مواضيع اليوم

كابتن الحارة

عادل جبرتي

2009-11-07 01:07:59

0

 


كابتن الحارة
قصة قصيرة
الجزء الاول


     قعدت من قيلولتي منتشيا . استغربت . في البيت سكونا لم أعهده . لذلك لم يكن هناك داع لكي امثل دور المستيقظ من النوم لتوه , وذلك بتقطيب جبيني ومد شفتي شبرا , والرد بجملة واحدة فقط على كل من يوجه لي كلاما أو يطلب مني طلبا .


لقد استيقظت لتوي من النوم . اتركوني وقوموا باعمالكم بانفسكم .


كنت افعل ذلك هروبا من أي عمل يمكن أن يكلفني به ابي أو تكلفني به امي , فأفقد معه فرصة ممارسة لعب الكرة , أو الخروج مع اصدقائي إلى إي مكان , بعيدا عن هذه الحارة , وعن عيون الفضول التي تملأها . غسلت وجهي . سرحت شعري . ثم تطلعت قليلا في المرآة , وكالعادة دعوت بالمغفرة لوالدي جزاءا لهما على هذه الخلقة التي أهداياني إياها . خرجت من البيت وعلى بابه وقفت قليلا . أسأل نفسي , ماذا أفعل آلان ؟ وإلى أين يمكن أن اذهب ؟


لم أكن راغبا في عمل شئ محدد , واعجبني منظر الصغار وهم يلعبون أمام بيتنا , ثم هذا الهدوء الذي في الحارة , والذي كأنه خرج معي . كنت منتعشا فأحببت أن أزيد أنتعاشي . لمحت احمد ابن اختي يلعب مع الصغار فناديته .
لم يجبني من اول مرة , ولا ثاني مرة , ولا ثالث مرة , فشعرت أن هذا اللئيم يريد أن يعكر صفوي , ولكنني لن اعطيه فرصة لذلك . لم يكن بعيدا عني , ولكنني لن ازعج نفسي بالجري ورائه . التقطت حجرا , وانتظرت حتى اصبح بامكاني اصابته هو لا غيره , تجنبا للمشاكل مع أهل الحارة , فهو ابن اختي ولن يعني أحدا امره , على الاقل من خارج العائلة , وفعلا كان هو الهدف . لم تكن الضربة قوية , ولكنها حتما وجهت اهتمامه لي . رد علي غاضبا


ماذا تريد ؟
فأجبته
عندما اناديك تأتي فورا . في المرة القادمة ستكون الضربة اقوى , ولن تستطيع معها اللعب لمدة شهر
ثم صرخت
تعال


فجاء المسكين ووقف امامي . تناسيته قليلا لسببين . اولهما لكي ينسى الضربة فيحقق طلبي , وثانيهما لأوحي إليه أنني لا أكترث لما فعلته به . مع تكراره المزعج عما اريده قلت له : اذهب واسرق لي سيجارة من سجائر ابيك , وأخبر امك أن تصنع لي كوبا من الشاي , هيا يا حبيبي يا أحمد , فأنا خالك الذي يحبك ويدافع عنك في الحارة . بالطبع , لم يكن قادرا على الرفض فذهب مسرعا لكي يعود ويكمل اللعب مع اقرانه , وبالفعل كان امامي بعد قليل , فأعطاني السيجارة اولا , ثم ناولني كبريتا احضره معه , لم اطلبه منه , ولكنه صار يعرف عمله جيدا , ثم اعطاني كوب الشاي , واعطاني معه الجملة اياها في كل مرة


تقول لك امي , هذا الشاي ومعه لعنة .


