قد لا يوجد اقرب الى تعبير الهم على القلب من ذلك الضجيج الفارغ المرتبك المتمثل بالتصريحات المشوشة التي تتساقط علينا باستمرار من اعلام جيرتنا مع الكويت..وقد لا يكون هناك اكثر املالا من تلك اللا جدوى المعتقة للمحاولات العقيمة الرامية الى اسدال الستار على ذلك الواقع المتعب والمثير للغثيان الذي نضطر لمكابدته يوميا من خلال الوخز المزعج الذي يسببه مثل هذا السلوك والذي قد لا يوازيه الا اختبار النوم وسط افواج من البرغش المقرف مع كل الشعور بالضيق والانقباض الذي تولده في ليالي الصيف المسهدة,خصوصا اذا كان ما تنتعله خارج متناول ايديك التي انهكها النعاس.
نتفهم المخاوف التي تعتري الكويتيين من السجل الطويل من التأزم في العلاقات العراقية-الكويتية..وقد يكون هذا التفهم وذلك التاريخ هو ما يجعلنا نزدرد بصعوبة مرارة الصبر على الاعتراض الدائم من قبل الجار المحشور في الجنوب على استعادة العراق لدوره الطبيعي والطليعي ضمن المنظومة الدولية وعلى الحساسية الاقرب الى الهلع من قبل "الاشقاء" الكويتيين تجاه فكرة العراق القوي المعافى والسيد..وهو بالتأكيد نفس السبب الذي يدفعنا الى الاسراف في ارسال الرسائل الودودة المطمئنة والمغلفة باطنان من الحديث عن العلاقات التاريخية وحسن الجوار والعبارات المجاملة الودية والمتغاضية عن التجاوزات الرسمية الكويتية المتكررة والملحة حد الوقاحة..
ولكن هذا التفهم نفسه ..وهذا الاسراف في المشاعر الاخوية قد لا يكونان مبررا كافيا لتحمل البعض المندفع الى التطوس الزائف المنتفخ بشعور الرضا الذي يولده وجود جواز السفر في اقرب مكان الى القلب واعلاء الصوت بان استقبال الخارجية الكويتية لأي وفد عراقي " سيعتبر إهانة للشعب الكويتي" وان"ما أوصل العراق بالتمادي الى هذا الحد هو سياسة الخجل التي تمارسها حكومتنا تجاه العراق".محذرين من ان "الكويت بعد عام 1990 تختلف عن الكويت قبل هذا العام"وان"الجيش الكويتي يختلف وضعه تماما عن عام 1990".كما يتقول النائب الزاعق مسلم البراك والعديد من الاقلام الكويتية على خلفية الخلاف الذي اختلقته الكويت بانشائها مشروع ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان مع كل ما يمكن ان يشكله من ضرر تجاه مستقبل وحياة العراقيين..والذي لا يمكن عده الا خطوة نزقة غير مبررة في مسيرة التنافر والتقاطع ما بين البلدين الجارين..و كاستفزاز لا محل له من الجوار او الاعراب تقترفه الحكومة الكويتية تجاه اقتصاد ومقدرات الجار العراقي الاكبر..
فقليل من الاطلاع على مستوى الطروحات الشوارعية التي يتبناها بعض السقط من الاعلام الكويتي يدفع بالضرورة الى التحير بين نقيضي شعورين يترجرجان ما بين الاحتقار المشفق والذهول من حجم الارتكاس في وهم الصوابية الذي تولده ابتسامات المسؤول الاعلى وهزات الرضا من رأسه دون النظرالى عمق هذا الدرك غير المطروق من انعدام البصيرة والحياء الذي يعاني منه البعض من ممتهني الصراخ وحرفة الكتابة ..
فالمرء يتعجب من مصدر الجرأة التي حطت على السيد علي الدقباسي رئيس الكيان الهلامي المنعوت بالبرلمان العربي ليقول بان العراق “لن يأتي منه خير، لاسيما في ظل حكومته الحالية"دون النظر الى اي مما تفرضه اللياقة السياسية ..ولا الخطاب المنتشي الذي نقرأه للسيد مبارك مزيد المعوشرجي في مقاله المعنون " من غازي إلى المالكي ... الوهم نفسه" ليتصور ان الكويت هي مصدر القلق والهوس والشغل الشاغل للعراق حتى انه "من أيام غازي وحتى أيام المالكي لم يجتمع العراقيون على تشتتهم وتنافرهم إلا على أمرين، كره الكويتيين، والطمع بالكويت".داعيا الى "إعداد الداخل الكويتي لأي تصرف خاطئ على الحدود الكويتية – العراقية"دون ان تصل به تلك النشوة الى حد ان يبين ماهي هذه الاستعدادات.
وبدون ادنى رغبة في الدخول في متاهات التنابز والتراشق بالححج والبراهين والتفصيلات التي قد نجد الشيطان قابعا في زواياها المعتمة..نجرؤ على ان نهمس في اذن دعاة التصعيد المستدر لعطايا الجهات المستفيدة من التقاطع بين الشعبين الجارين.. ان سلبية بكل هذا القدر قد لا يكون من الممكن التعايش معها لفترة طويلة ..ومن المقدر لها بالضرورة ان تؤدي الى سلسلة تراكمية من الاخطاء تقود الى خسارة حتمية غير مأسوف عليها لانفسهم وللحظوة التي تحصلوا عليها من العاب الخفة الادبية التي يرفهون بها عن السادة الممولين للفساد الاعلامي الذي يمارسوه..
وان مثل هذا الضجيج ..وعلى الرغم من انه قد يكون صالحا لتخليق الشعور بفخر الانتصارات قصيرة الاجل والنظر الموحية بالاخضاع والاذلال للاقوى والاكبر والاعرق والاهم والاقدم تمدنا واسهاما في مسيرة التاريخ والحضارة الانسانية..ولكنها لا يمكن لها ان تكون اكثر من مقالة عصماء هنا او هناك او ما يمكن ان يشكل حدوا موقعا على انين الربابة في ليالي الصيف المقمرة..
ولهؤلاء السادة نقول..ان السياسة المنتشية الطاووسية تكون اقرب الى المسخرة والتهريج اذا كانت لا تجد لها ما يدعمها ويبررها ويضفي عليها المصداقية والقبول..ومن المستبعد ان تعود عليكم بالفلاح هذه الممارسات المستندة على الزعيق الاجوف المحض.والتي لن تنجح في دفع العراقيين الى الاساءة الى كرام الشعب الكويتي ولو بنصف كلمة.. ولا في اضافة أي سنتمتر الى قامات لا ترتفع عن الارض كثيرا..
التعليقات (0)