الفقه الإسلامي علم متجدد
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
لا يخفى على ذوي النهى أن علم الفقه من أهم العلوم الإسلامية الذي يتكفل بتعليم وتربية روح الإنسان وتصحيح أفعاله وأقواله على ضوء الشريعة المقدسة، فإنه ذو مقام رفيع ومنزلة شامخة دون علم العقائد برتبة ودرجة، ويضارع علم الأخلاق ويقارنه في الشرف والمنزلة والرتبة.
إن الفقه في حياة المسلم والمسلمة هو بمثابة القانون الإلهي الذي ينظم حياتهما ونشاطهما المختلفين، فليس بوسع إنسان أيا كان أن يمارس الحياة ممارسة سليمة وطيبة ما لم يطلع على القانون الذي ينظمها، ويدير دفة شؤونه على ضوئه، وإلا فمن دون القانون تأخذ الحياة الاجتماعية منحى الهمجية وسبيل الغوغائية والفوضوية، وتسودها النزاعات والعدوان، قال الله تعالى في كتابه الكريم: ( ومَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فقدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )[الطلاق:1].
ومن هذا المنطلق العقلاني والشرعي يجب على كل مسلم أن يطلع على هذا القانون، ويتعلمه منذ اللحظة الأولى لدخوله دور المسؤولية في حياته، يعني حين دخوله سن التكليف الشرعي سواء الرجل أم المرأة، بل الأولى أن يتمرن عليه قبل فترة من سن البلوغ.
الفقه تخصص لتنظيم حياة المسلم
لقد بلغت الشريعة الإسلامية حدا من الحرص على تنظيم الحياة الاجتماعية؛ بحيث إنها لم تكتف بإلقاء القانون المطلوب بين يدي الإنسان، ولا بالدعوة إلى تطبيقه، ولا بحث الآباء على تدريب الأبناء وتمرينهم عليه قبل سن البلوغ، وإنما أضافت إلى ذلك كله دعوة المسلمين كافة إلى انتداب طائفة خاصة منهم تأخذ على عهدتها مهمة دراسة الفقه والتخصص فيه لتتصدى إلى دور المرجعية القانونية والفكرية في المجتمع الإسلامي، قال سبحانه وتعالى: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].
ومن هنا ظهر الفقه كتخصص علمي يتطلب وجود أساتذة ومتخصصين، ومناهج دراسية، ويفترض وجود طلاب يتلقون الدروس في الجامعات العلمية، ثم يتعمقون فيها مرحلة بعد مرحلة حتى يبلغوا مرحلة الاجتهاد والفقاهة واستنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
كما ظهرت صياغات ومنهجيات ومصطلحات خاصة - كالقواعد الفقهية - يستعملها الفقهاء في أساليبهم الاستدلالية التخصصية على ما يتوصلون إليه من آراء ونظريات وفتاوى، كما هو الشأن في سائر التخصصات العلمية والفنية.
ثم إن موضوع (علم الفقه) هو (أفعال المكلفين) الفردية من العبادات والمعاملات، والاجتماعيات أو المالية وغير ذلك. ومن التزم بما أمر الله سبحانه وندب إليه، وانزجر عما نهى عنه وكرهه، فقد فاز بالحظ الأوفى، وارتقى الدرجات العلى.
علم الفقه متطور متجدد لتلبية حاجة الإنسان ومتغيرات العصر
لقد تطور علم الفقه، وحاز السبق بتجدده وتماشيه مع كل عصر وفي كل مصر، لا سيما في المسائل الجديدة والمستحدثة المعاصرة، وأدى هذا التطور والعصرية إلى دراسة الفقه دراسة معمقة وحديثة بين آونة وأخرى، تبتني على المباني الأولية والأدلة التفصيلية من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وعلى أسس جديدة وقواعد حديثة في أصول الفقه.
وقد تعهد علماء الأمة الأعلام وتصدوا - ولا يزالون - لبيان الأحكام الفقهية، وكيفية الاستدلال عليها واستنباطها من مداركها الشرعية؛ قال تعالى: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ )[النساء: 83].
وهكذا بدأ نمو حركة الاجتهاد الفقهي وتطوره فضلا عن العلوم المرتبطة بهذه الحركة الفقهية، وقيض الله لهذا العلم المبارك أيضا فطاحل وعباقرة عمقوا أبحاثه، واكتشفوا آفاقا جديدة، ومعالم حديثة، لم يفتحها الله على من سبقهم.
ولا يزال علم الفقه وأصوله في تقدم وتطوير ونمو شامل وعام، مصداقا لقوله تعالى: ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ).
التعليقات (0)