منذ تعرضه الي آخر محاولة اغتيال، لم تجدي جرعات الويسكي المركزة ولا الحبوب المنومة في دفع الأرق عن رئيس الجمهورية... حين فشلت كل الوسائل المعتمدة في مثل تلك الحالة، استجاب رئيس الجمهورية الي نصيحة مستشاره الديني بوجوب قراءة بعض آيات القرآن... كما أفاده المستشار المذكور، أن من السنّة التركيز على ترديد آية معيّنة، ليحصل التدبّر المقصود. حين فتح المصحف طالعه قوله تعالى: ( والخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لا تعلمون)... ظل رئيس الجمهورية يردّد نصّ الآية لبعض الوقت، حين وصل الى قوله تعالى (و يخلق ما لا تعلمون) تساءل عن مغزاها... همّ بإستدعاء مستشاره الدينيّ، لكنه عدل عن ذلك حين وجد الوقت متأخرا. اكتفى بترديد (و يخلق ما لا تعلمون)، حتّى شعر باسترخاء و فتور. بعد الفجر بقليل، شعر رئيس الجمهورية بصعوبة كبرى في التنفس، كانت رائحة بول حادّة تملأ المكان، حين فتح عينيه، وجد نفسه في زريبة! كان محشورا بين خيول و بغال وحمير متباينة الألوان و الأحجام، داهم رئيس الجمهورية رعب شديد لحظة بدا له طول وجهه الذي انتهى بمنخرين واسعين و مشعّرين، لم يحتج الي النظر الي الأرض لكي تكتمل مأساته، لأنه كان يحسّ منذ البدء انه كان يعتمد على أربع قوائم...بدون إطالة : كان حمارا حقيقيّا!... مما ضاعف خوف رئيس الجمهورية، أن وجوه بعض تلك البغال والحمير كانت آدميّة، من بين تلك الوجوه التي كانت تتطلع إليه ببلاهة، لم يجد أي صعوبة في التعرّف على النائب العام و نقيب الصحفيين و وزير الشؤون الدينيّة و مفتى الجمهورية. حين حاول استنطاقهم تطلعوا إليه بلا مبالاة، قبل أن يدسّوا رؤوسهم في معالفهم... تضاعف رعب رئيس الجمهورية، حين أحسّ بما يشــبه العمودين، وهما يستـقران على كفلــيه، حين التفت الي الوراء ، رأى حمارا منعظا يجتهد في اختراقه، تعريفه بنفسه، و صياحه بأنه رئيس الجمهورية و القائد العام للقوات المسلحة، لم يغير من الأمر شيئا، بل ضاعف فيما يبدو من شهيّة الحمار، كما زاد في عدوانيته، دون أن يحول بين وقوع المحظور... بجسد ممزّق و كرامة ممرّغة في البول و الروث، تمكن رئيس الجمهورية بصعوبة كبرى من فتح ممرّ نحو الخارج، حين غادر الزريبة، وجد نفسه في أرض عراء، أخذ يركض دون أن يلتفت، حتى بعد زوال الخطر، و اختفاء نهيق الحمار الفاسق الذي ظل يلاحقه طويلا. لم يكفّ رئيس الجمهورية عن الركض، إلا حين وجد نفسه بجوار بيت طينيّ يجلس أمامه شيخ وقور، كان مستغرقا في تلاوة القرآن . عجز رئيس الجمهورية عن النطق، لم يمّكنه من التعريف بنفسه، كان كلما حاول الدنوّ من الشيخ، حذفه بحصى، لاعنا أصحاب الحمير السائبة... حين يئس رئيس الجمهورية من التعريف بنفسه، ربض قريبا من الشيخ... بعد مدة وجيزة، أقبل شيخ هرم يقوده غلام صغير، بمجرد رؤية الشيخ لرئيس الجمهورية سارع الي امتطائه لكن رئيس الجمهورية انتفض قائما ثم هدّد برمح كل من حاول الدنوّ منه:
ــ التمسوا حمارا غيري، فأنا رئيس جمهورية .