ارتشفت قليلا من الشاي ثم اشعلت السيجارة , يا سلام . شعرت لحظتها بأن الحارة ملكا لي وحدي , وبأن الناس تحتي , انظر اليهم من فوق , ثم بدأت امارس هوايتي


شرف الدين , أنا فيه يسرق مكيف , أنت فيه يشتري؟


لم يرد على فقد كان منهمكا في تصليح احد المكيفات . مسكين شرف الدين هذا , فلم يسافر الى وطنه منذ أن جاء قبل اربع سنوات , ولا زلت اذكر يوم وجدته ذات ظهيرة يجادل جارنا عبدالرحمن بلغة بين الرجاء والتهديد


أنت فيه كفيل مال أنا , أنا فيه كفيل مال اربع بزورة وواحد هرمة , انت ليه ما يعطي فلوس مال أنا عشان يسافر .


مر من امامي عثمان الخباز فلم اتركه . كيف حالك يا عثمان . اريدك الليلة ان تهتم بالخبز فقد دعوت بعض اصدقائي على العشاء , وهم من خارج الحارة , واريدك ان تبيض وجهي , ومثل شرف الدين , لم يرد على ماضيا في طريقه . يحق له ذلك , فلم يدخل بيتنا من مخبزه , ولو كسرة خبز , منذ أن افتتحه قبل سبع سنوات . كان ابي يرد باستنكار عندما تطلب منه امي ان يعفيها من عمل الخبز


ما بقي الا الخبز نشتريه من برا !!


بعد قليل , انهمكت تماما في عملي . انظر الى هذا والى ذاك . اضحك على شكل هذا , وعلى ملابس ذاك . ولا انسى الصغار الذين يلعبون امامي فأعود اليهم
  .  هيا يا أحمد , حاول أن ترفع الكرة من فوق روؤسهم , فخالك افضل من يسجل الاهداف بهذه الطريقة .
ثم اعود وأسأل نفسي يا ترى اين ذهب ابي ؟ واين يمكن أن تكون امي ؟ كأني بها تتصدر , احد المجالس النسوية , باخبارها التي لا ادري من اين تأتي بها , ولا بقصصها التي حفظناها عن الزمن الغابر , والحق أن أمي تحمل تاريخا كاملا بداخلها , وأرى أنها أجدر , بتدريس التاريخ , من مدرس التاريخ بمدرستنا . ثم فجاة , يقطع هذا الهدوء صوت تصادم سيارة خرجت من الحارة , بسيارة آخرى كانت تمر بالشارع الرئيس بالحارة , وهو نفسه الشارع الممتد عن يميني ويساري . يا سلام . حادث تصادم , وأمامي . ثم ما لبثت أن توقفت عن كل ما كنت افعله او افكر به . وضعت كوب الشاي جانبا . قمت واقفا . رميت بالسيجارة . دستها بقدمي . استحضرت شياطيني , وشبكت يداي وراء ظهري , وكأنني في طريقي الى المسجد , وذهبت الى حيث التصقت السيارتين , وترجل الرجلين , اللذين كان احدهما ليس سوى ابو محمد , أما الآخر فلا أعرفه , فيبدو لي أنه ليس من حارتنا , بل بكل تأكيد هو ليس منها , فليس في الحارة شخص لا أعرفه . ابو محمد في ورطة , وامامي . ابو محمد هذا كلما رآني لا بد أن يسألني عن والدي , وكنت اجيبه في كل مرة بالجواب نفسه , وهو أن ابي في المسجد , حتى لو لم يكن الوقت وقت صلاة , فيرد على الخبيث بالرد نفسه , ولماذا لم تذهب معه للصلاة ؟ اليوم سأصلي عليه صلاة الجنازة , إن شاء الله . الغريب في الامر انه لم يحدث بينهما مشادة كلامية حتى الآن , كما يحدث غالبا في مثل هذه المواقف , بل أنهما اخذا يتفحصا مكان التصادم , كل في سيارة الآخر , بكل هدوء . ولكن لا عليك , فاذا لم تكن هناك مشكلة فسناصنعها نحن . وشوش بها داخل اذني صوتا اعرفه جيدا . مرحى , يبدوا أن الشباب قد حضروا . وعندما وصلت كان ابو محمد داخل سيارته , وكأنه يبحث عن شئ , فلم يلمحني , وهذا جيد لاستفرد بهذا الرجل الغريب . القيت عليه بالسلام . نظر إلى من حيث رفعه الله , فقد كان عملاقا , ورد ببرود وبعدم اكتراث لوجودي , ولكن ذلك لم يثنني عن عزمي , فوجهت اليه كلامي بينما كنت انظر الى مكان الصدمة في سيارته


