قبل أيام قليلة، وتحديدا في الخامس من شهر أكتوبر كان رجال ونساء التعليم على موعد مع اليوم العالمي للمدرس الذي تم اعتماده منذ سنوات كمناسبة للاحتفال بدور الأسرة التعليمية و الإعتراف بدورها الكبير في النهوض بالمجتمعات و تطويرها. و إذا كانت الدول الغربية المتقدمة تولي لهذا اليوم أهمية خاصة تؤكد قيمة العلم و المعرفة في حياة شعوبها، فإن الحال عندنا مختلف تماما...
في مجموع الدول التي تسمى "عربية " و التي تمتد من الماء إلى الماء يمر هذا اليوم مرور الكرام. بل إني أجزم أن فئات عريضة من الهيئة التعليمية نفسها لا تعرف يوما عالميا للمدرس. و هذا أمر ليس بغريب في ثقافة تعرف هوة عميقة بين القول و الفعل. أمة يقال فيها: إن المعلم كاد أن يكون رسولا، لكن الواقع يشهد بغير ذلك. فقد أصبح الشأن التعليمي على امتداد هذه المنطقة يعرف تراجعا مستمرا و لا يكاد يمارس أي تأثير في المجتمع. و بات كل من يحمل الهم المعرفي غير مرغوب فيه من طرف السلطة الحاكمة التي تراه مصدر قلق يهدد مشاريعها. كما أنه غير قادر أيضا على تغيير الواقع الإجتماعي الذي قلب كل المعايير، و أصبح يحتفل بكل أشكال التفاهة و الإسفاف، و لا يعير اهتماما للعقل و المعرفة. لذلك لم يعد للمثقف أي حضور وازن، وأصبح في أحسن الأحوال جزءا من النظام العام و مساهما في تكريس نفس الوضع السائد. أما مفهوم " المثقف العضوي" بلغة غرامشي، فهو سلعة نادرة جدا إن لم تكن منعدمة. و من تم فإن مجتمعا تعتبر المعرفة و الثقافة آخر همومه لا يمكن أن يتعامل مع هذه المواعيد إلا باللامبالاة، لأن التربة الإجتماعية نفسها ليست مهيأة للإنخراط في الإحتفال بالمعرفة و العقل.
في مثل هذه المناسبات، و عندما نحاول أن نقارن أحوالنا بأحوال الآخرين، لا نجد بدا من القول: لا مقارنة مع وجود الفارق. و الفارق هنا لا يخطئه ذو منطق سليم. فهذا الغرب الذي يحلق عاليا في سماوات المجد و الإبداع و التقدم التكنولوجي، ما كان ليحقق ذلك لو لم يؤسس لمجتمع المعرفة و العلم، و يحرر العقل من كل أشكال الحجر و الوصاية... لذلك و جدت نفسي في اليوم الموالي، أي في السادس من أكتوبر أمام مفارقة غريبة، فبينما ترتفع أبواق القومية العربية صادحة بنصر مزعوم يقال إنه سحق إسرائيل سنة 1973، كان الإسرائيليون يحتفلون بمناسبة خاصة ( لن نشهد لها مثيلا في مجتمعاتنا طبعا) يصطلح عليها هناك بعيد نوبل الإسرائيلي. و يحق لإسرائيل أن تحتفل بهذا العيد بكل جدارة. فقد فاز إسرائيلي آخر هذا العام بجائزة نوبل في الكيمياء. " داني شيختمان" أكد بالملموس قيمة العلم و المعرفة في بلده، كما برهن على قيمة منظومة البحث العلمي في إسرائيل، و التي تحظى باعتمادات مالية ضخمة ( 9 مليار دولار سنة 2008 بنسبة 4.7 بالمئة من إنتاجها القومي). كما أثبت أيضا مكانة الجامعة الإسرائيلية التي تشير الإحصائيات الدولية إلى تقدمها، حيث احتلت الجامعة العبرية في إسرائيل المرتبة 64 عالميا وفقا لإحصائيات 2008، بينما لا يأتي ذكر اسم أية جامعة عربية إطلاقا بين الجامعات الخمسمائة الأولى عالميا... و هكذا فإن احتفال إسرائيل بنوبل ليس مجرد استعراض إعلامي، بل هو ثقافة مترسخة و سياسة ممنهجة تعلي من شأن العلم و العلماء. و هو ما يثبت أن قوة إسرائيل لا تتوقف على عقيدتها العسكرية فحسب، بل تتجلى و هذا هو الأهم في اهتمامها البالغ بشؤون المعرفة و البحث العلمي.
ألا يحق إذن للعالم بعد هذا أن يعجب بإسرائيل، و يعجب لحال العرب و المسلمين؟. محمد مغوتي.09/10/2011.
التعليقات (0)