الحج وبناء الجسور
العلامة السيد محمد علي الحسيني
يعتبر الحج واحداً من أركان الإسلام الخمسة، وله منزلة خاصة تتجاوز مجرد كونه شعيرة دينية إلى أنه جسر للتواصل والتقارب بين المسلمين من مختلف المذاهب.. لقد قال الله تعالى: «ليشهدوا منافع لهم»، محدداً أن من بين هذه المنافع، الجمع بين المسلمين من كل فج عميق.. في هذا المقام، لا يسعنا إلا أن نتأمل كيف أن مناسك الحج تمثل فرصة فريدة لمحو الفوارق وتعزيز الوحدة بين أتباع الإسلام، وبناء جسور التواصل والمحبة والإخاء بينهم.. تختلف الفوائد التي يجنيها المسلمون من أداء فريضة الحج، ولكن الفائدة الروحية تظل في مقدمة هذه الفوائد.
إن الشعور بالوحدة والإخاء الذي ينشأ بين حجاج بيت الله الحرام، بغض النظر عن مذهبهم أو جنسيتهم، يعزز من قدرتهم على تجاوز الخلافات والنظر إلى ما هو أكبر، ألا وهو الانتماء إلى الأمة الإسلامية ككل. لا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه الحج في جمع شمل المسلمين من جميع أنحاء العالم. هذا التجمع الضخم في مكة المكرمة كل عام هو تجسيد حي للتنوع داخل الأمة الإسلامية، ودعوة حقيقية للوحدة والتسامح بين مختلف المذاهب والثقافات الإسلامية.. وعن دور الحج في محو الفوارق خلال أيام الحج، تتلاشى الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الحجاج، حيث يرتدون جميعاً إحراماً يمثل البساطة والتوحد، وهو ما يؤكد على مبدأ المساواة في الإسلام ويعمل على محو الفوارق بين المسلمين، مما يعزز شعور الانتماء لأمة واحدة.. ويوفر الحج فرصة ثمينة للتواصل والحوار بين المسلمين من مختلف المذاهب، من خلال الجلوس معاً وتبادل الخبرات والأفكار، هذه اللقاءات تعزز من الفهم المتبادل وتفتح آفاقاً جديدة للحوار البناء، مما يسهم في تقوية العلاقات بين المسلمين ويقود إلى توحيد الصفوف.
إن انصهار المسلمين من مختلف البقاع والمذاهب في مكان واحد وقلب واحد خلال مناسك الحج، يجعل من الحج رمزاً حياً لبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية. هذه الروح الجماعية والشعور بالانتماء إلى أمة واحدة هو درس في الترابط والتآزر يتجاوز زمان الحج ومكانه، ليبقى نبراساً يضيء طريق المسلمين في مشوار حياتهم الروحية والاجتماعية.. ويقدم لنا الحج درساً قيماً في الوحدة والتسامح والمحبة بين المسلمين، ويظل أحد أقوى الأمثلة على قدرة الدين الإسلامي على توحيد أتباعه في كل زمان ومكان.
دعونا نستلهم منه العبر ونعمل على تعزيز بناء جسور التواصل والتفاهم بيننا، لنشيد معاً مستقبلاً أكثر إشراقاً لأمتنا الإسلامية.
التعليقات (0)