بقلم
خالد طاهر
تستورد مصر قمح بما يوازى 16 مليار جنيه سنويا واشترت 5.46 مليون طن قمح من الخارج في السنة المالية 2013-2014، إضافة إلى 3.7 مليون طن من إنتاج القمح المحلي ..وبلغ متوسط الانتاج المحلى من القمح عام 2012 نحو 8.7 مليون طن ووصل قيمة الاستهلاك المصرى من القمح 18 مليون طن سنة2011 طبقا لبيانات تقرير المرصد المصرى للغذاء الذى يرى أن هناك خمسة مليون طن من القمح المحلى يستهلكه الفلاحين المنتجين للقمح مباشرة فى منازلهم ولايطرح فى السوق.
وبما أن مصر تصنف على انها أكبر دولة مستوردة للقمح فى العالم فقد نشأت تلقائيا شبكة مافيا للاستيلاء على كعكة توريد واستيراد القمح المدعم وادارته من طبقة مصالح مشتركة من الفاسدين فى مصر تبدأ بالمستوردين الذين اقاموا علاقة تاريخية مستمرة ومتجددة بطبقة من المسئولين المرتشين المتعاقبين فى وزارة التموين ووزارة الصحة والزراعة ، فالوزارة الاولى موكل لها شراء ووضع مواصفات القمح المستورد واستلامه وتخزينه وتوزيعه على مخابر الخبز المدعم والتأكد من انتاجه ووصوله لمستحقيه والوزارة الثانية والثالثة مهمتها التأكد من أن القمح المستورد صالح للاستهلاك الادمى ومطابقته للمواصفات التى اشترطتها وزارة التموين فى الاستيراد واماكن التخزين ...ونظرا لضعف النظام القضائى والرقابى والنائب العام فى مصر مع تبعيته الفعلية للسلطة التنفيذية، علاوة على ضعف المعامل فى اختبار العينات والتلاعب الاداراى والسياسى بنتائجها، فقد طفت على السطح وتدوالت الصحف وسربت بعض الوحدات الاولية للجهات الرقابية أخبار على فترات متعاقبة على مدى حكم مبارك بأن بعض صفقات القمح المستورد ملوث بالاشعاع النووى ومسرطن وملئ بالحشرات والرطوبة والعفن وغير صالح للاستخدام الآدمى وبعضه رفض استخدامه كعلف للحيوانات فى الخارج وبعضه تعرض للتلف من سوء التخزين فى مصر فتم تخزينه فى أماكن إما اتلفته أو زدات من موبقات عدم صلاحيته مع ضعف فى وسائل الرقابة الصحية للمعامل ونقص الاجهزة الحديثة اللازمة للاختبار والتحليل ...وقد وصل الامر الى نتائج غير طبيعية أو منطقية على الاطلاق فبينما كان رغيف الخبز الحر الغير مدعم المصنوع من القمح المستورد الفاخر والمصنع جيدا يباع ويملأ شوارع القاهرة بـ 25 قرشا للرغيف الواحد وعلى النقيض فان رغيف العيش الذى كان يقدمه نظام مبارك بخمسة قروش للمواطن ومدعم من الدولة بثلاثين قرشاً ويصل تكلفته الاجمالية الى 35 قرش للرغيف الواحد وصل الى حالة من السوء والتردى سواء فى وزنه ورائحته أو شكله أوطعمه أو بالمخلفات الصلبة المختلفة التى يمكن ان تجدها فيه حتى أن البعض أقبل على شرائه لاستخدامه كعلف للحيوانات والدواجن مع عطنه وحاولوا تحسينه فلجأوا الى مصنعى المخابز اللبنانية لتعديل الفرن اللبنانى لينتج خبز أكثر سماكة مصرى وانتهى الحال الى احلال الافران اللبنانية لتنتج عيش شبه لبنانى مدعم سئ فى الخامة والصناعة على الطريقة المصرية ؟!
إضافة إلى أن المخابز بالتلاعب مع مفتشى التموين توسعت فى سلوكها المعتاد ببيع النوعيات المقبولة من أشولة الدقيق المدعمة من الدولة فى السوق بسعر الحر ولم يفلح خلط الدقيق الابيض بالاسمر فى حل هذه السرقة للدقيق المدعم التى يقوم بها أصحاب المخابز ولم تثمر نظرية فصل الانتاج عن التوزيع فى التصدى لهذا السلوك المعتاد فبينما يقوم المخبز بالانتاج ويرسله لمنافذ البيع المنفصلة زاد الفاقد فى الانتاج والنقل والبيع معا ؟!
وعلى صعيد آخر، كانت هناك جهود بحثية ناجحة من علماء فى معهد البحوث الزراعية وأكاديمية البحث العلمى لرفع انتاجية الفدان من محصول القمح ضمن "الحملة القومية لزيادة محصول القمح" بمصر التى تهدف إلى تخفيض معدل الاستيراد إلى الربع خلال ثلاث سنوات استطاعت أن تحقق زيادة فعلية ملحوظة فى انتاج القمح المحلى وقامت باختبار السلالات الجديدة فى مشروع "الحقول الاسترشادية " فى 1600 حقل زراعى منح الفلاح فيها تقاوى بذور ذات انتاجية عالية واسمدة للقمح مجانا سنويا لاختبار جودة البذور والانتاجية وتشجيع الفلاحين على التوسع فى زراعة القمح وكشف تقرير صادر عن قطاع الخدمات الزراعية التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، أن مصر نجحت في زيادة مساحة الأراضي المزروعة بمحصول القمح لتسجل 3 ملايين، و96 ألفًا، و100 فدان في نهاية العام 2012. وإلى جانب هذا النجاح الذي تحقق من الحملة، فإن هناك أفكارا أخرى لزيادة محصول القمح خرجت عن مخترعين مصريين منهم المهندس الزراعي علي عاشور صاحب اختراع تركيبة من مواد طبيعية مستخلصة من طحالب بحرية ترفع إنتاجية فدان القمح بنسبة 30%.
