فقه الشائعات
مفهومها وآثارها وحكمها في الإسلام
العلامة السيد محمد علي الحسيني
يتعامل الإسلام مع الشائعات بطريقة صارمة، فهو يعتبرها من الأفعال المنكرة والمحظورة، كما أنها من أوجُه الافتراء والكذب على الناس، وإن نشرها والمساهمة في ترويجها يعد من السلوكيات السيئة التي تؤدي إلى تشويه السمعة وإثارة الفتن والاضطرابات في المجتمع.
إن الشائعات سلاح خطير قد يتسبب في تدمير الحقائق، وفرض البدع والتفسيرات غير الصحيحة؛ فهي تعمل على نشر الاشتباه، وإثارة الشك، والتسبب في الفتن بين الناس، وتقويض الثقة. كما قد يؤدي انتشارها إلى عدم الاستقرار في المجتمعات، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية، وتفكيك وحدة المجتمع.
يحث الإسلام المسلمين على الامتناع عن نشر الشائعات والتحقق من الحقائق قبل تداولها، بل يدعو إلى ضرورة الاطلاع على المصادر الموثوقة واستشارة العلماء، باعتبار ذلك هو الطريق الصحيح لمعرفة الحقائق وفهم الدين الصحيح. ناهيك أن على المسلمين أن يكونوا حذرين عند استقبال الشائعات وعدم تصديقها والوثوق بها ثقة عمياء، بل يجب أن يملكوا الوعي الكامل بأن الشائعات قد تُستغل لأغراض شخصية أو سياسية أو أمنية لغرض زعزعة استقرار المجتمع وإثارة الفتن.
آثار الشائعات في الإسلام
الإسلام دين يؤكد أهمية الصدق والنزاهة في التعامل والتواصل بين الناس، لذلك فإن الشائعات تعد من الأفعال المذمومة التي تتعارض مع مبادئه، لأنها تؤثر سلباً على الفرد والمجتمع ككل، فعندما ينتشر خبر كاذب أو شائعة، فإنها تؤثر على سمعة الأشخاص المعنيين، وتسبب الإضرار بهم وتشوُّه صورتهم، كما أنها تزرع البلبلة والفتن بين أفراد المجتمع، ما يؤدي الى انقسامات وقلاقل غير ضرورية.
وفي المنظور الإسلامي، نجد أن اللغة محصورة بالحقيقة وحدها والأدلة الشرعية، فعند نقل الأخبار والمعلومات، يجب أن يكون المسلمون على قدر من المسؤولية والتحضُّر في اختيار كلماتهم، والتأكد من صحة المعلومات قبل نقلها إلى الآخرين.
وقد حث القرآن الكريم صراحة على ذلك في قول المولى (عز وجل): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [سورة الحجرات: 6].
حكم الشائعات
يتضمن القرآن الكريم أمثلة تحذيرية واضحة بشأن خطورة نشر الشائعات والأقاويل الكاذبة، كما في الآية المتقدمة من سورة الحجرات؛ حيث يدعو الله تعالى أمة الإسلام بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. فهذه الآية تحث المسلمين على التأكد من صحة الأخبار قبل نشرها والتأكد من مصداقيتها.
كما لاحظنا من خلال السُّنة النبوية الشريفة أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) كان يحث أصحابه على توخي الدقة في نقل الأخبار ومنع نشر الشائعات، وفي الحديث: “مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ لِيُنْشِرَهُ فَهْوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ”.
وبناء على تعاليم الإسلام، ينبغي علينا أن نتعامل بحذر شديد مع الشائعات وندعم الحقيقة والمصداقية في الأخبار التي ننقلها ونحث الآخرين على فعل الأمر نفسه، ونعمل سوياً على منع انتشار الشائعات ونحافظ على سمعتنا وسمعة الآخرين، ونضع الأدلة والحقائق كأساس لنقل الأخبار، ولنكن دعاة للصدق والثقة في جميع التفاصيل التي نقوم بنشرها، حتى لا يمسنا العذاب وسخط الله تعالى، فهو القائل (جل جلاله): (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
خلاصة القول:
يجب أن نواجه الشائعات بالصدق والحكمة، ونسعى جاهدين الى نشر الأخبار والمعلومات الصحيحة، فالتعاون والتواصل الصادق هما ما يحققان السلام والاستقرار في المجتمعات.
وفي الختام، يجب أن نتذكر أن الشائعات تشكل خطراً يهدد التعايش السلمي، ووحدة المجتمعات وتماسكها، وتضرب أمنها واستقراها، لذلك يحذر الإسلام من الخوض فيها، ويحرمها ويرتب العقاب عليها. فعلينا أن نكون مسؤولين جميعاً، ونعمل على منع انتشارها، والسعي الى تعزيز الفهم الصحيح، وترويج الحقائق بصورة مستدامة لتحصين الأمن المجتمعي.
التعليقات (0)