأنت في محنتك الكبرى على الساحة أنبل )
تقول الوثائق في 25 ديسمبر 1984م وزعت جماعة الجمهوريين منشوراً تنعى فيه على نظام مايو 1969م إصدارة لقوانين سبتمبر التي شوهت الشريعة وطالب المنشور بالغائها .
قبض على الأستاذ محمود محمد طه باعتباره صاحب الفكر الجمهوري كما قبض على آخرين من تلاميذه قدموا لمحكمة جنايات أم درمان تحت المادة (96 ) عقوبات إذاعة ونشر أخبار كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد ولم يقدم في المحاكمة سوى المنشور كبينة وحيدة على التهمة .
وبعد جلسة لم تستغرق ساعة من الزمن صدر الحكم في اليوم الثاني بإعدام الأستاذ محمود محمد طه والآخرين .
وفي محكمة الاستئناف التي طلبت الأوراق ( من تلقاء نفسها ) لفحص الحكم جرت محاكمة جديدة في غياب المتهمين . قامت فيها المحكمة بجمع البيانات بنفسها لإثبات التهمة الجديدة ( الردة ) ومن ثم أصدرت في غياب المتهمين حكماً بالإعدام لردتهم عن الإسلام ومنحت كل المتهمين فرصة للتوبة فيما عدا الأستاذ / محمود محمد طه الذي أنكرت عليه فرصة الاستتابة .
وبعد يومين من هذا الحكم قام رئيس الجمهورية ( نميري ) وباعتباره أمام المسلمين بإجراء محاكمة أخري في غياب المتهمين فجمع بدوره بيانات وملفات وخطابات زعم أنه تيقن منها أن الأستاذ / محمود محمد طه مرتد ولا يستحق الاستتابة لأنه سبق أن استتيب بواسطة محكمة شرعية عام 1968م ولم يتب .
وفي اليوم الثاني لحكم الرئيس نميري اعدم الأستاذ / محمود محمد طه وحجب جثمانه عن أسرته ولم يعرف قبره وبطبيعة الحال لم تجر الشعائر الإسلامية لدفن ألموتي بالنسبة له فلم يغسل ولم يكفن أو يصلي عليه .
ها أنا أصرخ في سمع الخليفة
إن كل الخطب جوفاء
في منبره المحفوف بالجند سخيفة
كل تهريج الأناشيد هراء
وعيون الغضب الصامت سخط وإزدراء
يا حفيفاً من جناح الملك المرسل في غار حراء
قد قرأنا وتعلمنا
بأن الله لا يخذل جيش الفقراء

(7)
في ذكري المواطن / جمال عبد الناصر
آه من سيف العشيرة
حينما يمتد في دائرة الغدر
في قلب الظهيرة
كلما اطلع هذا المقطع من قصيدة في ذكري المواطن / جمال عبد الناصر أعود إلي 14 أغسطس 1975 وما نشرته مجلة الصياد اللبنانية بعددها رقم ( 1621 ) ( عبد الناصر قتل بسم الاكونتين ) هكذا قال المحامي المصري عبد الحليم رمضان الذي أثار قضية انتحار المشير / عبد الحكيم عامر وأكده الدكتور / علي دياب الكيمائي خبير السموم ، وقد جاء في رسالة مراسل الصياد من القاهرة الأتي :-
( وجه المحامي / عبد الحليم رمضان مذكرة إلي النائب العام المصري رداً علي بيان لصلاح نصر رئيس الاستخبارات السابق حول قضية إنتحار المشير / عبد الحكيم عامر وفي هذه المذكرة يستشهد المحامي بوقائع واراء تقول إن المشير مات مقتولاً بسم الاكونتين وليس انتحاراً وفي هذا الموضوع قال المحامي رمضان للصياد إن الزعيم الخالد / جمال عبد الناصر قد قتل بالطريقة نفسها ) لقد منع المحامي / عبد الحليم رمضان في الاستمرار بكشف هذه الجريمة بعد أن وعد قراء مجلة الصياد بكشفها .
تقول رواية لناصر السعيد ( انتهي اجتماع الملوك والرؤساء الخاص بوقف الدماء الفلسطينية المسفوكة في الأردن 1970م ( مجزرة أيلول ) إلي لا شيء وبدأ جمال عبد الناصر يودع ضيوفه وأثناء ما كان يودع آخرهم وهو حاكم الكويت صباح السالم الصباح في استراحة مطار القاهرة قدموا له سم الاكونتين الممزوج بكاس من عصير الجوافة وذلك في الساعة الرابعة إلا ربعاً من بعد ظهر يوم 28/9/1970م وفي الساعة السادسة تقريباً استشهد جمال ) .,
ويضيف السعيد ( لم يوقع طبيبه الخاص أن الوفاة ناتجة عن نوبة قلبية . ومعروف أن الاكونتين لا يبقي له آثر في جسم شاربه وإنما يبقي آثره في الأظافر والشعر لمدة ساعة فقط .
وقد قام شخص حامت الشكوك لحظتها حوله بقص خصلة من شعر رأس جمال عبد الناصر ليحللها فراح وحده وزعم أن التحليل لم يثبت أنه مسموم .
رحم الله أبا خالد .. فأصحاب المصلحة وحدهم يعرفون إن كان قد مات بنوبة قلبية أو أغتيل بسم الاكونتين وتبقي معاني هذا المقطع :
حينما كنت علي الساحة كانت
تتواري خجلاً كل الخفافيش الجبانة
ثم لما غبت جاء الزيف يستقطب أذيال المهانة

