فقه القرآن الكريم
العلامة السيد محمد علي الحسيني
إن القرآن الكريم كلام الله العزيز الحكيم، الذي أنزله على رسوله الأمين (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، سندا لنبوته بمعجزته الخالدة التي دلت على النبوة، وذكرى وموعظة وشفاء ونورا للعالمين، والمصدر الأول للتشريع عند المسلمين.فالقرآن كتاب عالمي وعلمي كامل ودائم، لكل البشرية، صالح لكل زمان ومكان، هاد للتي هي أقوم، أنزله رب العالمين للاستفادة منه في المعارف والأحكام والعقائد والتهذيب والأخلاق والعلوم والفنون والقصص وغيرها، ففيه تبيان لكل شيء «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد».
حجية القرآن الكريم
أجمع المسلمون كافة وبكل مذاهبهم على كون القرآن الكريم نزل حجة على الرسالة، وهو معجز صادر عن الله عز وجل، وحجة في كل مرافق الحياة والتي منها التشريع، ولا خلاف بين المذاهب والعلماء، بل بين المسلمين أيضا، ودلت كل الأدلة من القرآن الكريم المعجزة على حجيته بنفسه بقوله تعالى «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين» [النحل: 89]، كما نستدل على حجية القرآن الكريم بقول الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) في القرآن الكريم، فلم ينكر الرسول عمل المسلمين بمضامينه ونصوصه، بل حثهم على ذلك والتمسك به كما ورد في الأحاديث المتواترة، حيث كان - صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار - يطبق كل ما جاء به القرآن الكريم تطبيقا صحيحا، ولا يحيد عنه قيد أنملة يوضح ذلك كما وصف «كان خلقه القرآن».
كما أن أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ستكون فتن كقطع الليل المظلم»، قلت يارسول الله: وما المخرج منها؟قال: «كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأمن قبلكم، وخير من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه».
فقه آيات الأحكام
الإسلام باعتباره شريعة، لابد له من مصدر يستلهم منه شرائعه، والمشرع هو الله سبحانه وتعالى، ومصدر الشريعة الأول والدستور والمرجع الأساسي للمسلمين هو كتاب الله القرآن الكريم، فيرجعون إليه لمعرفة أحكام الله، من خلال فقه الآيات المتعددة كمستند لاستنباط الأحكام التكليفية للإنسان والتي قيل أنها تقارب الخمسمائة آية تتضمن أحكاما فقهية تخص حياة الإنسان، وتبين تكليفه عن طريق الواجب، المستحب، الحرام، المكروه، والمباح، في أبواب العبادات والمعاملات والأحكام (قصاص وحدود وديات)، وكان العمل بهذه الآيات قائما في زمن الرسول، وكان الصحابة يسألون النبي عن أي إبهام حولها، ولما توفي النبي أخذ الصحابة يستنبطون الأحكام من هذه الآيات ويعملون بها، وقد يختلفون حولها.
من هنا علينا أن نؤدي حق القرآن علينا ولا نهجره حتى لا تنطبق علينا الآية الكريمة والشكوى النبوية: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) ولا نكون مصداق الهجران ويشكونا القرآن كما في الحديث عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «ثلاثة يشكون إلى الله يوم القيامة: العالم المهجور، والمسجد المهجور، والقرآن المهجور».
صحيفة مكة المكرمة
التعليقات (0)