صاح الشيخ معلقا:
ــ لأول مرة في حياتي أصادف حمار شهما لا يستحيي من التعريف بهويته الحقيقيّة!
قال الغلام متعجبا:
ــ أن يتكلم حمار، ذلك ما أدهشني.
أخذ الشيخ بيد الغلام وهو يقول:
ــ وهل يسمع في هذه البلاد الا صوت الحمير!
بعد انصراف الشيخ و الغلام يائسين،أقبلت جماعة يتقدّمها راكبان أشقران كانا يعتمران قبعتي رعاة بقر، حين توقفا أمامه، تبيّن لرئيس الجمهورية، أن احدهما كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دابل يو بوش، أما الثاني، فكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. كان جورج دبليو بوش، يعتلي بغلا قميئا بملامح آدمية شديدة الشــــبه بالشــــيخ يـــوسف القرضاوي مفتي الإخوان المسلمين، أما توني بلير، فقد كان يمتطي حمارا شديد الهزال بملامح المرجع الشيعي آية الله السيستاني. كان الشيخ الوقور مسترسلا في التلاوة، لا يبدو انه تفطن أصلا لوجود القافلة. في مؤخرة الركب، كانت تقف سيدة بدينة بثياب مغبرّة، و قدمين متقرّحتين من أثر المسير، حالما وقع نظر جورج دبليو بوش على رئيس الجمهورية، التفت الي توني بلير، ثم صاح بحبور من عثر على جرة ماء في بيداء:
ــ انظر عزيزي توني، أخيرا هذا حمار فتيّ ، يبدو أن معاناة وزيرة خارجيتنا الأخت مادلين أولبرايت قد أشرفت على نهايتها.
ــ لكنه شديد الهزال...لا أعتقد أنه يحتمل ثقل أختنا مادلين.
ضحك جورج دبليو بوش ثم قال:
ــ لقد امتحنت من هو أشد منه هزالا، فنجح بإمتياز.
لم يقتنع توني بلير بما سمعه من جورج دبليو بوش، لأجل ذلك أعلن بضجر:
ــ الآن فقط تأكدت من صحّة كل ما قيل عن غبائك الشديد.
لم يعر جورج دبليو بوش أدنى إهتمام لما قاله توني بلير بل طفق يقول :
ــ أوه عزيزي توني، يبدو أنك أجهل الناس بأجناس البغال و معادن الحمير.
ثم و هو يتفرس في بنيان رئيس الجمهورية.
ـــ بخلاف كل السّلالات التي خبرتها، فهذه الفصيلة بالتحديد أصبر من غيرها على سوء المعاملة، كما تمتاز بخاصيّة تفتقدها بقية الأجناس، فكلما تقدم بها السّن، زاد نشاطها و قلت تكلفتها... باختصار شديد لم تخذلني قط .
تعريف رئيس الجمهورية بصفته الشخصيّة و الرسميّة، ضاعف من إصرار جورج دبليو بوش على تسخيره، لم يشعر رئيس الجمهورية بأن مادلين أولبرايت قد استوت على ظهره، إلاّ حين أحسّ بفخذيها الغليظتين وهما تطبقان على عنقه بعنف كتم أنفاسه... إتفقت لحظة إستئناف القافلة مسيرها، مع ارتفاع صوت الشيخ بقوله تعالى( و يخلق ما لا تعلمون).
حين أسترد رئيس الجمهورية وعيه، كان يمسك خناقه بكلتا يديه، كما كانت تـــتردد على ذهنــه المجـهود ،عـربيّة مادلين أولبرايت الركيكة، وهي تصيح فرحا بعد تأكّدها من حسن أداء رئيس الجمهورية :
ــ عزيزي بوش ريلي ريلي سدك الله و يكلك مالا تالمون!
التعليقات (0)