وقامت الدولة أيضا بتشجيع الفلاحين على زراعة القمح محليا بأن فتحت وزارة التموين توريد طن محصول القمح المحلى للوزارة بسعر يزيد عن مثيله المستورد بـ 168 الى 200 دولار وفعليا إستطاعت الدولة تقليص حجم القمح المستورد وتوفير عملة صعبة الناتجة من استيراده والاعتماد على منتج القمح المحلى فى قرابة ثلث احتياجاتنا من إستهلاك القمح سنويا مع زيادة انتاج القمح محليا.
ولكن وزارة التموين تفتح باب توريد القمح المستورد للمصدرين فى ذات الوقت الذى ينتج فيه ويظهر محصول القمح المحلى من منتصف أبريل وحتى منتصف يوليو من كل عاممما أدى إلى ظاهرة "تدوير القمح" أو تعبئة القمح المستورد أو خلطه بالقمح المحلى وتوريده لوزارة التموين على انه قمحا محليا والاستفادة بهامش الدعم الذى تقدمه الدولة للقمح المنتج محليا؟ وزارة التموين تنفى أنها تشترى قمحاً مستورداً على انه قمحاً محلياً وأن لديها من الكفاءة وجودة الاختبارات مايمنع دخول ذرة حبة دقيق مستوردة على انها مصرية؟ ولكن لا أحد يصدقها!
وكانت مفاجأة شخصية لى ان أجد وأرى بنفسى فى تنزانيا ورواندا دقيقاً من القمح تم إستيراده من مصر وقد إستغربت من تصدير مصر للقمح التى تدعمه لخفض استيراد القمح المستورد من الخارج بالعملة الصعبة علاوة على جهود سياسية الدولة العامة فى زيادة انتاج القمح المحلى للوصول لحد الاكتفاء ، حتى أننى تصورت للوهلة الاولى أن على الحكومة المصرية فرض حظر على تصدير القمح المصرى مثل الحظر المفروض على تصدير الارز المصرى وبحثت على الجوجل لعلنى أجد كمية القمح التى تصدرها مصر سنويا فلم أجد غير كلمة واحدة متكررة فى اتجاه واحد مخالف عن حجم استيراد مصر من القمح لا العكس؟
فهل تصدر مصر فعليا القمح من انتاجها المحلى رغم أنه سلعة استراتجية؟ وهل هناك جدوى اقتصادية من تصديره تحقق هامش ربح أعلى من الدعم الذى يتلاقه منتج ومورد القمح المصرى لوزارة التموين وقدره من 200 الى 168 دولار على كل طن؟ ؟ وهل يحقق القمح المصرى بعد اعفاءات الكوميسا من الجمارك والضرائب ربحية لمن يقوم بتصديره للدول الافريقية أكبر من العائد من توريده لوزارة التموين المصرية ويكون فى ذات الوقت أقل سعرا من مثيله فى الاسواق الافريقية وهنا لابد ان يتمتع القمح المصرى بقدرات سحرية من حيث أنه جودته أعلى من جودة أى محصول قمح منتج فى أى بلاد العالم ليصبح أكثر ربحية وأقل سعرا فى نفس الوقت ؟ أم أن ظاهرة النصب و"تدوير القمح" المستورد الاقل سعرا وتعئبته فى شكائر مصرية التى يقوم بها مافيا المستوردين و المصدرين المصريين ذهبت وانتقلت مع الكوميسا لتطول وتنتشر فى السوق الأفريقية مع توسع المصريين فى تصدير الفساد والنصب للدول الافريقية؟ والاهم هل تدعم الحكومة المصرية مصدر القمح المصرى لافريقيا بمنح نقدية دولارية على كل طن تصدير للقمح المصرى ضمن برنامج حوافز تشجيع تصدير المنتجات المصرية للخارج؟ والاكثر أهمية إذا كان الخبز هو وسيلة الغذاء الاساسية عند كافة المصريين لدرجة أنه يطلقون عليه دون كل بلاد العالم رغيف "العيش" كدليل على أنه أحد الضرورات الاساسية للحياة.. فكيف ليس فى بيتنا قمح... ونحن نقوم بتصديره؟ وكيف خرج القمح من مصر والاحتياطى النقدى المصرى من الدولار لا يكفى لسداد حاجة مصر لمدة ثلاثة شهور؟ إذا كان أحدا من الحكومة أو المسئولين او الاجهزة الرقابية أو القارئين مهتما، فعليه أن ينتبه وينبه الآخرين لهذه الفوضى والكارثة فى الأمن الغذائى للمواطن المصرى...فالقمح الليلة فى عيده وهناك من لايريد أن يبارك الله فيه ولايزيده أما بنصب على الافارقة أوجشعا وفسادا وإضرارا بحد الكفاف فى افواه المصريين حتى فى العيش اللازم لحياتهم؟!
التعليقات (0)