كانت البطولة فيما مضي بطولة القلم وأصبحت اليوم بطولة القدم.

عجيب أمر هذه الساحرة المستديرة. تجاوز الغرام بها كل الحدود. فبدت كأنها سحر مستمر. استولي علي عقول البشر.
إذا أعلنت وسائل الإعلام عن مسابقة كروية ضبط الناس أعمالهم طبقاً لجدول المباريات أو شدوا الرحال إلي مكانها أو أهملوا ما عداها. وتفرغوا لها تماماً وجلسوا أمام التليفزيون. حتي ولو كانت المباراة في ساعة متأخرة من الليل أو مبكرة في الصباح قال عالم الاجتماع فرتيس ستيف خلال مسابقة كأس العالم بإيطاليا 1990 ان كرة القدم بدت وكأنها دين مدني أو علماني.
ولعل السبب في شعبية كرة القدم واهتمام الناس بها انها تقدم مثالا واضحاً لفلسفة الحياة يتجلي فيها الصراع الذي يمثل قانون الوجود الأول. وإن اختلفت اسبابه واشكاله ودوافعه. فيها الدفاع والهجوم والاهتمام والالتحام. والمراوغة والمناورة والاستراتيجية والتكتيك.
كما تتميز بندرة أهدافها بالقياس إلي اللعبات الأخري وتؤدي بالقدمين وسائر البدن ماعدا اليدين "باستثناء حارس المرمي" يشارك فيها عدد كبير من اللاعبين "11 لاعبا". وملعبها من أكبر الملاعب. وقوانينها معلومة لمعظم الناس والأدوار فيها واضحة ومحددة ويمكن متابعتها بسهولة سواء في الملعب أو الشاشة الصغيرة أو الإذاعة كما تتضمن عدداً كبيراً من المهارات فتبدو كأنها الوسط الحسابي لسائر اللعبات. فيها الجري. والوثب. والمواجهة. والحركات الإيقاعية. والأفكار المتجددة والأهداف الجميلة ولا تحتاج إلي أجهزة أو أدوات كالمضارب وغيرها. وهي وسط بين الألعاب العنيفة المصارعة والملاكمة. وبين الألعاب الرقيقة كالتنس والجمباز.
وكرة القدم تجسد ايضا فكرة العمل الناجح الذي يعتمد علي روح الفريق مع توفير الفرصة للمهارات الفردية.. وعلي هامش دراسة ميدانية عن "الصفحات المتخصصة في الصحافة القومية" سألت عينة من قراء الصحف في المدن والقري "بالقاهرة والدقهلية" عن سر اهتمام الناس بكرة القدم أكثر من غيرها فقالوا انها:
سهلة الممارسة الكل يمارسها منذ الصغر. لا تحتاج إلي أجهزة أو إمكانيات.
نجومها من المشاهير تدر علي لاعبيها ربحاً وفيراً. لعبة محبوبة وشيقة ومثيرة فن جميل ممتع وجذاب فن عظيم كالموسيقي تحافظ علي الصحة تأكيد للذات. ترفيه عن النفس. أقرب اللعبات إلي واقع الحياة يستطيع الجمهور الحكم عليها. قوانينها واضحة ومعروفة. إشباع رغبة لمن يمارسها أو كان يمارسها. لعبة جماعية. موضوع للحوار والمناقشة. تحتاج إلي قدرة ذهنية وبدنية عالية. فيها فن ومهارة. تحتاج إلي موهبة أكثر من غيرها. انتماء للوطن. انتماء لفريق معين. اهتمام وسائل الإعلام بها. تنمي الروح الرياضية. تنمي الذكاء والقدرات العقلية. اضافة للمعلومات العامة. تجسد القيم المختلفة كالبطولة الشجاعة والقوة والتضحية تقرب الشعوب والمجتمعات. للبحث عن مجد أو انتصار. يحبها الناس لذاتها. رغبة داخل الإنسان تحتاج إلي إشباع.
أما الرأي المختلف الوحيد فجاء علي لسان إحدي السيدات: قالت:
- قلة عقل وخيبة أمل.
ومن قبلها قال الأديب الكبير توفيق الحكيم:
- كانت البطولة فيما مضي بطولة القلم وأصبحت اليوم بطولة القدم.
لا بأس ان نجمع بين التفوق في كرة القدم والمجالات الأخري الأهم.