رويبضة التواصل الاجتماعي يفتون بما لا يعلمون
تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات لـ»مفتين» مجهولين ولديهم عدد كبير من المتابعين، وتراهم يصدرون الفتاوى لرواد الفضاء الافتراضي الذين يتلقفونها دون تمحيص أو دراية أو معرفة لهذا الشخص مدعي العلم وهو لا يملك منه سوى حروفه، فمهمة واختصاص الإفتاء والدعوة والتبليغ والتوجيه والوعظ والإرشاد الديني يختص بها أهل العلم الذين درسوا وتخرجوا من الجامعات والمعاهد الدينية المختصة، ونالوا إجازات تخولهم القيام بمهامهم الدينية من منابرها المعتادة التي يتحلق حولها المريدون اختيارياً وبمتابعة دائمة واهتمام مباشر من جامعاتهم أو الوزارات المختصة، واليوم نرى الفوضى الهدامة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث أصبح يؤدي مهام الفتوى والحديث في الشؤون الدينية كل من كان له متابعون ولو وهميين من إعلاميين ومهندسين، وأطباء، وإداريين، ومحاسبين، وشبه المتعلمين، وغير المتعلمين، والمتفرغين، وما يزيد الطين بلة أنهم يأخذون دينهم عنهم، بل ويقومون بالترويج لهم.
إن دراسة الشريعة الإسلامية تتم في الجامعات وهي علم له أصوله ومقوماته، بل من أصعب العلوم وأدقها، وهي بحر الغوص فيه ليس لكل من هب ودب، ولكن للأسف الشديد كل من تعلم آية أو آيتين دون معرفة حتى لمعانيها يبدأ في إطالة لسانه في إصدار الفتوى للناس، والأدهى والأمر أن في زمن مواقع التواصل الفتوى تصدر من صفحات وشخصيات غير معروفة ويتناقلها الناس وتنتشر في البيئة الافتراضية ثم في المجتمع كالنار في الهشيم، فهؤلاء ينطبق عليهم حديث الرويبضة، فهم التافهون الذين لا يملكون أي خلفية علمية أو عمق أو اختصاص في العلوم الدينية ويضرون بالمجتمع الذي يتأثر بهم ويأخذ معلوماته الدينية، فضلاً عن العقيدة والشريعة والمفاهيم الإسلامية من غير أهلها، فيقع صاحبها بانحراف وتطرف من خلال فكره أو مفهوم خاطئ يبني عليه، وهكذا ينتشر الجهل والانحراف والتطرف والتعصب المبني على الباطل، فضلاً أن هناك من يتصيد في المياه العكرة، فهناك من وجد ضالته في من يفتي له، ويفسر آيات الله وأحكامه وفق أهوائه، وبما يريده المستمع ويرغب به، والأخطر من ذلك هو تعلق عوام الناس ببعض من ينطق في الأمور الدينية ويخلط فيها ويمرر أفكاره السامة ليصبح حجة على هؤلاء يسمعون له ويأخذون بقوله ويعملون وفق فكره.
يسهل في الحياة الواقعية اكتشاف أولئك الذين يقومون بالإفتاء عن غير علم ولم يدرسوا الشريعة الإسلامية، فهم لا يجرؤون حتى على الظهور علناً، ولكن على مستوى الحياة الافتراضية من الصعب معرفة من يكونون لوضع حد لهم ليس كما هو الحال في الحياة الواقعية فهم يتسترون وراء الشاشات يظهرون علماً وهم لا علم لهم ويدعون المعرفة وهم جاهلون، ومثل هؤلاء يشكلون خطراً حقيقياً على مجتمعاتنا الإسلامية، بل على الإسلام في حد ذاته، لأنهم يشوهون الكثير من المفاهيم الإسلامية التي تنبض بالقيم الإنسانية والحضارية ويعكسونها إلى النقيض، ليجعلوا من هذا الدين وسيلة لتقسيم الأمة وبث الكراهية في أوساطها وعكس صورة الإسلام المشرقة الداعية إلى الوحدة «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» والمحبة والتسامح «هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنينَ وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم».
إن الأوان حان لوضع حد لهذه الفوضى الهدامة على مواقع التواصل الاجتماعي باتخاذ القرارات الرادعة لوقف هؤلاء الرويبضة من خلال التبليغ عنهم، وإغلاق صفحاتهم، كما ينبغي على الجهات الدينية المختصة أن تؤسس جهة خاصة بمراقبة ومتابعة هؤلاء وفضح مشاريعهم ومخططاتهم لبث الوعي لدى الناس لتحصينهم من هذه الظاهرة الخطيرة.
جريدة الرياض
https://www.alriyadh.com/2026060
التعليقات (0)