إنها حقيقة وثقها تاريخ الأمة العربية .
يا أبا خالد ماذا لو تأخرت قليلاً
مذ تغيبت تناثرنا على رمل الخطوب الهائلة
فتح الباب لطاعون الدجى القاتل رب العائلة
فإذا المجد سراب
والذي ينعق في بوابة الشرق غراب "
( 8 )
خاتمة :
يقولون أن إمرؤ القيس مات مسموماً وطرفه اغتيل غدراً والمتنبئ مات غيلة أما كجراى قتلته الغبينة ومن نماذج الغبينة أستشهد بما كتبه الأديب مجذوب العيدروس في عموده ( تأملات ) بجريدة الصحافة بتاريخ 8/10/2002م ( من النماذج الساطعة في موضوع السلطة والمثقف الشاعر محمد عثمان كجراى . ظل على موقف ثابت منحازاً إلى قضايا الجماهير وفى إحدى لجان المجلس المختص بالآداب والفنون في ظل حكومة مايو ... كانت المدولات حول نشر ديوان جديد للشاعر أواخر السبعينات وأوقف التداول أحد أعضاء اللجنة بسؤال حول ما إذا كان الشاعر على موقفه المعادى للسلطة ؟ وترتب على ذلك إبعاد الديوان من النشر بكل بساطة دون أن يناقش هذا المنطق .
وقد غاب الشاعر كثيراً عن أجهزة الإعلام طوال تلك الحقبة وأشهد أن ما لم ينشر من شعر كجراى يضعه في مرتبة سامقة بين شعراء الوطن العربي .. لا السودان وحده وهذه واحدة من نتائج التناقض بين المثقف والسلطة . )
كلمات من أجل نيسابور
وأهاً لنيسابور
تنؤ بالأحزان
فاجأها الدمار فاستلقت على قارعة الطريق
دامية العيون لاتملك أن تنفذ من دوامة الحريق
وريدها ينزف ،
نبض قلبها يهتز تحت خيمة الدخان .
فى ليلها يرتعش الصخر ،
يجوس الذعر فى خرائب المكان ..
يختنق الجماد، والنبات ، والإنسان
واهاً لها ترقد كالفريسة المخدره ..
تنام فى دائرة الظل كما الحقيقة المزوره..
تاريخها الناصع فى إمتداده
يرزخ تحت ثقل الآلية المجنزره .
لو مرة ًواحدةً تنمرت عيونها
لما غدت كالساحة المهجورة المسورة .
لأنهد عرش الصمت ،
جاء الصحو عبر اللحظة المدمرة .
أبحث فى دروبها عن ومضة الرفض
فلا ألمح غير غصة الفجيعة .
قضاتها يمشون في دائرة الشيطان ،
يمتشقون السيف .
يستثمرون مطر الحزن وغيم الصيف .
يبررون الزيف .
ومنطق الكارثة المريعة
يقايضون الخبز بالشريعة
في الساحل الموحش عبر اللحظات الحالكة
نعرفها طريقنا مخيفةً وشائكة
تحرسك الملائكة
يا ساحة الفيروز في اخضرارها
يا وطني تحرسك الملائكة

لن نمل الانتظار
قبل تنفيذ حكم الإعدام على شهيد الفكر والحرية الأستاذ / محمود محمد طه
افتقدناك ضياءً
في أسارير الوجوه النابههة
كنت فى إشراقة الفكر كبيراً
والذي أغتالك وجهٌ من نفايات الوجوه الشائهة
قبلك لستشهد في المحنة رهطٌ
وقرأنا سور التعذيب فى وجه ابن حنبل فليكن :
ها أنت في محنتك الكبرى على الساحة أنبل
من أدانوك أسميهم
سيوف البغي في دولة مهووس بن طنبل
نحن في حضرة مولاهم دعي الدين
في قبضة مأفونٍ وتنبل
روعت في غصنها الأخضر في الشط حمامه ..
مهرجان السخط يستعجل أشراط القيامة ..
لن نولى وجهنا شطر اليمامة
فليكن . فالمحنة الكبرى إذا عادت ،
فلن نهتز من صوت العصابات المخيفة ..
نصبوا الطاغي إماماً
بايعوا تحت ظلال القصر جيفه ..
آه ما أبعد هذا اليوم من يوم السقيفة ..
ها أنا أصرخ في سمع الخليفة ..
أن كل الخطب الجوفاء ،
في منبره المحفوف بالجند سخيفة ..
كل تهريج الأناشيد هراء ..
وعيون الغضب الصامت سخط ٌ وازدراء ..
يا حفيفاً من جناح الملك المرسل في غار حراء .


