حماس حركة ضعيفة، أو بشكل أدق هي في وضع يدفعها إلى الضعف، وهي كذلك طالما كل ما في هذه الدنيا يحاصرها، بدءاً من الرسميين العرب -باستثناء قطر وسوريا- إلى المجتمع الدولي وصولا إلى الورقة المصرية، وهذه الأخيرة أكثر ما يثير الاستغراب في الموضوع، فالبلد الذي شارك رسميا في الحرب الإسرائيلية على حركة حماس، يقاتل اليوم من أجل توقيع حركة حماس على ورقة المصالحة الفلسطينية! لا أدري لماذا؟
في هذه المسألة شبهتان: إحداهما ظاهرة، والأخرى خفية، الأولى متعلقة بإعادة صورة الراعي والوسيط بين الفلسطينيين للنظام المصري وهذه ليست حقيقته أبدا، فهو طرف ولا يقف على الحياد أبدا، ويتبع هذه المحاولة رغبة مصرية لمحو أثر الدور السيئ الذي لعبه النظام تضامنا مع إسرائيل في الحرب الأخيرة.
ومنذ انتخاب الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2006، والمجتمع الديمقراطي الدولي يحاصرها بغير حجة، لكن ذلك لم ينجح، وعوقب الجميع على تلك الغلطة التاريخية، وأكبر مخطئ في نظري هو حماس على خوضها تلك التجربة، أرادت أن تقنع الديكتاتور الأميركي بأنها مقبولة على الصعيد الشعبي، ونسيت أن الحلفاء لا يُنتخبون أبدا، والحصار الذي لم ينجح استلزم حربا استئصالية لانتزاع الحركة من أرض غزة، فكانت الحرب الأخيرة على القطاع وأهله، ألم يقل الطيب عبدالرحيم -حسب الرواية الإسرائيلية- إنه يجب عقابهم لاختيارهم حماس!، يجهل أولئك الناس قواعد الإيمان، وأن لا شيء يمكن أن ينتزعه من قلوب الناس، ولا أعني الإيمان من منظور ديني بل الإيمان بالحق والمبدأ والالتزام به، لكن الحرب أيضا لم تنجح وإن تحققت أهدافها العسكرية، فكان لابد من «ورقة مصرية» تُعْمِل معولها في الحركة لتحقيق الهدف السياسي من المشروع الذي بدأ في عام 2006.
حماس رفضت التوقيع على الورقة المصرية أربع مرات، هكذا صرح ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي كل مرة تطلق مبررات واهية للتأجيل آخرها الضجة حول تقرير غولدستون، وهو محق في ذلك، فحركة حماس لا تريد التوقيع على تلك الورقة، ليس لأن قوة إقليمية –إيران- لا تريد ذلك كما يقول ياسر عبد ربه، ولكن لأن الحركة لا تثق بمن حاصرها واستقبل رئيس وزراء ووزيرة خارجية عدوّها قبل العدوان، وارتبطت يوميات العدوان عليها وعلى الشعب الذي تدافع عنه بظهور مدير عام الخارجية الإسرائيلية في عاصمتها بشكل لا يليق أبداً بدولة عدوّة، فما بالكم بالدولة التي تدعي الحياد بين إسرائيل والفلسطينيين، لا تريد الحركة التوقيع لأنها تدرك أن ورقة مصر ليست من أجل قوة موقف الفلسطيني المقاوم في وجه إسرائيل، بل ثمن تدفعه مصر مقابل ما يحصل عليه نظامها من أميركا وإسرائيل، لكن حركة حماس لا تستطيع أن تقول ذلك، لماذا؟ لأنها حركة ضعيفة بكل بساطة، وهذا توصيف وليس اتهاما.
لست أخاً مسلماً، ولا قريباً على المستوى الإيديولوجي أو التنظيمي من الحركة الفلسطينية المقاومة، ولأنها مقاومة أجد نفسي متوحدا مع مشروعها ومتعاطفا معها، وهكذا أعرف إنسانيتي الميالة إلى الحق وأصحابه، إضافة لالتزامي كعربي بالقضية المعنية بها الحركة، ومن هذا المنطلق أقف مع الحركة وأرثي لحالها، الحال الذي يضطر خالد مشعل كل مرة ليسوق ألف عذر لكي لا يوقع، الضعف الذي تعيشه الحركة وقدراتها السياسية المحدودة تجبرها على اتخاذ هذا الموقع، الوهم الذي تتصوره في مصر منفذا تجاريا وتنفيسيا للقطاع يخيّل لها صعوبة إطلاق الموقف صريحا من المبادرة المصرية اللحوح، تجاهلها أن ما يخرج من مصر عبر الأنفاق لا يعدو كونه مؤسسة من الرشى لضباط الحدود المصريين ومافيا الحصار على غزة، أملها بأن يكون النظام المصري كما يجب أن يكون عليه حاكم مصر الحقيقي يغرقها في وحل الضعف والأماني الحالمة، فتردد علينا معزوفة «الإخوة المصريين» ومبادرتهم التي لا تفقد الأمل أبدا، كل هذا يحيلنا لضعف الحركة التي تراهن على كسب الوقت وتغير الظرف الإقليمي والدولي، وهذا في نظري يزيد من حرج موقف الحركة، ونحن بانتظار تحول في موقف الحركة من الصراع القائم، يجعلها تحدد موقفها بحدة أكبر، وتكون قادرة على تحمل تبعاته، فهي بأسوأ الأحوال لن تسقط، لكن الورقة وأصحابها قد يسقطون!
التعليقات (0)