هل بينك وبين هذا " الشايب " عداوة
رد على بنبرة بين التعجب والنزق
لماذا ؟


اعجبني تواصله معي فاسرعت انقض عليه , مع أن انقضاضي كان في الحقيقة على ابي محمد . اجبته ان التصادم كان مقصودا من ابي محمد


قال لي
وكيف عرفت ؟
قلت له ,
أنني من مكاني كنت اراكما قبل أن تتصادما , فقد كنت أنت تحاول أن تتفاداه , ولكنه تبعك بسيارته , وأن الخطأ عليه مئة بالمئة , وأنا شاهد على ذلك , وسأشهد اذا استدعيت المرور ,
  ثم وعيناي تحاولان السيطرة على عينيه , على بعدهما


لا تتنازل عن حقك


في هذه الاثناء انضم الينا ابو محمد , ومعه بعض الاوراق , وناولها لهذا الشخص , ثم توجه ناحيتي بنفس السؤال الذي يسألني اياه دائما . قلت في نفسي , أن أجبته أن ابي في المسجد في هذا الوقت , كانت الساعة الخامسة عصرا , وهذا ليس وقت صلاة , سيعرف الشخص الآخر , أن العلاقة بيننا ليست على ما يرام , فيعرف أنني كنت أريد , بتدخلي , خلق مشكلة لأبي محمد , وليس وقوفا معه , كما حاولت أن اوحي له بذلك ,

فقلت لأبي محمد أن ابي مسافر

فسألني ,
الى أين ؟
فلم أرد


وجه ابو محمد سؤاله التالي للرجل
هل زرت عمك ؟
فأجابه , نعم وهو يبلغك السلام .


لم الاحظ طبيعة الحوار بينهما , الذي كان يدل على انهما يعرفان بعضهما جيدا , فقد كان اهتمامي منصبا في اتجاه واحد , وهو كيف اضع رقبة ابو محمد بين يدي هذا العملاق الضخم , الذي عندما ظهر لي بروده تحولت في صف ابي محمد وسألته


هل اطلب المرور يا عم ابو محمد


لم يكترث لسؤالي , بل أنه قال لهذا الذي لا اعرفه  الليلة بعد صلاة المغرب سنزور جارنا عطية في المستشفى .
استغربت طول الامل عند ابو محمد , وقلت في نفسي بل سنزورك انت ان شاء الله , وأعدت عليه السؤال


هل اطلب المرور يا عم ابو محمد


عندها لم استوعب كيف اصبحنا أنا وذلك العملاق الضخم في مستو واحد . ولاول مرة أحترم ابو محمد حين قال : يا ولدي يا محمد اتركه , أم تريد العودة الى السجن بسبب هذا المعتوه . تركني فسقطت على الارض وسقطت على رأسي ضحكات الصغار الذين التفوا حولنا .

سألت أحمد ابن اختي
من هذا الرجل ؟
فأخبرني أن هذا محمد ولد ابو محمد
قلت له
ولكنني لم اره من قبل في الحارة .
فأخبرني
لأنه كان في السجن لمدة عشر سنوات
فلم أسأله عن السبب فقد جربت ذلك بنفسي .


وقبل أن أعود إلى حيث كنت أجلس , نزل على سؤال أحد الصغار كالصاعقة


يتبع .. الجزء الثاني .

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !