فقه الزكاة
العلامة السيد محمد علي الحسيني
العبادات المفروضة من الله (عز وجل) على المسلم المكلف والتي يجب عليه أداؤها أنواع، منها: عبادات قلبية، ومكانها القلب، والقصد، كالنية والإخلاص لله (عز وجل)، أو عبادات بدنية بفعلها، كالصلاة والصيام والحج والجهاد، أو قولية ومكانها اللسان، كالشهادتين وقراءة القرآن والدعاء والذكر، أو مالية ومكانها البذل المادي، كالنفقة على الأهل والديات والصدقة والكفارات و(الزكاة) وفيها محل كلامنا.
الزكاة ووجوبها: الزكاة من العبادات المالية ومن أهم المصادر المالية والبرامج الاقتصادية في الشريعة الإسلامية، ووجوبها من ضروريات الدين الإسلامي، وهي ركن من أركانه، ومورد اتفاق المسلمين.
وينبغي على المسلمين أداء هذا الواجب الشرعي، وهو دفع مقدار معين من المال إذا وصل إلى حد النصاب من 9 أشياء.
ونستند على وجوبها من خلال القرآن الكريم قوله تعالى: (فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)، والمقصود (ويؤتون الزكاة) الواجبة لمستحقيها.
وقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة)، والمراد بالصدقة هنا الزكاة، ويستدل بالأمر على وجوب دفع الزكاة.
وقوله تعالى: (الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)، يستدل بها على أن المتخلف عن دفعها يستحق العقاب لتركه أدائها.
وقد ذكرها الله مع مشتقاتها في 59 آية، في 29 سورة، 27 منها إلى جانب الصلاة، واقتران الزكاة بالصلاة دليل على أن الله تبارك وتعالى قد فرض الزكاة كما فرض الصلاة، كما في قوله تعالى: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون)، وقوله تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون)، وقوله تعالى: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون)، وقوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة)، وقوله تعالى: (...والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)، وقوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة..).
فمن خلال هذه الآيات يستدل على وجوب الزكاة.
وينبغي على المسلمين أداء هذا الواجب الشرعي، والذي خصص له في الفقه باب باسمه (الزكاة) مما يدل على أهميتها.
ونروي بعض ما يستدل به على وجوب الزكاة في الروايات: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): "الزكاة قنطرة الإسلام فمن أداها جاز القنطرة ومن منعها احتبس دونها وهي تطفئ غضب الرب".
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) بينما كان يصلي في المسجد إذ قال: "قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى أخرج خمسة نفر، أخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون".
وعن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام ) قال: «لما نزلت آية الزكاة «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها» أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس: «إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة»، ولما حال الحول أمر (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في المسلمين: "أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم".
وعن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "إن الله عز وجل أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته".
علة وحكمة الزكاة
من المعلوم أن الأحكام الشرعية الواجبة تابعة للمصالح في علتها وحكمتها وكذلك الحال بالنسبة لحكم وجوب الزكاة، ففيه مصالح متعددة منها: الفائدة المالية لبيت المال، ومنافع اقتصادية، وتطهير للأموال وزيادة فيها، ودعم ومساعدة الفرد، وتعاضد المجتمع ومساواته.
عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام ) مبينا علة وجوب الزكاة بقوله: "إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، ولاستغنى بما فرض الله عز وجل له، وإن الناس ما افتقروا، ولا احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء".
وفي علة وجوب الزكاة عن الإمام علي الرضا(عليه السلام): «علة الزكاة من أجل قوت الفقراء، وتحصين أموال الأغنياء، لأن الله تعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة من البلوى، كما قال عز وجل: (لنبلونكم في أموالكم وأنفسكم) في أموالكم إخراج الزكاة وفي أنفسكم توطين النفس على الصبر.
مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عز وجل، والطمع في الزيادة، مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف، والعطف على أهل المسكنة، والحث لهم على المساواة، وتقوية الفقراء، والمعونة لهم على أمر الدين، وهي عظة لأهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم".
فيما تجب فيه الزكاة
فالزكاة واجبة في الغلات الأربع (الحنطة والشعیر والتمر والزبیب)، وفي الأنعام الثلاث (الإبل والبقر والغنم)، وفي النقدین (الذهب والفضة المسكوكین بسكة رائجة) على تفصيل تحقق الشروط الخاصة للموارد المذكورة وبلوغها الكمية والعدد، فعندها يتعلق حكم بوجوب دفع زكاتها وفقا لنسبتها.
موارد صرف الزكاة
مستحق ومصرف الزكاة محصور في ثمانية موارد هم الفقراء والمساكین من غیر بني هاشم، والغارمین، وفي سبیل الله، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، وابن السبيل، كما بينت ذلك آية الزكاة بشكل واضح وصريح وحصري: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾.
خلاصة فقه الزكاة: إن الله (عز وجل) شرع لنا وفرض علينا عبادات متنوعة خلقنا من أجل تأديتها، وهي اختبار لنا وابتلاء ورفع مرتبة ودرجة، منها: (الزكاة) وهي ركن في الإسلام وعبادة مالية مخصصة يجب تأديتها على من تحققت فيه شروطها وفوائدها ومنفعتها على الفرد والمجتمع دنيويا وأخرويا، وفيها الأجر الكبير والثواب العظيم، فهي تجارة رابحة مع الله، وما كان لله ينمو بالزكاة.
التعليقات (0)