كبسولات تأمينية (1) قانون الأعداد الكبيرة
بقلم د/صديق الحكيم
MB BS, HQM, IFCE
فاتحة القول
ما كان للتأمين بصورته المعاصرة إن يظهر لولا اكتشاف ما سمي في علم الإحصاء قانون الأعداد الكبيرة. ذلك إن سر التأمين ينكشف في الإجابة عن السؤال: كيف يمكن من خلال تجميع المخاطر على مستوى مجموعة من الأفراد (وهو عمل شركة التأمين) إلى تقليل المخاطر التي يواجهها كل فرد من تلك المجموعة (وهو غرض المستفيد من التأمين) إنه قانون الأعداد الكبيرة (أو قانون المتوسطات).
يعود إكتشاف هذا القانون إلى عدة قرون مضت عندما لاحظ الرياضيون في القرن السابع عشر في أوروبا عند أعدادهم لقوائم الوفيات إن عدد الموتى من الذكور والإناث من كل بلد يميل إلى التساوي كلما زاد عدد المسجلين في القائمة. وقد أصبحت دراسة هذه الظاهرة جزءاً من علم الإحصاء عندما كتب عنها سيمون بواسان وسماها قانون الأعداد الكبيرة لما بدا له من إنها تشبه نواميس الطبيعة.
وقانون الأعداد الكبيرة يتعلق باستقرار تكرار بعض الحوادث عند وجود عدد كافٍ منها، مع أنها تبدو عشوائية لا ينتظمها قانون إذا نظر إليها كل واحدة على حدة. مثال ذلك مصيبة الموت فهي تبدو خبط عشواء لا يمكن التنبؤ بوقوعها على فرد بعينه، ولكننا لو تحدثنا عن عدد الوفيات التي ستقع خلال العام الحالي في مدينة الأسكندرية على سبيل المثال لأمكن – بناءاً على الخبرة السابقة- إن نتوقع عدد الوفيات بشكل دقيق (إذا سارت الأمور على طبيعتها). نحن نعلم إن القول بأن أحداً لن يموت خلال العام في مدينة يسكنها أكثر من 5مليون أمر لا يقبل. وإذا استثنينا الكوارث والمصائب العامة والتغير الكبير في عدد السكان فان الاحتمال الأكبر إن عدد الوفيات هذا العام لن يختلف كثيراً عن الأعوام السابقة.
فإذا كان لدينا عدداً كافياً من أعوام سابقة نستخرج منه متوسط فربما استطعنا توقيع عدد الوفيات لهذا العام بكل سهولة وبمستوى عالٍ من الدقة. هذا القانون الإحصائي هو الأساس الذي يقوم عليه التأمين.
خاتمة القول
إن الاستحالة التي تبدو قطعية عند محاولة توقع حادثة معينة تنقلب إلى ما يشبه اليقين إذا كان ما نحاول توقعه هو عدد كافٍ من الحوادث المشابهة. فنحن لا نستطيع إن نعرف إن كان زيد أو عمرو سيتعرض لحادث اصطدام في سيارته خلال العام الحالي لأن ذلك في علم الغيب. ولكننا نستطيع إن نعرف بشكل بالغ الدقة كم عدد الناس الذين سيتعرضون لحوادث السيارات في مدينة الأسكندرية خلال هذه السنة، اعتماداً على وجود عدد كافٍ من السنوات التي نستطيع منها إن نستنتج ما نريد بناء على قانون الأعداد الكبيرة.
والله من وراء القصد
الأربعاء 09052012
للتواصل مع الكاتب:
Sedeeks2011@twitter.com
التعليقات (0)