قد قرأنا وتعلمنا
بأن الله لا يخزل جيش الفقراء ..
ظلت المحنة سيفاً في رؤوس الأبرياء ..
والذي يرفع هذا السيف مرصودٌ
على رأس الطغاة الأشقياء ..
فإذا ما أنهك التعذيب كل الأوفياء ..
فلان الله قد أوسع عمر الاختبار ..
لن نمل الانتظار ..
كلنا إن لم تكن تعلم
لم يسرع بنا الحزن لذل الانكسار ..
قد تعلمنا على دربك معنى الانتصار ..،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في ذكرى المواطن جمال عبد الناصر
حينما أسمع صوتك
أحضن المذياع ، أغدو طائراً شب عن الطوق
تخطى بجناح الزهو أحزان البداية
حينما أسمع صوتك
يا أبا خالد تنداح الرؤى السوداء
ألقى موكب الخضرة يمتد إلى ما لا نهاية
وأرى نافورة الضوء على كل الخلايا
اعبرُ المحنةَ لا أذكرُ إلا
أنني في زحفي الصاعد فارقتُ أسايا
أتمنـي لو تكلمت
تكلمت ، تكلمت إلي ما لا نهايـة
ها أنا في ليلة الذكري أري
وجُهكَ مطبوعاً علي كل المرايا
قــد تألمــتُ طويــلاً
وتعذبنا لإحساسك بالجرح طويلاً
يا أبا خالد ماذا ، لو تأخرت قليلاً ؟
مذ تغيبت تناثرنا على رمل الخطوب الهائلة
فتح الباب لطاعون الدجى القاتل رب العائلة
فإذا المجد سراب
والذي ينعق في بوابة الشرق غراب
والأناشيد صدى يختزن العار
نياشين سلام الخذي في كل الصدور السافلة
حينما كنت على الساحة كانت
تتوارى خجلاً كل الخفافيش الجبانة
ثم لما غبت جاء الزيف يستقطب أذيال المهانة
وشهدنا العار يمشى
شامخ الجبهة في بيروت يغتال وميض الكلمات
وعلى مركبة الموت يشد الزيف من قامته
يختال مزهواً يجوب الطرقات
 

آه من سيف العشيرة
حينما يمتد في دائرة الغدر وفى قلب الظهيرة
فوق أعشاش العصافير الصغيرة
عين ((ميدوزا ))التي تصرع
لا مقلة زرقاء الضريرة
لفظت أنفاسها في آخر الليل المقاهي
أشرعت أبوابها بيروت تستقبل رواد الملاهي
يا إلهي
قلب صبراً قلب شاتيلا طوال الليل
يستقبل زخات الرصاص
قد تعرى كل أوغاد المدينة
يزرعون الموت في كل صدور الأمهات
وكأن الموت للأطفال درب للخلاص
قلب بيروت يغنى
حينما يهتز في دائرة الضوء الذليل
خصر راشيل النحيل
قلب بيروت يغنى
غادة تلبس ثوب العار لا تسأل عن إسم القتيل
قلب بيروت يغنى
وإنفجارات المدى تخمد ما أجهد من صوت العويل
قـلب بيـروت يغنـى
ودم الأطفال لون الورس
ينساب علي كل فجاج الطرقات
ظل مطبوعاً على كل الإطارات ، وفى أحذية الجند
وفى كل زجاج الحافلات
عرفت طعم المنايا

 



قبل أن تعرف ضوء الشمس كل اليرقات
رفت الذكرى وها نحن على كل الدروب القاحلة
قد تمزقنا فضلت في دروب الرمل كل القافلة
وجه حكامنا تفسخ خزياً
في دروب المراوغات الطويلة
كل يوم يمر يجرفنا الحزن
بأرض المفارقات الذليلة
عرب اليوم في المحافل عار
وركام من الخطوب الوبيلة
كلما استحكم الضياع تبدى
شبح الموت في العيون الهزيلة
استبدت بجرهم سمة الغفلة
عادت إلى انعزال القبيلة
في الحلقة الخامسة تستمعون بقراءة الفصل الرابع : قتلناه وسرنا في جنازته

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !