مواضيع اليوم

كتب العلامة السيد محمد علي الحسيني عن فقه الإطعام

فقه الإطعام

http://www.mohamadelhusseini.com//pic//1338500055.jpg

العلامة السيد محمد علي الحسيني


إن الإسلام دين حياة، لذلك فقد نظم مجموعة من الأحكام الشرعية للكثير من المواضيع التي تشكل جوهر الحياة، فبالإضافة إلى اهتمامه بالعبادات لم يكشح نظره عن المعاملات، خاصة إذا تعلق الأمر بأحد المواضيع المهمة التي يمارسها الإنسان يوميا ولا يملك الاستغناء عنها والعيش من دونها، فالمسألة تتعلق بالطعام الذي جعل له الشارع الحكيم فقها شاملا ومستقلا نظرا لأهميته، فقها يتناول الأحكام الشرعية المتعلقة بالطعام.


ونظرا للانتهاكات الكثيرة التي تطال هذه النعمة، فقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية لتضبط هذا السلوك الذي قد تكون له تداعيات سلبية خطيرة على مستوى الأفراد والمجتمعات، فجعل الأصل في الطعام الحلية (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، وما حرم منه سوى الخبيث (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث).


كما سن رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) آداب الطعام وجعلها راسخة باعتبارها من الآداب العامة، كما أنه دعا إلى مشاركة الطعام وجعل ذلك من الأهمية بمكان لمحاربة المجاعة التي لا تزال تفتك بالبشر في مختلف مناطق العالم.


نظرة الإسلام للطعام

إن للإسلام رؤية متوازنة لمسألة الطعام، فهو يحفظ وجود الإنسان وحياته؛ إذ الامتناع عنه مهلكة وإلقاء للنفس في التهلكة (كلوا واشربوا من رزق الله).


وقد جعل الله الطيب منه حلالا والخبيث منه حراما، وجعل لحلاله قدرا لا ينبغي الإفراط أو التفريط فيه؛ فقد قال الحكماء قديما: «المعدة بيت الداء»، وقال رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت على الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس». وللإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) رسالة ذهبية فيها من الحكمة والبيان ما فيه شفاء ودواء يحفظ سلامة وصحة الإنسان من سقم الأبدان: «كل البارد في الصيف، والحار في الشتاء، والمعتدل في الفصلين على قدر قوتك وشهوتك، وابدأ في أول طعامك بأخف الأغذية الذي تغذي بها بدنك بقدر عادتك وبحسب (طاقتك) ونشاطك وزمانك...».


كما أن للطعام آدابا يجب مراعاتها وهي تعكس الأخلاق الإسلامية للإسلام؛ فعن رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) أنه: «ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله، وإلا تركه ولم يأكل منه، وكان يحب اللحم والحلواء والعسل، وكان يأكل الخبز مأدوما ما وجد إداما».


كما حث ديننا على ضرورة غسل اليدين قبل الأكل، وذكر اسم الله قبل الأكل «من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره» . كما يجب الأكل باليمين إلا لعذر.


ومن الآداب أن يأكل الإنسان مما يليه من الطعام، فلا تمتد يده إلى ما يلي الآخرين، وفيما رواه عمر بن أبي سلمة، قال: «كنت غلاما في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، قال: فما زالت تلك طعمتي بعد».


وهناك غير ذلك من الآداب الأخرى التي حث عليها ديننا الحنيف والتي ترسخ القيم الأخلاقية للإسلام واهتمامه بأدق التفاصيل.


دعوة الإسلام إلى إطعام الجائع وكل ذي لسان رطب

من المميزات التي جعلت الإسلام دينا عظيما حثه المسلمين على مشاركة الطعام مع الآخرين لوضع حد للأنانية والتبذير، فوضع حدا لرمي بقايا الطعام.


ولزرع مفاهيم التعاضد والتكافل حارب الإسلام الجشع بكل صوره ومظاهره، لذلك دعا إلى إطعام الفقراء والمساكين والضيوف، وإقامة المأدبة والولائم (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا).


كما أنه أجاز لأهل الكتاب أن يأكلوا من طعام المسلمين والعكس صحيح مع احترام الحدود الشرعية للحلال والحرام من الطعام بالنسبة للمسلمين (أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم).


ولشدة اهتمام الشريعة بالإطعام جعله موردا لكثير من الكفارات (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم).


كما أن حكم الإطعام يختلف باختلاف موارده، فهو واجب على المكلف، كما في الكفارات والنفقة الواجبة والأسير والمسجون، وحالات الضرورة كسد الرمق. وقد يكون مستحبا كما هو الحال في الصدقات والقربات، كالإطعام في الأضحية، والعقيقة، ومآدب بمناسبات مختلفة كالولادة والختان والأعراس.


وفي المقابل قد يصبح الإطعام غير جائز، فيحرم إطعام الظالمين والفاسقين، من باب عدم دعمهم على الظلم والعصيان.


وبما أن الهدف من الإطعام ليس فقط سد الجوع فحسب، بل لزرع المحبة بين الجميع، كره الإسلام دعوة الأغنياء دون الفقراء إلى المأدبات، حيث نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) عن طعام وليمة يخص بها الأغنياء ويترك الفقراء، وما ورد عن أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) في كتابه إلى عثمان بن حنيف: «أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم، عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو»، وهو أمر قبيح وبعيد كل البعد عن القيم الإسلامية والإنسانية.


خلاصة القول: إننا ملزمون جميعا بتفعيل فقه الإطعام، وهو رسالة إنسانية عالمية مصدرها الإسلام الذي أسس منظومة شاملة من الأحكام الفقهية للقضاء على أزمة الجوع في العالم بأسلوب حضاري.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات